تزداد يوما بعد آخر.. هل تؤدي خلافات الحزبين الرئيسين إلى تقسيم إقليم كردستان العراق إداريا؟

رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني يجتمع مع رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل الطالباني (الصحافة العراقية)

لا تزال  الخلافات السياسية مستمرة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في إقليم كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، الذي يسيطر على محافظتي أربيل ودهوك، وبين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافل طالباني نجل الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، الذي يسيطر على محافظة السليمانية.

آخر هذه الخلافات تمثل بامتناع نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد طالباني عن حضور جلسات مجلس الوزراء في الإقليم منذ شهرين، احتجاجًا على ما وصفه بـ (تفرّد) الحزب الديمقراطي الكردستاني بزمام السلطة في كردستان، حسب ما نشرته وسائل إعلام مقربة من الاتحاد الوطني.

وجاءت هذه الأحداث بعد حادثة اغتيال العقيد هاوكار الجاف، أحد أبرز الضباط في مؤسسة مكافحة الإرهاب، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمدينة أربيل، ما أدى لمقاطعة الفريق الوزاري للاتحاد الوطني جلسات مجلس الوزراء في حكومة الإقليم، بعد أن اتهم الحزب الديمقراطي قادة أمنيين في الاتحاد الوطني بالوقوف وراء عملية الاغتيال.

ويطرح استمرار الخلافات بين الجانبين -اللذين كانا عماد تأسيس إقليم كردستان- العديد من الأسئلة عن أصل هذه الخلافات وعن إمكانية حلها، وفيما إذا كان استمرار الخلافات سيؤدي إلى تقسيم الإقليم لإدارتين مستقلتين.

***فقط للاستخدام الداخلي**** غياث السورجي (الجزيرة 3)
غياث سورجي: نحن مشاركون في حكومة إقليم كردستان، لكن المفاصل الرئيسية بالحكومة تخضع لسيطرة الحزب الديمقراطي (الجزيرة)

أصل الخلافات

يتهم الاتحاد الوطني الكردستاني الحزب الديمقراطي بالسيطرة على موارد الإقليم على حساب محافظة السليمانية، وهو ما أكده رئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني في مقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية قبل أسابيع، حيث قال "تعاقب حكومة إقليم كردستان منطقة السليمانية وإدارتها، ولا تسدد رواتب المواطنين".

في غضون ذلك، يقول القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي إن هناك خلافات ومشكلات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ومع حكومة إقليم كردستان، معلقًا "نحن مشاركون في حكومة إقليم كردستان، لكن المفاصل الرئيسية بالحكومة تخضع لسيطرة الحزب الديمقراطي كونه حاز أغلبية المقاعد البرلمانية، رغم ملاحظاتنا على كيفية حصوله على هذه المقاعد".

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف سورجي أن هناك ملاحظات على حصة المكونات الاثنية داخل الإقليم التي حاز عليها الحزب الديمقراطي، فضلًا عن مشكلات أخرى؛ مثل: تأجيل انتخابات الإقليم التشريعية بسبب الخلافات، حيث طالب الاتحاد من الحزب الديمقراطي بتغيير قانون الانتخابات وأعضاء مفوضية الانتخابات، والنظر بحصة (الكوتا) التي يجب أن تمثّل المكونات وليس الحزب الديمقراطي، مع ضرورة العمل على فرز سجل الناخبين الذي يضم عشرات آلاف النازحين والمتوفين، حسب تعبيره.

على الجانب الآخر، يقول الكاتب والباحث السياسي كفاح محمود إن الحزبين الرئيسيين  في إقليم كردستان يتنافسان في الشارع منذ إنشاء برلمان الإقليم عام 1992، وأن حدة التنافس وصلت إلى الاحتراب عام 1993 وحتى 1997 عندما وقعت اتفاقية واشنطن التي أرست تحالفًا إستراتيجيًا أنهى الخلافات، وشكّلت على أساسه الحكومات اللاحقة.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت إلى أن التنافس بين الجانبين استمر بعد ذلك، لا سيما ما يتعلق بالمسائل الأمنية والعسكرية ومناطق النفوذ، على الرغم من أن الحزبين كانا شريكين في الحكومات وتحملا النجاح والإخفاق معًا، مبينًا أن المشكلة توسعت مع إصرار الاتحاد الوطني الكردستاني بالفترة الأخيرة على أن يكون منصب رئيس جمهورية العراق حصرًا لهم.

