الأزمة الليبية تراوح مكانها.. عودة القطيعة بين مجلسي الأعلى للدولة والنواب تبدد آمال الحل السياسي

طرابلس- صوّت المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خلال جلسته الأخيرة في طرابلس على تعليق التواصل مع مجلس النواب إلى حين إلغاء الأخير قانون استحداث محكمة دستورية مقرها بنغازي تحل محل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.
وجاء تصويت المجلس الأعلى للدولة في جلسة طارئة دعت إليها رئاسة المجلس للنظر في الإجراءات المتخذة حيال خطوة مجلس النواب الأخيرة، حيث صوّت بالمجلس الأعلى 68 عضوًا من أصل 79 حضروا الجلسة بتعليق التواصل مع مجلس النواب في المسارات كافة.
وأكد عضو المجلس فتح الله السريري أن سنّ مجلس النواب قانون المحكمة الدستورية من دون ذكر نصاب الجلسة، أو عدد الحضور، أو المصوّتين خطوة غير سليمة قانونا ودون أساس دستوري، بل إنها "مخالفة لكل ما يؤسس للمحاكم الدستورية وفق النظم القانونية المعاصرة".

تواصل مشروط
وأوضح السريري -في حديث للجزيرة نت- أن المشاورات حول المناصب السيادية والسلطة التنفيذية والقاعدة الدستورية عُلّقت مع مجلس النواب، "إلا إذا ألغى ما سنّه بخصوص المحكمة الدستورية التي تحتاج إلى نص دستوري لا تشريعي، مع الالتزام التام بنصوص الاتفاق السياسي الليبي".
وأوضح عضو المجلس الأعلى للدولة أن هذا الاتفاق يعدّ الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية في أي لقاءات مستقبلية لإنهاء المراحل الانتقالية، وهي الخطوة المتعثرة منذ توقيع الاتفاق السياسي الليبي بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015 برعاية الأمم المتحدة.
وجاء قرار المجلس الأعلى للدولة في خطاب رسمي وجّهه رئيسه خالد المشري إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، عبّر فيه عن رفض رئاسة مجلس الدولة للخطوة، وتعليق التواصل مع رئاسة مجلس النواب إلى حين "إلغاء القانون"، معتبرا أنه "صدر بالمخالفة للنصوص الدستورية ولكل ما توافق عليه المجلسان".
وتأتي هذه الخطوة رغم التقارب بين رئيسي المجلسين في الأشهر الأخيرة، والحديث عن تشكيل حكومة جديدة، والاتفاق على قانون للانتخابات والتعديل الدستوري من خلال اللجنة المشتركة المشكلة من المجلسين والتي كان من المقرر أن تلتقي في القاهرة خلال الأسبوع الحالي، حسب مصادر برلمانية للجزيرة نت.
ويُفسّر عضو المجلس الأعلى للدولة فتح الله السريري إقدام مجلس النواب على إصدار "قانون المحكمة الدستورية" بأنه جاء -على ما يبدو- ردا على تفعيل عمل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية بعد إيقافه غير المبرر، مشيرا إلى أن تفعيل هذه الدائرة "أزعج مجلس النواب، إذ إن أغلب قوانينه وقراراته -إن لم تكن كلها- مخالفة بشكل صريح للنصوص الدستورية الحاكمة للمرحلة، وأغلبها شكلية ويسهل إثبات بطلانها دون عناء".

شراكة غير حقيقية
لكن المحلل السياسي عبد السلام الراجحي يرى أن التقارب الذي حصل أخيرا بين المجلسين اقتصر على مستوى رئاستيهما ممثلة في عقيلة صالح وخالد المشري وبعض الأعضاء فقط "ممن راهنوا على حل أو تقاسم للسلطة مع مجلس النواب، لكن عقيلة صالح أثبت مجددا أنه ليس شريكا حقيقيا لإنتاج حل توافقي".
وأوضح الراجحي أن كل هذه التقاربات والتفاهمات أتت بعد دخول طرف جديد في الصراع على السلطة، ممثلا في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة "الذي حاول عقيلة والمشري إسقاطه بأي طريقة".
من جانبه، قال المحلل السياسي محمد شوبار إن القرارات الأخيرة من الجانبين تؤكد حالة الانسداد السياسي، وتنذر بمزيد من الانقسام المؤسسي، "وتثبت أن التقارب الذي حدث بين رئيسي مجلسي الدولة والنواب يهدف لتحقيق مصالح شخصية".
وأضاف شوبار أن "الاختصاص الوحيد لمجلس الدولة ومجلس النواب هو التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، أما تشكيل سلطة تنفيذية موحدة فليس للمجلسين أي دور في ذلك وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2656 الذي لم يشر إلى أي مؤسسة انبثقت عن ملتقى الحوار السياسي".
بدوره، يخشى النائب فتح الله السريري أن تُعقّد الخطوات التصعيدية الأخيرة المشهد السياسي الليبي المعقد أصلا بعد أن كان هناك تفاؤل في أفق الحل التوافقي للأزمة السياسة الراهنة، متوقعا أن تكون "لخطوة مجلس النواب انعكاسات سلبية ربما تتسبب في فقدان الثقة به كشريك وطني لتقديم حل ليبي داخلي، ومن ثم يعطي فرصة لمزيد من التدخلات الخارجية عبر البعثة الأممية والدول الأجنبية".
الأمر نفسه أكده عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة للجزيرة نت، معلنين رفضهم استئناف التواصل من جديد مع مجلس النواب إلا بعد تعهده بالالتزام بنصوص الاتفاق السياسي الليبي "الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية في كل الخطوات القادمة، وعدم اتخاذ أي خطوة أحادية الجانب وبالإرادة المنفردة لمجلس النواب الذي ليس من اختصاصه إصدار القوانين بل سنّها فقط إذ الإصدار عمل تنفيذي مسند إلى السلطة التنفيذية الرئاسية ممثلة في المجلس الرئاسي".
وحمّل هؤلاء الأعضاء مجلس النواب مسؤولية تعثر الحل السياسي والوصول إلى انتخابات تشريعية ورئاسية تنهي المرحلة الانتقالية التي دخلت عقدها الثاني.