من "محرقة" دوابشة إلى الهدم المتواصل.. هكذا تستهدف إسرائيل قرية دوما الفلسطينية

الفلسطيني محمد الصرايعة يجلس فوق ركام منزله الذي هدمه الاحتلال بأطراف قرية دوما حيث يواجه عشرات الأهالي إنذارات إسرائيلية بهدم منازلهم ومنشآتهم (الجزيرة)

نابلس- أسبوع كامل قضاه الطفل جاسر محمد الصرايعة بعيدا عن مدرسته، بعد أن ضاعت بين الأنقاض قرطاسيته وكتبه المدرسية إثر هدم الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلته في قرية دوما بأقصى جنوب مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية.

ولهذه القرية مشهد لا يغيب عن ذاكرة الفلسطينيين، وتعود أحداثه لأكثر من 7 سنوات، عندما هاجم مستوطنون متطرفون منزلا لعائلة دوابشة فيها، وقتلوا حرقا الأب سعد والأم رهام وطفلهما الصغير علي (18 شهرا)، وأصيب طفلهم الأكبر أحمد بحروق بليغة.

ويعود المستوطنون وسياسات الحكومة الإسرائيلية الداعمة لهم، لمهاجمة منازل القرية ضمن مساعيهم لتهجير أهلها. فمنذ عامين أنذر الاحتلال "دوما" بإخطارات طالت 150 منزلا على الأقل، منها 50 هذه السنة.

وتنوعت الإخطارات بين قرارات هدم ووقف البناء لعدد من البيوت والمنشآت الزراعية وخدمات البنية التحتية من شبكات الكهرباء والمياه والطرق. ونفذت بعضها مباشرة، فهُدمت 4 منشآت زراعية ومنزلان ومسجد قبل شهور.

وقف البناء تحوّل إلى هدم

أحد تلك المنازل كان لعائلة الطفل جاسر صرايعة، المكونة من 15 نفرا، وتسكنه منذ 4 سنوات. وكان الطفل (11 عاما) يتحدث للجزيرة نت بينما انشغل بالتنقيب عمّا تبقى من ألعابه تحت الأنقاض، والتي لم يجد منها إلا دراجة محطمة وأرجوحة لم يقوَ على إخراجها من تحت الركام، كحال كتبه المدرسية.

يقول والده الحاج محمد الصرايعة إنهم تشرّدوا إلى بيوت الصفيح ومنازل الجيران، ويضيف "لم يهدم المنزل فقط، بل الحلم بالعيش والاستقرار".

ويروي صرايعة (65 عاما) للجزيرة نت تفاصيل مهاجمة منزل العائلة، قائلا إن جنود الاحتلال ودون سابق إنذار اقتحموا منزلهم فجرا وأخرجوهم إلى العراء وسط البرد القارس، ولم يُمكّنوهم من أخذ مقتنياتهم أو طعامهم، وبالكاد خرجوا بملابسهم وببعض الأوراق الثبوتية. وعلى الفور باشرت جرافات الاحتلال بالهدم، وخلال ذلك اعتدى جنود الاحتلال على أبنائه بالضرب المبرح.

ومنذ سنتين تلقى صرايعة إخطارا بوقف البناء وليس الهدم، وتابع الإجراءات القانونية لمنع ذلك، لكن بدون جدوى، في ظل مماطلة الاحتلال وتحايله بعرقلة خطوات التقاضي أو بمنعها أصلا.

وتقطن العائلة بواحد من 4 تجمعات بدوية تحيط بقرية دوما، وتحميها من استيطان إسرائيلي يتربص بها من كل النواحي، لا سيما مناطق "ج" الخاضعة لسيطرة الاحتلال العسكرية (وفق تقسيمات اتفاق أوسلو).

وتهدم إسرائيل الأبنية بهذه المناطق والمقدرة بـ62% من مساحة الضفة الغربية بحجة عدم الترخيص الذي ترفض منحه للفلسطينيين أصلا.

بقايا دراجة عثر عليها الطفل جاسر الصرايعة بين ركام منزله المهدم (الجزيرة)

على قائمة الانتظار

في زاوية أخرى من قرية دوما، أخطرت سماهر دوابشة ومزارعات أخريات بوقف بناء منشأتهن الخاصة بتربية الأبقار، والتي أقيمت بدعم من إحدى المؤسسات كمشروع لإعالة أكثر من 100 نفر من عوائلهن.

وتقول دوابشة للجزيرة نت إن "وقف البناء أخطر من الهدم ذاته، فهو يُقيِّد أي فعل كبناء مخزن للأعلاف وخزانات للمياه.. ومع ذلك، يظل خطر الهدم قائما بأية لحظة".