الكاتب العراقي كفاح محمود كريم
الباحث السياسي كفاح محمود يؤكد أن الحزبين الرئيسيين في الإقليم يتنافسان منذ إنشاء برلمان الإقليم عام 1992 (الجزيرة)

خلافات مالية

ويشكّل الملف المالي وحصص محافظات الإقليم من الموازنة مشكلة أخرى في الإقليم، إذ يوضح غياث سورجي أن هناك تمييزًا بين محافظات ومدن إقليم كردستان، مشيرًا إلى أن محافظتي السليمانية وحلبجة والإدارات المستقلة؛ مثل: كرميان، تخضع لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث تعاني هذه المناطق من عدم التوزيع العادل للموازنة المالية مقارنة بالمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي، وهو ما ينطبق على المشروعات الاستثمارية، وكذلك تشجيع الحزب الديمقراطي على استخدام التجار للمنافذ الحدودية التي تخضع لسيطرة الحزب الديمقراطي، حسب تعبيره.

من جانبه، يعلق كفاح محمود على هذه القضية بالقول "إن تفصيل هذه النقطة بحاجة لشفافية، لدينا 4 محافظات في الإقليم؛ هي: السليمانية وحلبجة ودهوك وأربيل، وأن جميع المحافظات دون السليمانية تدفع وارداتها شهريًا إلى وزارة المالية بالإقليم، وأن توزيع الرواتب يخضع لآلية مؤقتة بسبب المشكلات المالية بين بغداد وأربيل، وأن الأموال المتحصّلة من الواردات تغطّي النقص الحاصل في الرواتب، وأن السليمانية حرمت سكانها وموظفيها من هذه الواردات".

أما الصحفي الكردي المستقل سامان نوح فيرى من جانبه أنه وبعد رحيل رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني، فإن الخلافات بين الحزبين ازدادت نتيجة تراجع أصوات ومقاعد الاتحاد الوطني في البرلمانين الكردستاني والاتحادي، الأمر الذي دفع الحزب الديمقراطي في إطار الاستحقاق الانتخابي للاستحواذ على مواقع قيادية أكثر، وهو ما أثار انزعاج الاتحاد الوطني الذي بدأ ينتهج سياسات باتجاه تعميق واقع وجود إدارتين في إقليم كردستان.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح نوح أن الأزمة اتسعت بين الحزبين في الأشهر الأخيرة مع تراكم الخلافات السياسية والإدارية، بشأن ما يتعلّق بتوزيع واردات النفط والمعابر، وأضيفت عليها خلافات أمنية مؤخرًا، الأمر الذي أدى إلى تعليق الاتحاد الوطني حضوره في اجتماعات حكومة الإقليم، مع غياب نائب رئيس الحكومة قوباد طالباني عنها، حسب قول سامان.

الكاتب والمحلل السياسي الكردي سامان نوح الجزيرة 1
سامان نوح: أي خطوة باتجاه انفصال السليمانية ستضر بالواقع الدستوري لإقليم كردستان، وسضر بالحزبين الكرديين بشكل مباشر (الجزيرة)

بوادر الحل

نشرت وسائل إعلام كردية في الأيام الماضية عن مبادرة للحزب الديمقراطي من أجل حلّ الخلافات مع الاتحاد الوطني، وهو ما يؤكده كفاح محمود بالقول "أدرك الرئيس مسعود بارزاني أن الطريق الأفضل يتمثل ببدء الاتصالات والحوارات البينية، وأن الحزب الديمقراطي ومنذ  مؤتمره 14 الأخير تعهّد بذلك، من أجل حل الخلافات مع الاتحاد الوطني".

وكشف محمود عن أن هناك بوادر طيبة تتمثل بأن رئيس البرلمان -من الاتحاد الوطني- سيجري تعديلات وزراية لإعادة وزراء الاتحاد الوطني إلى مواقعهم في حكومة الإقليم، وتغيير بعض الوزراء من الحزبين، لافتًا إلى وجود تواصل بين الحزبين بعيدًا عن وسائل الإعلام، وأن المبادرات قد تنهي جُلّ الخلافات بداية العام الجديد، مشيرًا إلى أن التنافس بين الحزبين سيستمر، وأنه يعدّ حالة إيجابية في جميع الديمقراطيات، حسب تعبيره.

