لماذا تتجدد الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في جنوب سوريا؟

خروج مظاهرة شعبية في مدينة السويداء لليوم الثالث على التوالي تطالب بسقوط النظام وتندد بتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية. عرض أقل
محافظة السويداء شهدت عدة مظاهرات تندد بممارسات النظام وبإهماله الوضع المعيشي (مواقع التواصل-أرشيف)

دمشق- "وصلت درجة الحرارة أمس إلى ما دون الصفر، في وقت لا يوجد فيه بالقبو سوى 20 قطعة من الحطب متبقية من طن اشتريته مع بداية الشتاء، والآن لا أعلم كيف سأتدبر أمر التدفئة بعد انتهاء الكمية في اليومين القادمين على أبعد تقدير".

بتلك الكلمات يعبر معتز (36 عاما)، من أبناء مدينة السويداء جنوبي سوريا، للجزيرة نت عن خشيته من نفاد حطب التدفئة من منزله، مما يهدد أفراد أسرته -ولا سيما الصغار منهم- بأمراض الشتاء.

ويضيف معتز مستنكرا: "علاوة على البرد هناك جوع وفقر وغلاء وانقطاع كهرباء وفلتان أمني، ولم تعد الحياة هنا (السويداء) تطاق ولا بشكل من الأشكال، وإن لم يخرج شباب المحافظة في احتجاجات فمن سيعيد لنا كرامتنا؟".

وتشهد محافظتا السويداء ودرعا (جنوبي البلاد) -الواقعتان تحت سيطرة النظام السوري- تجدد المظاهرات والاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام، من ضمن مطالب معيشية وحقوقية أخرى يطالب بها المحتجون في الساحات وأماكن التجمع العامة في المحافظتين المحاذيتين للعاصمة دمشق.

وتسود مؤخرا حالة من الغضب الشعبي في مناطق سيطرة النظام على خلفية اشتداد أزمة شح المحروقات منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، والتي طالت تداعياتها مختلف القطاعات الحيوية في البلاد، وتسببت بشلل حركة المواصلات في مختلف المحافظات، وبارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية والاستهلاكية.

مطالب

وشهدت مدينة جاسم في محافظة درعا، الجمعة، خروج العشرات في مظاهرة، طالبوا فيها بإطلاق سراح المغيبين والمعتقلين في سجون النظام السوري.

وفي سابقة تحدث للمرة الأولى منذ إعادة النظام سيطرته على المحافظة عام 2018، استمرت الاحتجاجات 3 أيام على التوالي، ورفع فيها الأهالي لافتات حملت مطالبهم، فكتبوا عليها: "الحرية للمعتقلين" و"لأجل المعتقلين سنخرج كل يوم"، وفق ما ذكر موقع "تجمع أحرار حوران" الإلكتروني.

وردد المتظاهرون خلال تجمعهم في ساحة مدينة جاسم شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، مما يعيد إلى الذاكرة مشاهد اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى من المحافظة ذاتها عام 2011، قبل أن تتوسع في معظم المحافظات السورية.

ودعا المتظاهرون أهالي مدن وبلدات درعا للتضامن معهم والخروج باحتجاجات نصرة للمعتقلين وحقهم في الحرية، وتنديدا بالاعتقالات التعسفية التي تمارسها الأجهزة الأمنية والمليشيات المحلية في المحافظة.

السويداء مجددا

وقد توجّه عشرات من أبناء محافظة السويداء إلى ساحة الكرامة وسط المدينة، الاثنين الماضي، واصطفوا في وقفة احتجاجية صامتة، رفعوا فيها لافتات تعبر عن تنديدهم بالأوضاع المعيشية المتدهورة.

كما حملت اللافتات مطالب سياسية وحقوقية كان من ضمنها المطالبة بتنفيذ القرار الأممي 2254 المتعلق بسوريا والقاضي بعملية انتقال سياسي للسلطة، ورفع المتظاهرون شعارات جاء فيها "إذا جاعت الشعوب تحاسب حكامها" و"نعم لسوريا حرة مستقلة".

وقال منظمو الاحتجاج في بيان لهم على مواقع التواصل الاجتماعي إن الاعتصام الصامت هو "إجلال لتضحيات شعبنا، وخشوع أمام أرواح شهدائنا، وإيمان والتزام بالمطالب المحقة والمشروعة للشعب السوري".