وتقدّر مساحة دوما بحوالي 18 ألفا و500 دونم (الدونم يعدل ألف متر مربع)، وتصنّف 95% من أراضيها ضمن مناطق "ج" (سيطرة إسرائيلية)، بينما لا يملك أصحاب الأرض غير 940 دونما تشكل المخطط الهيكلي (مساحة مخصصة للبناء) ويرفض الاحتلال توسعته.

وهو ما اضطر حوالي نصف أهالي القرية (3500 نسمة تعدادهم الكلي) للبناء خارج المخطط الهيكلي. "ولهذا يخطر الاحتلال الآن أكثر من 200 منزل بوقف البناء والهدم"، كما يقول سليمان دوابشة رئيس المجلس القروي لـ"دوما" للجزيرة نت.

بقايا مسجد "أبو الصيفي" الذي هدمه الاحتلال مطلع العام الجاري في دوما (الجزيرة)

مخططات لتهجير الأهالي

وبتنسيق مشترك بين جيش الاحتلال وجمعيات المستوطنين تُستهدف "دوما"، ويتم رصد تحركات المواطنين وبنائهم واستصلاحهم لأراضيهم، ويمنعون من إعادة بناء المنازل المهدمة، أو حتى الاستفادة من الأرض المقامة عليها.

ويلاحق الاحتلال والمستوطنون الآليات والمعدات التي تقوم باستصلاح الأراضي وفلاحتها، ويحتجزها أكثر من مرة ولعدة أسابيع. وكان أن غرَّم أصحابها مئات الدولارات "ولم تقم جهة مسؤولة أو ناشطة بتعويض أحد"، وفق رئيس المجلس القروي.

وتحت مسميات "المناطق العسكرية" و"المحميات الطبيعية" و"أملاك الدولة"، تسعى إسرائيل للسيطرة على أراضي "دوما" الواسعة والممتدة إلى الأغوار الفلسطينية، وتحرم المواطنين من كل ما يدعم صمودهم كالمياه التي يبتاعونها من القرى المجاورة بكميات محدودة وبأسعار عالية، وقد تصل تكلفة الكوب الواحد خلال الصيف إلى 17 دولارا.

ويقول المسؤول المحلي دوابشة إن الأهالي لم يجدوا بُدا من البناء خارج المخطط بسبب ضيق مساحة الأرض، وهو ما ترتب عليه ارتفاع كبير بسعرها داخل القرية لأكثر من 90 ألف دولار أميركي للدونم الواحد (ألف متر مربع)، وحوالي 30 ألف دولار بمناطق "ج" رغم خطر الهدم.

وتقلّصت مساحة الأرض الزراعية داخل القرية لصالح السكن، وهو ما دفع كثيرين للبناء العمودي، أو مغادرة القرية. "وقد هاجرت 12 عائلة للمدن المجاورة خلال عامين"، يضيف دوابشة الذي هدم الاحتلال مزرعة ومنزلا له بكلفة تجاوزت 120 ألف دولار وبمساحة 1300 متر مربع.

يخطر الاحتلال منازل المواطنين بالهدم بينما يسمح لمستوطناته بالتوسع على أراضيهم في "دوما" (الجزيرة)

من أجمل محميات فلسطين

وبموقعها الإستراتيجي تحظى دوما بأهمية عالية كونها تحوي واحدة من أجمل المحميات الطبيعية بفلسطين (محمية فصايل)، وتشكل جغرافيا القرية خط الدفاع الأول عن الأغوار الفلسطينية التي تمتد إلى الشرق منها.

وزاد وقوعها شرق "خط شارع ألون" الاستيطاني الذي تقيمه إسرائيل من شمال الضفة الغربية لجنوبها، في جعلها هدفا للاحتلال الذي يسعى لضمها وتهجير سكانها.

ووضع الاحتلال "دوما" كأولى أهدافه ضمن ما عرف بـ"خطة الضم" المنبثقة عن صفقة القرن. ويقول المسؤول دوابشة "حتى وإن غاب الضم الإسرائيلي العلني، فإنه يمارس تدريجيا وبصورة أفظع". ويذكر تصريح أحد كبار المستوطنين بأن "دوما هدف مستساغ للاستيطان، وأن عليهم كمستوطنين تفريغها من السكان".

وثمة رابط كبير يراه دوابشة بين تصريحات المستوطنين وفعلهم على الأرض، وخاصة بعد جريمة أو ما يسميه الفلسطينيون "محرقة" عائلة دوابشة (2015). ويقول إن اعتداءات المستوطنين تصاعدت عقب هذه الجريمة، وزادت معها انتهاكات جيش الاحتلال، ما يؤكد أنهم ينفذون معا خطة مشتركة.

ونفذت إسرائيل منذ بداية العام الحالي، وفق غسان دغلس مسؤول ملف الاستيطان بشمال الضفة الغربية، نحو 370 عملية هدم بالضفة الغربية والقدس، طالت أكثر من 850 منشأة.

المصدر : الجزيرة