رغم مرور 5 سنوات على هزيمة تنظيم الدولة بالعراق.. محافظة صلاح الدين الأسوأ بالإعمار والخدمات
عندما تجود السماء بأمطار الشتاء تتلطخ مدن محافظة صلاح الدين العراقية بالأوحال فترة طويلة، وفي موسم الجفاف لا تشاهد في مدنها غير الغبار الذي يمنع عادة الرؤيا، في معاناة يومية دفعت كثيرا من المواطنين للنزوح إلى مناطق أخرى ربما أقل معاناة من تهالك البنى التحتية.
ويصف النائب السابق عبد القهار السامرائي محافظة صلاح الدين (شمال بغداد) بأنها الأكثر فسادا على مستوى العراق، وانعكس ذلك على تأخر عملية الإصلاح والإعمار وإعادة البناء في المحافظة.
مشاريع وهمية
ويبيّن السامرائي للجزيرة نت أنه ومنذ انتخابات 2009، وبدء تقاسم النفوذ بين إدارة المحافظة؛ لم تشهد صلاح الدين نسبة إعمار تتناسب مع المبالغ التي تخصص لها سنويا، بسبب الاستئثار بالمال في إدارة المحافظة وضعف الرقابة من قبل مجلس المحافظة وتحاصص المشاريع بين أعضاء المجلس وإدارة المحافظة، وهذا ما شكل عبئا ثقيلا على المواطن.
ويتحدث السامرائي عن مئات المشاريع الوهمية، وهناك تكرار في تخصيصات للمشاريع نفسها، وهناك إدارة ضعيفة من ناحية تلبية المتطلبات الخدمية ومتطلبات الإعمار، خاصة المناطق المتضررة من العمليات العسكرية.
وينوه إلى أن نسب العمولات المرتفعة في إدارة المحافظة؛ ما تسبب في هدر كثير من الأموال، وأتخمت القيادات الإدارية في صلاح الدين بالثراء الفاحش وهذا يؤشر إلى وجود استحواذ على الموارد بطريقة غير نظامية.
ويعرب السامرائي عن أسفه لطريقة تعامل الحكومات المركزية المتعاقبة مع ملف فساد المحافظة، حيث إنها لم تعالج المسائل بشكل صحيح، وفي بعض الأحيان قامت بغلق الملفات من دون حل الإشكالات، وتمنى أن تشهد المرحلة القادمة تسليط الضوء على كل المشاريع غير المكتملة ومحاسبة المتسببين في هدر المال العام.
ويكشف النائب السابق عن وجود تحايل على القضاء عبر تقديم وتأخير الملفات وعدم المحاسبة، وذلك أدى إلى تفاقم الفساد ونهب المال العام.
مليارات مهدرة
وحول حجم الخسائر التي تسبب فيها الفساد، يوضح السامرائي أن معدل ما تم تخصيصه لمحافظة صلاح الدين منذ 2009 لا يقل عن 3 مليارات دولار، لكن على أرض الواقع لا يوجد انعكاس بنسبة 25% من هذا المبلغ، وبالتالي فإن 75% من المبالغ مهدرة أو تم السطو عليها بطرق ملتوية.
ويلفت إلى أنه عندما تثار قضايا فساد كبيرة يكون الضحايا البسطاء من الموظفين والفنيين الذين تتم إحالة المشاريع عن طريقهم بصورة مباشرة، في حين يفلت كبار الفاسدين.
ويختم السامرائي بالقول "نسمع كلاما يعطي بارقة أمل، لكن على أرض الواقع حتى الآن لا توجد تحركات فعلية تؤدي إلى تحجيم الفساد ومحاسبة الفاسدين، خاصة أن بعض الفاسدين لديهم حصانة ويشاركون في العملية السياسية، ولديهم حصص كبيرة من الوزارات".
غبن حكومي
ويقول الإعلامي طه رياض السامرائي "لا يخف على أحد أن محافظة صلاح الدين هي محافظة الرئيس الراحل صدام حسين، ومنذ عام 2003 تشهد هذه المحافظة نوعا من الغبن من قبل الحكومة المركزية، فهي تحصل على أقل النسب في الموازنات مقارنة ببقية المحافظات، رغم احتوائها على مصفى بيجي الذي يعد من أهم مصافي العراق النفطية".
ويعزو السامرائي تراجع الجهد الخدمي إلى أسباب عديدة أولها سوء الإدارة والفساد، ومراحل الصراع والحروب التي مرت المحافظة منذ الغزو الأميركي عام 2003، ثم مرورها بالاقتتال الطائفي والتنظيمات "الإرهابية".
ويضيف -للجزيرة نت- أنه على الرغم من أن المحافظات القريبة تعافت بعد انتهاء الحرب مع تنظيم الدولة -مثل نينوى، وتحديدا مدينة الموصل التي شهدت بعد تحريرها تغييرا كبيرا في الخدمات، فإن محافظة صلاح الدين بقيت على حالها كون الأحزاب المتنفذة تعمل على سرقة مقدراتها وتصل بعض صفقات الفساد إلى 50 مليون دولار.
ويذكر السامرائي وجود محاولات خجولة من قبل المحافظين السابقين، مثل تعبيد الطرق وتطوير البنى التحتية، لكن تبقى دون المستوى المطلوب، مبيّنا أن أكثر المناطق التي تعاني من الإهمال هي تلك التي تعرضت للعمليات العسكرية خلال السنوات الماضية.
ويلفت إلى أن مدينة بيجي فيها أكثر من ألف بيت مدمر كون المعارك العسكرية دارت داخل المدينة، وأدت إلى تدمير أغلب المؤسسات الحكومية الصحية والخدمية التي تعافت تدريجيا، مشيرا إلى أن هناك حركة إعمار خجولة في بيجي من قبل المنظمات الدولية، لكن هذه المنظمات لا تستطيع التحرك والعمل بشكل كافٍ لتعرضها لضغوط من قبل مؤسسات حكومية أو من مسؤولين لابتزازها بدفع رشاوى من أجل المضي بمشاريع الإعمار.
ويكشف طه السامرائي عن تقصير خدمي كبير في مدينة سامراء وبعض الأقضية؛ مثل بلد والدجيل والضلوعية وتكريت. ورغم أن صلاح الدين شهدت محاولات ترميم وإعادة بناء بعض المؤسسات لكن مقارنة بالمحافظات الأخرى فهذه المحافظة تعد الأسوأ خدميا.
مسؤولية مشتركة
من جانبه، يلفت النائب البرلماني عن محافظة صلاح الدين مهدي تقي آمرلي إلى أن سوء إدارة المحافظين أدى إلى تلكؤ ملف إعمار المحافظة خلال السنوات الماضية، كما أن سيطرة تنظيم الدولة أدت إلى تدمير نحو 50% من البنى التحتية والخدمات الموجودة فيها.
ويضيف للجزيرة نت أن زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى صلاح الدين كشفت عن تلكؤ نحو 800 مشروع في المحافظة، وأعطى المحافظ مهلة شهرين للقيام بإدارة صحيحة والنهوض بأوضاع المحافظة، وإلا سيقوم بسحب اليد من المحافظ وتكليف محافظ آخر.
ويبيّن آمرلي أن تلكؤ ملفات التعويضات هو بسبب الفساد وليس بسبب عدم صرف التعويض، حيث يقوم بعض المتنفذين بابتزاز المتضررين لدفع نصف قيمة التعويض مقابل ترويج المعاملة، وهذا أدى إلى تأخير التعويضات.
وعن الجهات التي تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع في صلاح الدين يقول آمرلي إن الحكومة المركزية تتحمل بعض المسؤولية عن هذه الأوضاع، في حين تتحمل الحكومات المحلية للمحافظة الجزء الأكبر من ذلك.
صراع سياسي
ويرى المحلل السياسي كتاب الميزان أن محافظة صلاح الدين تشهد صراعا سياسيا للاستحواذ على مقدرات المحافظة بين جهة سياسية هي مستحوذة في الأساس على مقدرات المحافظة منذ سنوات، وأحزاب أخرى تمكنت في بغداد وتحاول أن تزيح هذه الجهة السياسية عن إدارة المحافظة.
ويبيّن الميزان -للجزيرة نت- أن البلاد مقبلة على مرحلة انتخابات مجالس المحافظات، وتعد خطوة أساسية لترسيخ وتقوية نفوذ هذه الأحزاب المتصارعة في المحافظة.
ويرجع الميزان أسباب هذا الصراع إلى أهمية صلاح الدين من الناحية التاريخية والدينية والاقتصادية والديموغرافية وتنوعها المكوناتي المهم، فهي بمثابة عراق مصغر يضم مكوّنات البلد، فضلا عن أهميتها الاقتصادية والسياحية، وهذا يشجّع تزايد الصراع على إدارة هذه الموارد.
ويلفت إلى أن الصراعات الحزبية انعكست على واقع المحافظة الأمني واستقراره الهش، كونها مفتوحة على الصحراء من جهة الشرق وتمتد عبر صحاري نينوى والأنبار باتجاه الحدود السورية، وكذلك توجد فيها جبال حمرين ومكحول، وهي مناطق رخوة.
ودعا الحكومة المركزية إلى ضرورة توحيد قيادة العمليات العسكرية الثلاثة العاملة في المحافظة، لأن تداخل صلاحياتها الأمنية أحد الأسباب الأمنية التي تقوّض استقرار المحافظة.