ويتفق هذا التوجّه مع تأكيدات غياث سورجي، حيث يؤكد أن هناك مبادرات من الحزب الديمقراطي للذهاب إلى السليمانية لحل الخلافات مع الاتحاد الوطني، مشيرًا إلى أن أبواب الاتحاد الوطني مشرعة أمام هذه المبادرات لحل جميع الخلافات بين الطرفين.

جمال كوجر: هناك وساطات دولية لأعضاء في حلف الناتو، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لحل الخلافات بين الحزبين (الجزيرة)

مخاطر التقسيم

يتخوف كثير من المراقبين من أن يؤدي استمرار الخلافات بين الحزبين لتصدع وضع إقليم كردستان العراق سياسيًا، واتجاه كل حزب نحو إدارة منفصلة داخل الإقليم، لا سيما مع تصريحات سابقة صدرت من بعض الجهات في السليمانية التي لوّحت بذلك.

ويبدو أن هذه التلميحات لا تلقى آذانًا مصغية لدى الاتحاد الوطني، وذلك حسب غياث سورجي، موضحًا أن تجربة الإقليم جاءت نتيجة الدماء التي أُريقت خلال العقود الماضية، وأن حزبه قدّم عشرات آلاف القتلى في سبيل الإقليم ومقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية، متابعًا أن الاتحاد الوطني لم ولن يفكر بتقسيم إقليم كردستان، مختتمًا "وفي حال استمرار الخلافات، فإن على الاتحاد التفكير بطرق أخرى، وأن كل شيء وارد".

أما كفاح محمود فيرى أن التلميحات بانفصال السليمانية لم تصدر ببيان رسمي من الاتحاد الوطني، وأن الموقف الرسمي للاتحاد الوطني بعيد عن هذه التصريحات التي عدّها انتحارًا سياسيًا وخسارة للإقليم.

ويذهب في هذا المنحى الكاتب الصحفي سامان نوح حيث يعلّق "عمليًا، أي خطوة باتجاه انفصال السليمانية ستضر بالواقع الدستوري لإقليم كردستان وصلاحيات سلطات الإقليم، ومن ثم ستضر بالحزبين الكرديين بشكل مباشر، لذلك فإن احتمال الانفصال ضعيف والتلويح به من قِبل بعض قادة الاتحاد يعدّ ورقة ضغط لدفع الحزب الديمقراطي لاتخاذ سياسات تعيد التفاهم مع الاتحاد الوطني للاستحواذ على حصص أكبر من السلطة، وإشراكه بالقرارات الرئيسية".

وعلى الرغم من ذلك، يشير نوح إلى أن الإقليم مقسّم فعليًا إلى إدارتين، وأن الكثير من قرارات حكومة الإقليم لا يتم الالتزام بها في السليمانية، فضلًا عن وجود جهازين أمنيين وقوتين للبيشمركة الحزبية، لافتًا إلى أن الإقليم يتراجع بشكل مستمر من جهة وجود مؤسسات حكومية جامعة، وأن السطات باتت حزبية مطلقة، سواء في أربيل أو السليمانية، وفق نوح.

الفاعل الدولي

من جهته، يؤكد القيادي في الاتحاد الإسلامي الكردستاني جمال كوجر "المشهد معقّد والقضية صعبة، ولكن لا يعني أن مشهد الاقتتال الداخلي قد يتكرر، رغم أن هناك توجهات لتحول الإقليم إلى إقليمين، قد يكون هناك في الحزبين من يرغب في أن يحصل انشقاق وتقسيم للإقليم، وربما أطراف تسند هذا التوجه، سواء في بغداد أو في دول الجوار".

ويتابع في حديثه لإحدى وسائل الاعلام أن هناك وساطات دولية لأعضاء في حلف الناتو، وكذلك من قِبل ممثّلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين باسخارت، إضافة إلى أطراف من الحزبين ممن هم ليسوا مع هذا التصعيد، موضحًا أن هذه الجهود قد لا تكفي ما لم تتحرك قيادة الحزبين للضغط على الشخص الأول في الحزب والمتحكم بالقرار، حسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة