بعد عقدين على تطبيقه في العراق.. هل أخفق النظام البرلماني؟

Iraqi lawmakers attend the first session of the new Iraqi parliament in Baghdad
البرلمان العراقي يشرع القوانين ويرسم السياسة العامة للبلاد ويصادق على قرارات الحكومة (رويترز)

بغداد– أثار حديث رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق القاضي فائق زيدان قبل أيام، الذي وصف فيه النظام البرلماني القائم في العراق بالفاشل، ردود أفعال متباينة من قبل خبراء ومتخصصين في الشأن السياسي والقانوني العراقي؛ بين من يرى أن النظام البرلماني أفضل، ومن يرى أن الرئاسي هو السبيل للخلاص من المشاكل العالقة في البلاد وتجنب تداخل الصلاحيات.

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى قد قال الأربعاء الماضي، في حديث صحفي، إن النظام البرلماني في العراق فاشل، مؤكدا ضرورة تغييره وتعديل الدستور والتحول إلى نظام رئاسي في البلاد.

وهذه الدعوة ليست الأولى إذ سبق لكتل سياسية أن دعت لتغيير نظام الحكم في العراق إلى رئاسي مقابل رفض كتل سياسية أخرى ذلك، وأبرزها الكردية.

رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان من وكالة الانباء العراقية
زيدان رأى أن النظام البرلماني في العراق فاشل (وكالة الأنباء العراقية)

الدعوة ليست جديدة

وفي حديث للجزيرة نت، ذكر رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن دعوة القاضي زيدان لتغيير نظام الحكم في العراق إلى نظام رئاسي ليست جديدة، معتبرا أن ما أنتجته المحاصصة السياسية في البلاد صار يشكل ضغطا على القضاء إلى جانب فقدان ثقة الشارع العراقي بنظام الحكم القائم وهو نظام برلماني.

ويبدو أن رأي رئيس مجلس القضاء الأعلى يشير إلى حاجة العراق إلى عقد سياسي جديد، حسب تحليل الشمري الذي يرى أن النظام الرئاسي مركزي وشبه الرئاسي مختلط من ناحية الصلاحيات، والمشكلة ليست في طبيعة النظام بل بمن يقود النظام سواء كان رئاسيا أو برلمانيا.

ونوّه الشمري إلى أن العراق جرب النظام الرئاسي في العهد السابق وترك انطباعا بأنه نظام مركزي استبدادي، في حين أن تجربة السنوات الأخيرة أثبتت فشل النظام البرلماني، معتبرا أن المشكلة بمن يقود النظام.

احسان الشمري الجزيرة نت
الشمري رأى أن الشارع العراقي فقد الثقة بنظام الحكم البرلماني القائم في البلاد عازيا ذلك إلى المحاصصة (الجزيرة نت)

مقارنة بين النظامين

وبالمقارنة بين النظامين الرئاسي والبرلماني، يبيّن الشمري أن الفرق بين النظامين يرتبط بآليات الانتخاب، والصلاحيات التي ستجمع مركزيا بيد رئيس الجمهورية بالنسبة للنظام الرئاسي حيث يكون أكثر مركزية، على عكس النظام البرلماني الذي يعتمد الأغلبية السياسية الحزبية التي تفوز بالانتخابات.

وأضاف أن لكلا النظامين إيجابيات، وفي النظام الرئاسي تكون الدولة أكثر مركزية وأكثر قدرة على التعاطي، لكن من سلبياته احتمالية التفرد باتخاذ القرارات، ما لم تكن هناك رقابة على الرئيس، وللنظام البرلماني تمثيل أوسع لكل القوى السياسية ومكوناتها وكذلك المكونات المجتمعية، وما لم تتحقق الأغلبية يبقى نظاما هشا.

ولعل أكثر المطالبين بتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي هم قادة قوى الشيعة وفي مقدمتهم زعيم دولة القانون نوري المالكي الذي قاد دفّة الحكم في البلاد على مدى دورتين انتخابيتين (2006-2014)، والذي أكد قبل نحو عامين أن النظام الرئاسي هو الأصلح في العراق، حيث دعا حينئذ إلى حوار حول إصلاح النظام السياسي في العراق، مقترحا التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي أو شبه الرئاسي.

كذلك فإن زعيم تحالف الفتح المنضوي ضمن قوى الإطار التنسيقي هادي العامري أكد، في حديث سابق وبالتزامن مع مظاهرات تشرين 2019، أن النظام البرلماني ثبت فشله، وأن الحل الحقيقي يكمن في ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور.

بينما وصف زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزاعي النظام البرلماني بالفاسد، ودعا في أكثر من مناسبة إلى تغيير نظام الحكم إلى رئاسي، كونه الأصلح للعراق.

حصرية - الخبير في القانون الدستوري - امير الدعمي
الدعمي اعتبر أن آلية تحول نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي تكون عن طريق تعديل الدستور (الجزيرة نت)

الدستور هو الفيصل

وعن آلية تحول نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، يرى الخبير القانوني أمير الدعمي -في حديثه للجزيرة نت- أن ذلك يكون عن طريق تعديل الدستور، لأن الدستور نص على أن يكون نظام الحكم برلماني، كما لا بد أن يتضمن التعديل كيفية اختيار الرئيس.

ووصف تصريحات القاضي زيدان حول فشل النظام البرلماني "بالتصريحات المسؤولة"، وتصدر لأول مرة بشجاعة من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى.

