جامعات مصرية في مرمى الاتهام.. عودة الشهادات المزورة في الكويت إلى الواجهة

لجنة تحقيق برلمانية بالكويت خلصت إلى وجود 142 شهادة مزورة صادرة من عدة جامعات مصرية (الصحافة الكويتية)

الكويت والقاهرة- عادت قضية الشهادات الجامعية المزورة في الكويت إلى الواجهة من جديد، بعد أن كشف الدكتور حمد المطر رئيس اللجنة التعليمية في مجلس الأمة ولجنة التحقيق البرلمانية المنبثقة عنها، مطلع الأسبوع الجاري، أن الأخيرة توصلت إلى وجود 142 مواطنا كويتيا حصلوا على شهادات مزورة صادرة من عدة جامعات مصرية، بناءً على نتائج تحقيق لجان "التعليم العالي" ومجلس الوزراء، وما تم تقديمه في لجنة التحقيق.

وتعمل هذه اللجنة -التي سيمتد عملها إلى 3 أشهر- لكشف ملابسات عمليات تزوير الشهادات الجامعية، كي تضع يدها على الحقيقة الكاملة بأرقام وأسماء المتورطين. إذ أوضح "المطر" لصحيفة الجريدة أن التحقيق "كشف مبدئياً أن وافداً يعمل في الكويت كان وراء عمليات تزوير تلك الشهادات، وتم ضبطه من قبل الجهات الأمنية، مبيناً أن الشهادات صادرة من جامعات حقيقية في مصر، لكنها مزورة."

ويرى الصحفي المتخصص في الشأن التعليمي بصحيفة الأهرام المصرية، عبد الرحمن عبادي، أن ملف اعتراف الكويت بالشهادات الجامعية في مصر يحتاج إلى رقابة شديدة لأن به العديد من المخالفات.

عميد كلية يغيّر نتيجة طالبة كويتية

وكشف عبادي في تدوينة له على حسابه بموقع "فيسبوك" أن عميد كلية في جامعة مصرية كبيرة -دون أن يسميه- تدخل شخصيا لتغيير نتيجة طالبة كويتية من "راسب" إلى "ناجح" بعد مرور شهرين من إعلان نتيجتها، رغم أنه تم التحقيق معه منذ عدة سنوات حول إصدار شهادات وهمية بمقابل مادي لطلاب كويتيين، وتم الاكتفاء بغلق مركز كان يديره.

وكان رئيس تحرير جريدة الدستور المصرية (رسمية) والأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة محمد الباز قد وصف ما حدث في "جريمة" تزوير شهادات طلاب من الكويت -في تصريحات صحفية سابقة- بأنها " فضيحة علمية وسياسية عابرة للحدود، وقضية مزعجة جدا تتطلب استمرار ملاحقة الكيانات المزورة في مصر".

من جهته، لا يستغرب الأكاديمي الجامعي والسياسي المعارض الدكتور محمد جمال حشمت -في حديث خاص للجزيرة نت- حدوث مثل هذه الجرائم بالجامعات المصرية، في المناخ الحالي المشبع بتلاشي قيم العلم والصدق والأمانة، وفق وصفه.

الدكتور محمد جمال حشمت رئيس البرلمان المصري في المنفى
جمال حشمت: تزوير الشهادات من توابع أثر القيود المفروضة على الجامعات المصرية (الجزيرة)

ويرى حشمت أن ذلك من توابع أثر القيود المفروضة على الجامعات المصرية والبحث العلمي إجمالا، واستمرار تعيين كل القيادات الجامعية تحت إشراف الأمن الذي ينشغل بالولاءات لا الكفاءات، وهو ما يعزز مناخ الفساد ويظهر مثل تلك الفضائح لأن الحساب يكون على الأولويات الأمنية لا الرصانة العلمية والبحثية بحسب تعبيره.

علامات مائية لمنع التزوير

وكانت وزارة التعليم العالي المصرية قد ناقشت في المجلس الأعلى للجامعات "قضية تزوير شهادات الخريجين" عام 2017 مع تصاعد الأزمة، قبيل إثارة القضية في الكويت، وخلصت إلى وضع ضوابط على الشهادات الجامعية بعلامات مائية لا تقبل التزوير من قبل جهات هامة للغاية في الدولة.

وقال وزير التعليم العالي السابق -والصحة الحالي- الدكتور خالد عبد الغفار في تصريحات صحفية وقتها "إن هذه الإجراءات ستضمن أن تكون الشهادات الجامعية غير قابلة لأي نوع من أنواع التحايل".

بدورها، أعلنت وزارة التعليم العالي الكويتية في 18 يوليو/تموز 2018 اكتشاف عدد من الشهادات المزورة، وإلقاء القبض على أحد الوافدين العاملين بالوزارة بتهمة التواطؤ، بعد تحقيق جرى بالتعاون مع إدارة معادلة الشهادات العلمية بالوزارة والمكتب الثقافي المختص، وأسفر عن تحويل العديد من أصحاب الشهادات المزورة إلى النيابة العامة، إضافة إلى إلغاء كافة المعادلات الصادرة للشهادات المشكوك بصحتها ومخاطبة ديوان الخدمة المدنية بهذه المستجدات.

خطر كبير على المجتمع

ويرى الدكتور أحمد المليفي، وهو وزير كويتي سابق للتربية والتعليم العالي، أن ادعاء أي شخص بأنه يحمل شهادة، في تخصص لم يدرسه، يمثل خطراً كبيراً على مستقبل الدولة وحقوق الناس.

وأضاف أنه لو حصل أحدهم بطريق غير مشروعة على شهادة في الهندسة أو الطب أو القانون، فإنه لن يكون قادراً على تأدية دوره، ومن ثمّ سيسقط المبنى ويموت المريض ويخسر الناس قضاياهم.

وقال المليفي في تصريحات للجزيرة نت: إن محاربة الشهادات المزورة يكون من خلال اختبار إجازة العمل بالمؤهل. لذا يجب على المشرع أن يسن قانوناً لا يسمح لأيٍ كان بأن يمارس المهنة التي يحمل شهادتها إلا بعد أن يجتاز اختباراً يوضع من قبل الجامعة والجهات المهنية للتخصص.

تحديد الشروط والضوابط

من جهته، ذكّر عضو مجلس الأمة السابق محمد الدلال -وهو أحد السباقين إلى إثارة موضوع الشهادات المزورة في مجلس الأمة- بأن موضوع "الشهادات المزورة" طُرح في أكثر من فصل تشريعي داخل مجلس الأمة، وكان من بين النواب الذين تصدوا للموضوع وطالبوا بتشكيل لجنة تحقيق.

وأضاف الدلال -في حديثه للجزيرة نت- أن اللجان المتخصصة في المجلس حينها خلصت إلى أن هناك الكثير من الشهادات المزورة من جامعات غير معترف بها خارج الكويت، وأن بعض الحاصلين عليها كان قد تولى مناصب قيادية.

وأوضح أن مجلس الأمة سعى إلى إقرار قانون يتعلق بهذا الخصوص وتحديد ضوابط له، كما شكلت بعض الوزارات -كالتربية والتعليم العالي- لجان تحقيق خاصة بها، أحالت كثيراً من الحاصلين على الشهادات المزورة إلى القضاء.

ـ أحمد المليفي: ما يجري الآن ليس معالجة للقضية وإنما نشر معلومات قديمة وكأنها حدثت اليوم
المليفي: الشهادات المزورة تشكل خطراً على مستقبل الدولة وحقوق الناس (الجزيرة)

وطالب الدلال بألاّ يقتصر الأمر على الكويتيين فقط، أو جنسيات بعينها، بل ينبغي أن يشمل الجميع، خاصة أولئك الذين يعملون في وظائف حساسة مثل المستشفيات والتربية والتعليم، داعياً إلى ضرورة تفعيل التواصل وتطبيق البروتوكولات اللازمة مع الجامعات التي يعمل كثير من خريجيها بالكويت في دول مثل الهند ومصر وبعض الدول الآسيوية.

واعتبر أن أصحاب الشهادات المزورة يشكلون خطراً على الأمن الداخلي للبلاد، ويمكن استدراجهم للتخريب، وداعياً اللجنة التعليمية الحالية في مجلس الأمة ولجنة التحقيق المشكلة حديثاً إلى متابعة ما بدأه وزملاؤه في المجلس عام 2016.

يُذكر أن السفارة المصرية بالكويت أوضحت في بيان، في ديسمبر/كانون الأول 2018 أن حالات التزوير تتم عبر شبكات متخصصة تقوم بتغيير بيانات شهادات جامعية عبر إضافة أسماء من يرغبون في الحصول على شهادات مزورة لتصدر باسم الجامعات المصرية، ومن ثمّ فإنه "من غير المقبول أن يتم النص على أن حالات التزوير هي من جامعات مصرية، حيث إنها زورت باسم الجامعات ولم تصدر منها أو من قبل أحد العاملين فيها".

الصحافة الكويتية - محمد الدلال من السباقين لطرح القضية في مجلس الأمة
الدلال: بعض الذين حصلوا على شهادات مزورة تولوا مناصب قيادية (الصحافة الكويتية)

ورغم إعلان الحكومة المصرية مواجهة التزوير في الشهادات الجامعية، فإن تقارير صحفية محلية متكررة من مؤسسات حكومية أكدت استمرار الأزمة.

وكشف رفعت فياض، الصحفي المتخصص في الشأن التعليمي ومدير تحرير جريدة "أخبار اليوم" الحكومية، عن وجود عمليات تزوير متكررة بوزارة التعليم العالي في زاويته الصحفية، منها ما نشره في يناير/كانون الثاني الماضي تحت عنوان "أكبر عملية تزوير بالتعليم العالى لقبول طلاب بشهادات مضروبة فى المعاهد" وقد أثبتت التحقيقات صحة الواقعة.

كما رأى تقرير لموقع "اليوم السابع" الإلكتروني (شبه رسمي) -في ديسمبر/كانون الأول 2021- أن "تزوير الشهادات الجامعية أصبح أمرا عاديا أمام الكثير من الشباب داخل مصر" مؤكدا وجود "مافيا" -بحسب وصفه- للمؤهلات المزورة بالبلاد.

المصدر : الجزيرة