السيسي يوجّه بنشر ثقافة حقوق الإنسان.. تساؤلات عن حلحلة الأزمة ومستقبل الحوار الوطني

جتمع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم مع السيد سامح شكري، وزير الخارجية. وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن الاجتماع تناول قيام السيد وزير الخارجية بعرض التقرير التنفيذي الأول للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.- الصورة من الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية
السيسي (يمين) يتسلم من وزير الخارجية التقرير الأول للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية)

القاهرة- في سبتمبر/أيلول 2021 أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، باعتبارها "أول خطة ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان بمصر" وهي تقوم على إطار زمني يمتد 5 لخمس سنوات تنتهي بحلول سبتمبر/أيلول 2026.

وقبل يومين أعلنت اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان (يرأسها وزير الخارجية سامح شكري) نتائج عامها الأول، وسط جدل حقوقي وسياسي حول تلك النتائج.

وكان السيسي قد اجتمع قبل ساعات من توجهه إلى واشنطن -لحضور قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا- مع شكري الذي عرض عليه "التقرير التنفيذي الأول للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".

ووفقا لما أعلنه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، وجّه السيسي بنشر ثقافة حقوق الإنسان، ورفع مستوى الوعي بما ينص عليه الدستور والقوانين الوطنية، وكذا التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، والاستمرار في تحسين المناخ العام للحقوق والحريات في مصر بمفهومها الشامل.

مفارقات

صباح الخميس، يقرأ الصحفي أنور الهواري، في مانشيتات الصحف المحلية، تصريحات لرئيس الجمهورية عن ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، وقبل يومين فقط ذهب الأمن لإلقاء القبض على شخص يعرفه، فلمَّا لم يجدوه في بيته اعتقلوا نجله الأكبر بدلاً منه.

يتساءل الهواري، وهو أحد الصحفيين البارزين في البلاد وكان رئيسا لتحرير "المصري اليوم": هل هذه هي ثقافة حقوق الإنسان التي يدعو الرئيس لترسيخها؟ أم أنها مجرد تصريحات للاستهلاك الخارجي، خاصة وأن الرئيس يصرح بها من أميركا وليس من مصر؟

وبين توجيهات السيسي وما أشار إليه الهواري -عبر صفحته بموقع فيسبوك- والتي تشابهت مع حالات عديدة مماثلة كان قد كشف عنها محامون وحقوقيون، تتباين الرؤى حول حقيقة الاهتمام الرسمي بحقوق الإنسان.

كما تثار تساؤلات حول انعكاس القضية على حلحلة الأزمة الحقوقية خاصة في السجون وقضايا الرأي، وما علاقة تفعيل ثقافة حقوق الإنسان بالحوار الوطني الذي لم ينطلق حتى الآن، رغم إعلان الرئيس عنه في أبريل/نيسان الماضي.

كما تطالب المعارضة بدور أكبر للجنة العفو الرئاسي التي أعيد تفعيلها بالتزامن مع مبادرة السيسي لـ "حوار وطني لا يستثني أحدًا".

النتائج والمؤشرات

في استعراض التقرير الأول، المنشور قبل يومين، لأبرز ما حققته هذه "الإستراتيجية" في عامها الأول، وبالتركيز على محور الحقوق المدنية والسياسية -أحد محاورها الأربعة – فإن أبرز النتائج والمؤشرات تتمثل في التالي:

  • إلغاء قانون الطوارئ وإطلاق حوار وطني.
  • تفعيل آليات العفو عن السجناء، وتحسين مناخ عمل منظمات المجتمع المدني.
  • إخلاء سبيل 814 من المحبوسين احتياطيًا بموجب قرارات من النيابة العامة أو المحاكم المختصة.
  • العفو الرئاسي والإفراج الشرطي عن أكثر من 20 ألف محبوس.
  • افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل (سجون) بمدينة بدر بالقاهرة، ومركز وادي النطرون (شمالها) باعتبارهما مؤشرًا على تحسن وضع السجناء، وفق التقرير.
  • حرية تكوين وتنظيم الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
  • زيادة التمويل الأجنبي للمؤسسات الأهلية تدريجيًا وبشكل مستمر، حتى وصل إلى مبلغ 2.5 مليار جنيه عام 2021، مقارنة بإجمالي 2.2 مليار عام 2020.

وفي تقييمه للإستراتيجية، يرى عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (رسمي) وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني أن ما تم إنجازه العام الأول محدود، متوقعا في الوقت ذاته حدوث انفراجة في مجال الحريات.

وفي تصريحات سابقة للجزيرة نت، أوضح ربيع أن إستراتيجيات حقوق الإنسان تعتمد على وجود ثقافة عامة، يجب أن تكرس في السياسات والقوانين والمناهج التعليمية وسلوكيات الشارع، وغيرها.

