كيف تبدو الأجواء في الشارع التونسي قبل يوم من الانتخابات البرلمانية؟

تونس – لا توحي الأجواء بالعاصمة تونس قبل يوم من الانتخابات التشريعية بأن البلاد تتهيأ للتصويت، غدا السبت، لبرلمان جديد، فما يحدث من صخب أو حركية لدى الناس يتصل عموما بقضاء شؤونهم وليس بالنقاش السياسي العام.
ودخلت البلاد مرحلة الصمت الانتخابي اليوم الجمعة بالداخل، وسط حالة من الفتور والبرود طيلة الدعاية الانتخابية، في حين بدأت عملية التصويت في الخارج أمس الخميس لتستمر إلى غاية يوم غد السبت 17 من الشهر الجاري.
ولم يتسن للناخبين خلال الحملة الانتخابية التي انطلقت في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي التعرف بشكل دقيق على برامج المرشحين الأفراد البالغ عددهم 1058 مرشحا، منهم 122 امرأة جراء ضعف حملاتهم الدعائية والاتصالية.

وضع متأزم
قرب باب بحر أحد الأبواب التاريخية التي تفصل المدينة العتيقة عن قلب العاصمة، تتصاعد حركة المارة وتتشابك أصوات سائقي نقل المسافرين من تونس لمدن جزائرية بأصوات تجار صرف العملة الصعبة في السوق السوداء.
هناك غير بعيد عن رجال الأمن يترصد "كحلة" أحد الشبان الذين دفعتهم البطالة للمخاطرة لكسب الرزق، المسافرين الباحثين عن تغيير العملة. يردد "كحلة" بحذر "صرف.. صرف" بينما تحدق عيناه في المارة بحثا عن زبون.
نزح هذا الشاب بعد الثورة في 2011 من محافظة سيدي بوزيد إلى العاصمة بحثا عن عمل، ولكن ما ظفر به هو صرف العملة في الخفاء. يقول للجزيرة نت إن الشبان لجؤوا للمخاطرة بحثا عن الرزق بسبب يأسهم من الأوضاع القاسية.
يتقاسم "كحلة" إيجار شقة ضيقة وسط ثنايا المدينة العتيقة مع بعض رفاقه البسطاء ولا يدخر شيئا من المال بعد إرسال مساعدة لأهله، وبالنسبة له أصبحت الهجرة سرا نحو أوروبا أمله المتبقي لتحسين وضعه المعيشي.
رغم أنه يساند شعارات الرئيس قيس سعيد في مكافحة الفساد وتصحيح مسار الثورة، فإنه لن يشارك في مساره الانتخابي. يقول إن تردي الوضع العام لا يشجع على المشاركة بالانتخابات وإن البرلمان الجديد لن يصلح الوضع المتردي.
ويعيب هذا الشاب على الرئيس التونسي تركيزه على المسار التشريعي والقانوني من خلال تغيير الدستور وقانون الانتخابات، بينما "لم ينجح في تطبيق شعارات مكافحة الفساد ودعم الفئات الضعيفة على أرض الواقع كما وعد".
وبعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 وحكم بها البلاد بقبضته، كان كحلة يأمل أن تحل العدالة الاجتماعية بدل الفساد، لكنه لم ير سوى تكاثر البطالة والفقر والغلاء والاحتكار كما يقول.

لا مبالاة
حسان الغلقاوي هو شاب آخر نزح منذ سنوات من محافظة القصرين بحثا عن موطن شغل بالعاصمة، لكن جهده ضاع في بيع سلع صينية بخسة الثمن على قارعة الطريق، حيث أصبح الكر والفر مع رجال الشرطة خبزه اليومي.
ولا يعلق الغلقاوي أي آمال على الانتخابات التشريعية بسبب ضيق حاله وإحباطه من قسوة الحياة لكسب قوته بعرق جبينه وانعدام أي اهتمام من السلطة بمشاغل الشباب، ويؤكد للجزيرة نت أنه لن يشارك في هذه المحطة الانتخابية.
وكغيره من الشباب الناقمين على تردي الأوضاع لا يخفي الغلقاوي نظرته المتشائمة من الانتخابات المزمع تنظيمها يوم 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تزامنا مع ذكرى اندلاع الثورة التي يقول إن مطالبها بالشغل والكرامة قد تبخرت.
ويلقي هذا الشاب باللوم على الأحزاب السياسية التي حكمت بعد الثورة والمعارضة لها وعلى الرئيس الحالي في استفحال أوضاع البلاد، مؤكدا أن عزوف الناس عن الانتخابات يعود لانعدام ثقتهم في الطبقة السياسية بأكملها.

رجل مرحلة
لا يختلف البائع المتجول الستيني فرحات المحظي معه في كون أن الأحزاب السياسية مسؤولة عن الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، متهما إياها بالاستفادة من السلطة والفساد وتقاسم المناصب دون الاكتراث لهموم المواطنين.
لكنه يقول للجزيرة نت إن الرئيس قيس سعيد كان رجل المرحلة باتخاذه للتدابير الاستثنائية قبل نحو عام ونصف بإقالته الحكومة السابقة وحل البرلمان واستبعاد الأحزاب، "سعيا لتصحيح مسار الثورة وترجيح كفة الشعب".
ورغم ضيق حاله وصعوبة كسب رزقه من بيع الخبز المحلى وسط العاصمة، فإنه يؤكد مشاركته في الانتخابات التي يرى أنها ستسفر عن صعود برلمان بنظام الاقتراع على الأفراد يخدم الشعب بعيدا عن المصالح الضيقة للأحزاب.
ويرى أن محاولة تعليق تردي الأوضاع وغلاء المعيشة ونقص المواد الأساسية في البلاد على الرئيس قيس سعيد هدفها زعزعة حكمه وتقويض مساره، مؤكدا أن قطاعا واسعا من التونسيين يثقون بمصداقية الرئيس ونيته.

مقاطعة واسعة
وانطلقت أمس الخميس عملية التصويت في أول انتخابات تشريعية في تونس تجرى بنظام الاقتراع على الأفراد في الخارج وتستمر إلى يوم غد السبت. ومن بين 10 دوائر انتخابية في الخارج لم تسجل 7 دوائر أي ترشحات.
ويتوقع مراقبون أن تسجل نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية غدا السبت تراجعا ملحوظا مقارنة بالانتخابات السابقة، بسبب إعلان أبرز الأحزاب مقاطعتها جراء ما تعتبره انقلابا على السلطة من قبل قيس سعيد.
ومن الأحزاب المقاطعة للانتخابات "حركة النهضة" التي حكمت البلاد في ائتلافات منذ 2011، وخصمها الأيديولوجي "الدستور الحر" سليل النظام السابق، وأحزاب وسطية كالتيار الديمقراطي وأخرى يسارية كحزب العمال.
ويتكون البرلمان المقبل من 161 مقعدا، وستشهد صلاحياته تراجعا مقارنة بالبرلمانات السابقة، وذلك بعد تغيير الرئيس قيس سعيد شكل نظام الحكم بدستوره الجديد من برلماني إلى رئاسي، وهو ما يتيح للرئيس نفوذا أوسع نطاقا.
وترى المعارضة المقاطعة للانتخابات أن البرلمان القادم سيولد مسخا وسيتشكل ضعيفا من أفراد مشتتين بلا وزن شعبي لا يجمع بينهم أي برنامج، في حين يقول مؤيدو الرئيس إن البرلمان سينتظم في كتل تجمعها رؤى سياسية.