الخبير القانوني علي التميمي (الجزيرة )
التميمي: النظام البرلماني إذا ما وجد في بلد ضعيف اقتصاديا ويعاني الفقر فإن احتمالات فشله قوية (الجزيرة نت)

البرلماني ابن الرأسمالية

وحول أسباب إخفاق النظام البرلماني في العراق بعد عقدين من الزمن، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن النظام البرلماني هو ابن الرأسمالية ورؤوس الأموال التي توفر الحرية الاقتصادية، وهذا يرتبط بالرفاه المجتمعي الذي ينسجم مع مصالح المواطنين ويحقق لهم الأهداف المعيشية، منوها إلى أنه مع الدعوات التي تريد العودة إلى النظام الرئاسي الذي يمكن ضبط إيقاعه من خلال دستور مؤقت غير دائم وتحديد مدة رئيس الجمهورية بـ4 سنوات، ومجلس نواب يراقب الرئيس، كما في تجربة مصر الحالية.

ويقول التميمي -للجزيرة نت- إن النظام البرلماني إذا ما وجد في بلد ضعيف اقتصاديا ويعاني الفقر الاجتماعي، فإن احتمالات فشله قوية، منوها إلى أن تجربة النظام البرلماني لم تقم على ارتكازات النظام الرأسمالي لأن النظام الاقتصادي في العراق هلامي فلا هو اشتراكي ولا هو رأسمالي، بالإضافة إلى أن العلاقة بين السلطات عمودية وليست أفقية، كما يقتضي مبدأ الفصل بين السلطات.

طموح سنّي بالرئاسة

ولم يتحدث المكون السنّي في العراق عن طبيعة نظام الحكم أو تغييره، غير أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي طرح العام الماضي في مقابلة تلفزيونية ضرورة تولي المكون السني منصب رئيس الجمهورية، لكن طرحه جوبه بالرفض من قبل المكونات الأخرى على اعتبار أن الوقت غير مناسب لهذا الطرح.

ويشار إلى أن تقاسم الرئاسات الثلاث أصبح عرفا في العملية السياسية العراقية، من دون أن ينص عليه الدستور، وأغلب من تسلموا أحد مناصب الرئاسات الثلاث في العراق تزعموا بعد انتهاء دوراتهم كتلا سياسية ولم يعودوا لممارسة دورهم في مجلس النواب، رغم فوزهم بمقاعد نيابية في كل انتخابات تجرى.

الصحفي والمحلل السياسي الكردي سامان نوح الجزيرة 1
نوح: تجربة الكرد مع النظام الرئاسي كانت مريرة (الجزيرة نت)

مخاوف كردية

ولعل أكثر المكونات تحسبا من النظام الرئاسي هم الأكراد الذين أعلنوا أكثر من مرة تفضيل النظام البرلماني، كما يرى الكاتب والصحفي الكردي سامان نوح أن تجربة الكرد مع النظام الرئاسي كانت مريرة، لأنهم عانوا طوال عقود من القمع على يد أنظمة حكم رئاسية تتخذ فيها القرارات من قبل شخص واحد، مشيرا إلى أن الكرد الآن لا يريدون تكرار التجربة السابقة، لأن ذلك يعني احتكار الجزء الأكبر من السلطة في يد شخص واحد هو رئيس الدولة، وذلك يعني مزيدا من المركزية، ومن ثم إضعاف إقليم كردستان وأقاليم تتشكل في المستقبل.

ويؤكد نوح -للجزيرة نت- أن الكرد يعتقدون أن فشل النظام السياسي لا يتعلق بكونه نظاما برلمانيا أو بسبب الدستور الذي يفرض نوعا من التوافق والشراكة في القرار بين المكونات، بل السبب يكمن في الفساد والمحاصصة الحزبية.

وأضاف أن الدستور ليس هو من أضعف الدولة وأغرقها في الفساد، وإنما المحاصصة والإصرار على تكليف شخصيات لا تمتلك الكفاءة لإدارة المناصب العليا، منوها إلى أن الكرد كما السنّة اليوم لا يريدون تغييرا جوهريا في الدستور يمسّ جوهر مشاركة المكونات في صنع القرار، ويعتقدون أن الدستور الحالي الذي يعطي للبرلمان المتشكل من المكونات الثلاثة حق اختيار رئيس الوزراء يعطي أيضا مساحة جيدة لعدم التفرد بالقرار وللشراكة في الإدارة عبر توافقها على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

منظمات المجتمع المدني

ومن بين منظمات المجتمع المدني التي ترى أن النظام الرئاسي أفضل لحكم العراق منظمة "فعل" المدنية العراقية، فهي ترى أن الأنظمة البرلمانية ديمقراطية في البلدان الناشئة على وجه الخصوص، أما في الدول التي تعاني من الصراعات وعدم الاستقرار فهي أنظمة غير فعالة وقد أثبتت فشلها في كثير من الدول ومنها العراق.

ويقول رئيس المنظمة عبد الحسن الخفاجي -للجزيرة نت- إن هذه البرلمانات تنتج حكومات ضعيفة دائما بسبب التوافقية والتحالفات، فضلا عن أن الحكومات الناتجة عن النظام البرلماني مهددة بسحب الثقة منها في أي وقت، بسبب المحاصصة وتوزيع المناصب بين الأحزاب المتحالفة.

ورأى أن النظام الرئاسي هو الأفضل للعراق، حيث تكون الصلاحيات واضحة ويكون اختيار الرئيس مباشرا من الشعب، وأنه مسؤول عن تسمية الحكومة من دون انتظار رأي الأحزاب، وله صلاحيات يتقاسمها مع السلطة التشريعية التي لا يحق لها سحب الثقة عن الحكومة.

المصدر : الجزيرة