ويعد هذا الاحتجاج الثاني من نوعه الذي تشهده المحافظة، بعد احتجاج يوم الأحد 11 ديسمبر/ كانون الأول الجاري الذي ندد فيه المحتجون بتخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه المواطنين. وشهد التجمع تدخلا لعدد من أعضاء محافظة السويداء الذين أطلقوا وعودا بتحسين الواقع الخدمي والمعيشي في المدينة؛ فجاء الرد عليهم من المحتجين بهتاف "عيش، حرية، عدالة اجتماعية".

ومؤخرا، أعلن منظمو الاحتجاجات في السويداء -عبر وسائل التواصل الاجتماعي- استمرار الاحتجاجات كل يوم اثنين، التزاما منهم بالمطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحقة لأبناء الشعب السوري.

الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية تعلن موقفها

من جهتها، أصدرت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في سوريا ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، الجمعة، بيانا طالبت فيه بالكشف عن مصير المعتقلين والمغيبين في سجون النظام.

وجاء في البيان: "نسأل ونتساءل مع الجهات المختصة، أين هم أبناؤنا المغيبون قسرا، الموقوفون في جهات ما؟ أما آن لهم أن يحالوا إلى القضاء إن كان عليهم شيء؟ وما أسباب توقيفهم، ما هي ذنوبهم؟ وإن كانوا أبرياء فمن يحمل ذنب اعتقالهم؟ وإن كانوا مدانين فلتتم المواجهة على معرفة الجميع".

وندد البيان بممارسات النظام وأجهزته في المحافظة عبر محاولاته "قمع الصادقين الوطنيين بتحريف مسارهم وتكذيب طلباتهم وتغيير توجهاتهم، عبر بث الشر بينهم وتلفيق تهمة التخريب إليهم"، وفق تعبيره.

وعن دلالة توقيت هذا البيان، يقول باسل أبو فخر إنه يأتي في وقت تشهد فيه السويداء أصعب مرحلة معيشية وخدمية خلال سنوات الحرب، وفي وقت يحاول النظام فيه اتهام الشرفاء في السويداء بالتخريب، مميعا مطالبهم المحقة التي خرجوا من أجلها منذ بداية الشهر".

ويضيف الناشط في حراك السويداء -في حديثه للجزيرة نت- "وأعتقد أن الرئاسة الروحية للطائفة وجدت أنه من المناسب المطالبة بالإفراج عن المعتقلين من أبناء السويداء، بالتزامن مع مطالبات أهلنا في درعا".

وعن أهمية هذا البيان بالنسبة للمحتجين، يقول أبو فخر "إنه دعم معنوي اعتدنا عليه، وهو ضروري في هذه المرحلة لتشجيع الناس على الانضمام للاحتجاجات المحقة، والمطالبة بأبسط حقوقهم من كهرباء ووقود وطعام وأمن".

فوضى وواقع متردٍّ

وتشهد محافظتا درعا والسويداء منذ سنوات حالة من الفوضى والفلتان الأمني على خلفية انتشار عصابات الخطف والسلب بشكل كبير في المحافظتين، في ظل غياب الدور الأمني للنظام للحد من هذه الانتهاكات.

في حين تواصل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام حملات الاعتقال في محافظة درعا، على الرغم من التعهدات والضمانات التي قدمها الجانب الروسي لأهالي المحافظة في عمليات التسوية مع النظام التي انطلقت عام 2018.

وفاقمت أزمة شح المحروقات التي عصفت بمناطق سيطرة النظام مؤخرا من معاناة أهالي المحافظتين معيشيا وخدميا. فإلى جانب ندرة المحروقات وانقطاعها لأيام حتى في السوق السوداء، يعاني الأهالي من ساعات القطع الكهربائي التي تصل إلى 22 ساعة يوميا.

في حين تواجه شريحة واسعة من سكان المحافظتين أسوأ واقع معيشي على الإطلاق منذ اندلاع الصراع في البلاد، حيث الغلاء الفاحش في أسعار معظم السلع الأساسية والبطالة المستشرية بين الشباب.

المصدر : الجزيرة