حاول التنصل من جريمته.. هكذا اغتال الاحتلال الطفلة جنى زكارنة

جنين- فجأة وعلى عكس ما قررته عائلة الشهيدة جنى زكارنة من أن صباح أمس الاثنين سيكون موعدا لتشييعها ومواراتها الثرى في مقبرة العائلة بمسقط رأسها بمدينة جنين، عدلت عن قرارها وعمدت لتشريح الجثمان، لترد بهذا الإجراء على كذب الاحتلال وادعائه أن جنى قتلت برصاص مسلحين فلسطينيين، قبل أن يعود مساء اليوم وبعد تشريح الجثمان قائلا "إن الفتاة التي قتلت قد تكون أصيبت بالخطأ" برصاص جنوده.
قبيل منتصف الليلة الماضية عثر على جنى مجدي زكارنة (16 عاما) مضرجة بدمائها على سطح منزل عائلتها في حارة البيادر بالحي الشرقي من مدينة جنين شمال الضفة الغربية، الذي كان يقتحمه جيش الاحتلال بهدف اعتقال "مطلوبين" كما ادعى.
ولما تجف دماء جنى بعد، روى ماجد زكارنة (عم الشهيدة) للجزيرة نت ما جرى قائلا: إنه وعند قرابة العاشرة والنصف من مساء الأحد اقتحم جيش الاحتلال كعادته الحي الذي يوجدون فيه، وخلال الاقتحام سمع دوي إطلاق نيران كثيفة على مقرب منزل العائلة.
وعند سماع كثافة الرصاص -يتابع عم الشهيدة- صعدت جنى إلى سطح منزلها لتتفقد قطتها هناك وتحاول إنقاذها قبل أن تُصاب، لكن جنى لم تعد، ولم ينتبه والدها إلا بعد مرور فترة من الزمن، وكان شقيقها بمقهى للإنترنت قريب من المنزل.
التشريح لتنفيذ رواية الاحتلال
ويواصل العم أنه وعندما عرف والدها أن الجيش قد انسحب من الحي، وتفقد ابنته لم يجدها، فصرخ مناديا ولم تجب، صعد إلى سطح المنزل فعثر عليها ملقاة على الأرض غارقة بدمائها، فاتصل بالإسعاف مباشرة والذي نقلها لمستشفى جنين الحكومي "وهناك تبين أنها مصابة بـ 4 رصاصات اثنتين بالصدر وأخريين بالوجه أحدثت إحداهما شرخا عميقا".
وسلمت العائلة بقدرها بأن جنى استشهدت لكن إصرار الاحتلال على الكذب ومحاولته التنصل من جريمته جعلهم يجرون تشريحا لجثمانها بمعهد الطب العدلي بجامعة النجاح بنابلس "والذي سنستخدم نتائجه لمحاسبة إسرائيل ومقاضاتها" يقول العم زكارنة.
وأكد العم أن أجهزة الأمن الفلسطينية (النيابة والمباحث العامة) أجرت فحصا بالميدان، واستطاعت بعد أن عثرت على رأس إحدى الرصاصات التي اخترقت الحائط أن تصل إلى نتيجة مفادها أنه "لا رصاص قد يصل مكان استشهاد جنى إلا من المنزل الذي يقتحمه جنود الاحتلال في العمارة المقابلة، وقد ذهب الأمن الفلسطيني لذاك المنزل ووجد فوارغ الرصاص فيه أيضا".
بالخطأ! و4 رصاصات أصابتها بمقتل
تعتقد العائلة جازمة أن جيش الاحتلال هو من قتل جنى، فالمنزل المقابل لمنزلها أعلى بكثير، ويمكن للاحتلال عبره الكشف بدقة عمن يوجد داخل منزلهم أو على سطح، كما أن الجيش الذي يملك أسلحة قنص ومناظير ليلية دقيقة، أصاب الشاب الذي ادعى أنه أطلق النار عليه وصادر سلاحه مع بداية الحدث، أي قبل استشهاد جنى "وكان الشاب المطلوب على الأرض، وهذا ظهر بالفيديو".
وردا على محاولة الاحتلال التهرب من مسؤوليته بإعدام جنى والتذرع بالقتل الخطأ، يقول العم متعجبا "4 رصاصات بمناطق قاتلة في الجسم، وتقول بالخطأ!، وربما هناك رصاصات أخرى لم تصب جنى".

وجنى الأنثى الوحيدة بعائلتها، وهي شقيقة أدهم (13 عاما) وقد تركت المدرسة قبل عام لتقوم على رعاية أمها التي تعاني مرضا مزمنا.
وجاء في ختام تحقيق أولي -وفق بيان جيش الاحتلال نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية ووصل الجزيرة نت- أن جنى قتلت بالخطأ بعد أن كانت بالقرب من مسلحين فلسطينيين وجدوا على سطح أحد المنازل، وأطلقوا النار نحو جيش الاحتلال، وأن جنى كانت بالقرب من المسلحين، ونفى الجيش الإسرائيلي إطلاق النار على "المدنيين الأبرياء عمدا".
كاتم صوت وجرائم سابقة
وحتى ادعاء الاحتلال هذا (القتل بالخطأ) ليس له ما يبرره، كما يقول أنس حوشية الصحفي الفلسطيني وابن مدينة جنين، وإذا كان كذلك لماذا لم يطلق هذا "القناص الجيد" النار تجاه المقاوم الفلسطيني مباشرة وليس تجاه جنى.
ويقول حوشية للجزيرة نت إن جيش الاحتلال تعمد الآونة الأخيرة -وخلال اقتحامه جنين- نصب كمائن وقناصة بشكل كثيف، وأطلق النار تجاه المواطنين العُزل ومن مسافة قريبة ودون أن يشكلوا عليها أدنى خطر.
واستخدم جيش الاحتلال أيضا "كاتم صوت" -يقول حوشية- وهو ما ظهر فجر أول أمس بعد استهدافه 3 فلسطينيين من مسافة 50 مترا ومن علو، وسقط أحدهم تلو الآخر دون أن يسمع صوت الرصاص.
ويضيف حوشية "وكل ذلك ليغطي (الاحتلال) على جريمته ولكي يقوم بعملية تمويه وليخفي أماكن وجود القناصة عن (أنظار) المقاومين الفلسطينيين" ويرى الصحفي أن ما يقوم به جنود الاحتلال هو لردع المواطنين وثنيهم عن مساندة المقاومين.
على غرار اغتيال شيرين.. الأداة ووسيلة التبرير
أما ياسر مناع الباحث الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي، فقال إن إسرائيل عمدت إلى مثل هذا الادعاء "القتل بالخطأ" بقصة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، وقال إن هناك تشابها كبيرا بين قتل جنى وبين قتل الزميلة شيرين، فبداية يحاول (الاحتلال) إلصاق جريمته بالفلسطيني وإذا ثبت عكس ذلك يلجأ لموضوع "القتل بالخطأ".
وأوضح الباحث للجزيرة نت أن الاحتلال يحاول تجميل صورته أمام الرأي العام الدولي، والتي تضررت كثيرا في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المختلف والمتنوع، عبر التوثيق الذي يقوم به المواطنون والذي ساهم بفضح جرائم إسرائيل.
وبين مناع أن قضية القتل بالخطأ -ونظرا لاحتمال أن تكون واردة بأي عمل عسكري وفكرتها مقبولة أمام المجتمع الدولي- تحاول إسرائيل ترويجها لتبرئة نفسها، وتضيف لها فكرة إجراء تحقيق لتظهر أن جيشها نظامي.
من جانب آخر، نقل محمد أبو علان المختص بالشأن الإسرائيلي ما جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلا عن رئيس الوزراء يائير لبيد "نأسف لمقتل الفتاة الفلسطينية. مستمرون في البحث عن الأسباب" أما جيش الاحتلال فقال "احتمال قوي جدا أنها قتلت برصاص قناص".
يشار إلى أن إسرائيل قتلت منذ بداية العام الجاري 224 فلسطينيا، 166 منهم بالضفة الغربية والقدس، 53 في قطاع غزة، 5 بالداخل الفلسطيني، ومن بين الشهداء 15 طفلا.