دعاية حكومية

عضو لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، الصحفي حازم حسني، يرى في الأرقام التي ذكرها التقرير (75 صفحة) كغيرها من الأرقام التي تم سماعها من قبل في الملف الاقتصادي، تشعر من يقرأها بأن الحياة وردية، وإذا به يفاجأ في النهاية بأن الأمر لا يعدو دعاية حكومية لمسار لا علاقة له بمصالح الشعب ويودي به إلى أزمات، وفق قوله.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أشار حسني إلى حالة من الاستياء، لا تعبر عنها هذه الأرقام، وهي موجودة عند عدد من القوى المشاركة بالحوار الوطني، حيث عبر عنها بعضهم في مؤتمرات صحفية مؤخرًا، ووصل الأمر بهم إلى رهن استكمال المشاركة في الحوار بإجراءات أخرى ضعيفة تتخذها السلطة مثل الإفراج عن عدد معتبر من المحبوسين.

وفيما يتعلق بالحريات الصحفية، أوضح عضو لجنة الحريات أنه كصحفي لم يشعر بأي تقدم ملموس في حرية الرأي والتعبير، في ضوء قوانين تحد من الحريات الصحفية بشكل غير مسبوق، رغم أن نقيب الصحفيين (ضياء رشوان) هو نفسه منسق عام ما يعرف بالحوار الوطني.

كما أشار إلى استمرارية حجب الكثير من المواقع الصحفية الإلكترونية، مضيفًا أن الصحفيين الذين أفرج عنهم مؤخرًا حل مكانهم آخرون في السجون، حتى ولو كانوا لا يحملون عضوية نقابة الصحفيين.

وانتقد حسني حال النقابة الراهن، قائلا إن مقرها (وسط القاهرة) "مكفن" في إعلان واضح بوفاتها بعد أن تخلت بفعل ما حيك لها عن دورها الوطني والمهني، وذلك في إشارة منه إلى الواجهة المعمارية لمقر النقابة والتي تمت تغطيتها بأقمشة معمارية بدواعي التطوير منذ ما يزيد على 5 سنوات.

ولطالما كان مدخل مقر نقابة الصحفيين والسلم المؤدي إليه مقرًا للاحتجاجات والتعبير عن الرأي، لكن طالته الأعوام الأخيرة أعمال وأدوات الصيانة سواء على السلم أو بهو النقابة لتحول دون وجود أي مكان للاحتجاج أو حتى التجمع، وفق مراقبين.

غير ملزمة

بدوره، اعتبر عضو لجنة العفو الرئاسي، المحامي طارق العوضي، أن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان غطت كافة المجالات، لكن من بين سلبياتها استخدام عبارات غير ملزمة، مطالبًا بسن سلسلة تشريعات لممارسة السياسة، دون أي ملاحقة.

وقال العوضي -خلال مشاركته بإحدى فعاليات تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين (المدعومة من السلطات)- إن لديه مجموعة من الملاحظات على هذه الإستراتيجية، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، موضحًا أن أولى النقاط الإيجابية أنها أطلقت من رئيس الجمهورية، وأنها غطت كافة مجالات حقوق الإنسان.

في حين أن النقاط السلبية تتعلق باستخدام عبارات غير ملزمة مثل "تعمل الدولة" أو "تسعى الدولة" دون استخدام كلمة "تلتزم الدولة" إلا فيما يتعلق بالنقاط الخاصة بالمرأة، حسب عضو لجنة العفو الرئاسي.

وفيما يتعلق بالحبس الاحتياطي، الذي طالته انتقادات حقوقية وسياسية محلية ودولية السنوات الأخيرة، بسبب طول المدة التي يقضيها المتهم في قضية ما خاصة لو كانت سياسية أو مرتبطة بالرأي والتعبير، شدد العوضي على أن هناك بدائل للحبس الاحتياطي تم تطبيقها بالفعل في بعض البلدان بالخارج، قائلاً "نأمل تطبيق مثل هذه البدائل بما يتناسب مع الشخصية المصرية".

بدوره، طالب ولاء عبد الكريم رئيس لجنة الشكاوى بالمجلس القومي لحقوق الإنسان (رسمي) بتحديث الإستراتيجية، موضحًا أنها لا تتضمن مؤشرات محددة لقياس التقدم فيها.

وقال عبد الكريم، في تصريحات صحفية، إن الإستراتيجية تم إنتاجها من خلال عملية تشاور بين الجهات التنفيذية والمجتمع المدني، لكن آليات متابعة تنفيذها مقتصرة على الجهات التنفيذية، وبالتالي فغياب عملية التشاور في مرحلة المتابعة إشكالية مهمة جدًا.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي