تركة الاستعمار البريطاني.. الحدود تعيد الاشتباكات بين أفغانستان وباكستان
كابل- طالبت الخارجية الأفغانية إسلام آباد، على خلفية اشتباكات وقعت بين القوات الأفغانية والباكستانية في معبر سبين بولدك جنوبي أفغانستان، بمنع التصرفات التي وصفتها بالاستفزازية، والتي تؤدي إلى العنف واندلاع الاشتباكات على طرفي الحدود المشتركة بين البلدين.
ولا تُعرف بالضبط الأسباب التي أدت إلى الاشتباكات الأخيرة بين القوات الأفغانية والباكستانية، وقد سارعت الخارجية الأفغانية والقوات الباكستانية إلى إصدار بيانات تتحدث عن قلق الطرفين من دون أن يوضحا السبب الرئيس لهذه الاشتباكات.
ويقول مصدر في وزارة الدفاع الأفغانية للجزيرة نت إنه "خلال عام واحد منذ وصول طالبان إلى السلطة اندلعت اشتباكات مع الدول المجاورة 27 مرة، بينها 18 اشتباكا مع باكستان، و5 اشتباكات مع إيران، و3 مع طاجيكستان، ومرة واحدة مع تركمانستان".
من جانبه، يقول الزعيم القبلي أحمد هيواد للجزيرة نت "لا نعرف سبب اندلاع الاشتباكات بين الأفغان والباكستانيين، ولكن القوات الباكستانية أمرتنا قبل أيام بإخلاء هذه المنطقة لأنها تريد بناء مدينة صناعية مشتركة مع الصين".
صراع قديم متجدد
ويرى خبراء في الشأن الأفغاني أن هناك عوامل وأسبابا مختلفة لهذه الاشتباكات والتوتر القائم على الحدود الأفغانية الباكستانية من أهمها خط ديوراند المتنازع عليه بين البلدين، الذي يصل طوله نحو 2600 كيلومتر، حيث رُسمت الحدود الفاصلة بشكل تعسفي من قبل البريطانيين في عام 1893 ويعيش ملايين البشتون على جانبيه.
وتؤكد حكومة طالبان الأفغانية حقها في حرية تنقل الشعوب عبر حدود الحقبة الاستعمارية، بما يتفق مع عدم الاعتراف بالخط كحدود دولية، وينظر إليه على أنه خط فاصل بين الأراضي الأفغانية وتلك التي كانت تخضع للاحتلال البريطاني ثم ورثتها باكستان.
واتخذت جميع الحكومات الأفغانية منذ عام 1947 مواقف مماثلة بشأن هذا النزاع مع باكستان التي ترى أنها حدود دولية وعلى الأفغان احترام سيادتها عليها.
ويقول وكيل وزارة الحدود والقبائل الأفغانية السابق أكبر فولاد -للجزيرة نت- إن "الخط ليس واضحا، فالبريطانيون قسموا قمم الجبال بين البلدين كحدود فاصلة، وهناك تداخل كبير في الأراضي، وحاولت كل جهة الاستيلاء على نقاط إستراتيجية على طول الخط، وخلال 20 سنة الماضية عندما كانت الحكومة الأفغانية السابقة مشغولة في الحرب مع طالبان، استغلت القوات الباكستانية الفرصة وتوغلت في بعض المناطق الأفغانية بعمق 40 كيلومترا، والآن تريد الحكومة الجديدة السيطرة على أراضيها، وهذا هو السبب الرئيس للاشتباكات".
العائلات ضحايا السياج الحديدي
بدأت القوات الباكستانية بإقامة سياج حديدي بارتفاع نحو 3 أمتار لمنع الدخول إلى أراضيها بطريقة غير شرعية، ولكن الحكومة الأفغانية تعارض إقامة حاجز على امتداد الحدود المتنازع عليها.
ويقول مصدر في لجنة مراقبة الحدود في الخارجية الأفغانية للجزيرة نت "نعارض نصب السياج لأنه يفصل بين العائلات الأفغانية التي تعيش على طرفي الخط الذي رسمه المحتل البريطاني، ولن نسمح بإكمال هذا المشروع، كما أن باكستان تريد بناء 750 موقعا حدوديا جديدا على طول الخط، وهذا الأمر يثير حساسية سكان المنطقة والحكومة على حد سواء".
ومما يزيد الأزمة تعقيدا أن باكستان ترسم خط ديوراند بشكل مختلف عن أفغانستان، وهو ترسيم لم تقبله الحكومة الأفغانية السابقة، والآن تعرقل الحكومة الجديدة مشروع القوات الباكستانية لنصب السياج على الحدود المشتركة بين البلدين، وقد كلّف السياج باكستان نحو 532 مليون دولار حتى الآن.
ويشير الصحفي الباكستاني طاهر خان إلى أن باكستان تهدف من سعيها لضبط الحدود مع أفغانستان إلى السيطرة على حركة البضائع والأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير شرعية إلى المناطق التي تخضع لسيطرة السلطات الباكستانية، إضافة إلى فرض هذه الحدود كأمر واقع، الأمر الذي رفضته الحكومات الأفغانية المتعاقبة.
تعارض المصالح الأمنية والمعيشية
ويرى مراقبون أن رفض حركة طالبان لموقف باكستان على خط ديوراند يتحدى أحد أعمدة السياسة الأمنية الباكستانية، كما أن قيام القوات الأفغانية بتفكيك السياج في نقاط متعددة هو أكثر من مجرد استدعاء لمطلب تاريخي، وهو ما تعدّه السلطات الباكستانية تحديا صريحا لها، وترى فيه خطورة أكبر من التحديات الخطابية للحكومات الأفغانية السابقة في عهد الرئيسين حامد كرزاي وأشرف غني.
ويقول الصحفي الباكستاني طاهر خان للجزيرة نت إن "المشكلة الأساسية أن قادة البلدين لا يجلسون إلى طاولة المفاوضات لحسم مشكلة الحدود، والحرب والاشتباكات ليست الحل. نسمع التصريحات من كلا الطرفين، ولكن هناك أزمة ثقة بين البلدين".
ومما يزيد من الخلافات بين البلدين ما يعدّه الجانب الأفغاني إساءة تعامل مع اللاجئين الأفغان على المعابر الرئيسة مثل طورخم وسبين بولدك، وفرض الحصول على تأشيرة للدخول إلى الأراضي الخاضعة للسلطات الباكستانية، وهو أمر مستحدث يرى فيه كثيرون استفزازا للأفغان.
ويقول الصحفي الأفغاني ميرويس أفغان للجزيرة نت إن "حركة طالبان لا تريد إثارة المشاكل مع باكستان، ولكن بعض جنود طالبان يقومون بتصرفات فردية على خلفية سوء التعامل مع اللاجئين الأفغان في باكستان".