ابن قرية يخنقها الاستيطان الإسرائيلي.. من محمد صوف منفذ عملية "أريئيل"؟

سلفيت- قبل التاسعة من صباح اليوم الثلاثاء، كانت الأحداث بالضفة الغربية هادئة على غير عادتها في الشهور الأخيرة، لكن سلسلة عمليات طعن ودهس نفذها في غضون دقائق الفلسطيني محمد صوف، قرب المنطقة الصناعية في مستوطنة أريئيل غربي سلفيت، بددت كل هدوء.
ونفّذ محمد صوف (19 عاما) المنحدر من قرية "حارس" غربي سلفيت شمال الضفة الغربية، عمليات طعن ودهس طالت عددا من المستوطنين في منطقة هي الأكثف استيطانا والأكثر انتشارا وتواجدا لجيش الاحتلال والمستوطنين معا، في الضفة الغربية.
وأقدم الشاب الفلسطيني بداية على تنفيذ عملية طعن بمدخل المنطقة الصناعية لمستوطنة أريئيل (كبرى المستوطنات الإسرائيلية بشمال الضفة) طالت مستوطنا، ثم انتقل إلى محطة محروقات قريبة وطعن فيها مستوطنَين آخرين، ثم استولى على مركبة وقادها ليدهس مستوطنا رابعا، قبل أن يطلق أحد الجنود الإسرائيليين النار عليه، وفق الرواية الإسرائيلية.
ولم تُربك هذه العملية المتسلسلة -والتي أدت إلى مقتل 3 مستوطنين- جيش الاحتلال فحسب، بل آلته الإعلامية أيضا التي تناقلت -خاصة مع بداية الحدث- أن الهجوم عند مستوطنة أريئيل نفذه شخصان، قبل أن تؤكد القناة 12 العبرية أن العملية نفذها مهاجم واحد واستمرت لنحو 20 دقيقة، وتمت على مراحل، طعن ودهس خلالها الفلسطيني صوف 4 مستوطنين، 3 منهم قتلوا، وآخر أصيب بجروح خطيرة، في حين تحدّثت مصادر عبرية أخرى عن 3 جرحى، عدا القتلى.

مسرح لعمليات مشابهة
وفي تفصيل أكثر، أوردت القناة 12 العبرية أن المنفذ طعن عدة مستوطنين عند مدخل مستوطنة أريئيل الصناعية وعند محطة وقود قريبة منها، ثم سيطر على مركبة مستوطن وانسحب بها نحو شارع رقم 5 الفاصل بين منطقتي بركان وأريئيل الصناعيتين الاستيطانيتين، وخلال الانسحاب اصطدم بمركبة أخرى وأصاب مستوطنا آخر، ثم استولى على مركبة ثانية ونزل وطعن مستوطنا رابعا قبل إطلاق النار عليه واستشهاده.
ونُفّذت "عملية أريئيل" اليوم بمنطقة لا توصف فقط بأنها الأكثف والأكثر انتشارا لجيش الاحتلال وتراقبها عشرات كاميرات المراقبة، بل إنها الأكثر حساسية أمنيا بالنسبة لجيش الاحتلال الذي واجه عمليات مشابهة في المنطقة نفسها سابقا، لا سيما عملية الشهيد أشرف نعالوة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2018 والتي تشبه إلى حد كبير عملية اليوم، حيث قَتل مستوطنَين وجرح ثالثا.
وتلتها في نهاية العام نفسه عملية الشهيد عمر أبو ليلى المزدوجة أيضا، والتي قتل فيها إسرائيلييْن وجرح اثنين آخرين. وكلا الشابين طاردهما الاحتلال لفترة قبل اغتيالهما.
🛑 #تحديث/ 3 قتلى و3 إصابات بعضها خطيرة في #عملية_سلفيت بحسب المصادر العبرية.. مشهد للحظات الأولى لتنفيذ العملية التي وصفتها شرطة الاحتلال بالصعبة pic.twitter.com/rRVrsCcwqI
— Khair Eddin Aljabri (@Khair_Aljabri) November 15, 2022
من محمد صوف؟
ومحمد مراد صوف منفذ عملية أريئيل هو شاب بمقتبل العمر، أنهى الثانوية العامة في الفرع الأدبي العام الماضي، ولم يلتحق بالدارسة الجامعية ليبحث كأقرانه في قريته "حارس" عن عمل ربما يمكّنه من تأمين مصاريف الدراسة لاحقا.
وهو معروف كما قال أقاربه "بطموحه الكبير وهدوئه وأخلاقه العالية جدا"، بدأ العمل بمصنع للمنظفات داخل مستوطنة أريئيل الصناعية منذ فترة.
وبينما يُعرف عن عائلته انتماؤها لحركة التحرير الوطني (فتح) وانتساب بعض أقاربه للأجهزة الأمنية الفلسطينية، إلا أنه لم يعلن انتماءه لأي فصيل فلسطيني.
ويتوسط محمد شقيقيه سامي وجواد ولديه عدة شقيقات، ويُعرف عنه "ارتباطه الكبير بالمسجد وتعلقه به ومحافظته على الصلوات الخمس فيه"، كما يقول الناشط ضد الاحتلال وابن عائلته عيسى صوف للجزيرة نت.
ويضيف قريبه "لم يعرف عن محمد سوى الطيبة، وهو محبوب من الجميع"، كما أن عائلته متماسكة جدا ومترابطة ووضعها الاقتصادي جيد.
وكان محمد قد فقد والده بعد معاناة لسنوات من مرض "الكبد الوبائي" الذي أصيب به خلال اعتقالاته المتكررة في سجون الاحتلال الإسرائيلي. كما اعتقل الاحتلال سابقا 3 من أعمامه خلال الانتفاضة الأولى وقضوا في سجونه سنوات متفاوتة.
اقتحام واعتداء على عائلته
وعقب العملية، اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي ووحداته الخاصة منزل الشهيد محمد صوف وبيوت أقاربه في "حارة الحاووز" بقرية حارس، وأغلقت مداخل القرية ونشرت قوات معززة في محيطها، في حين انتشر عشرات المستوطنين حولها ولاحقوا سكانها ورشقوا المركبات المارة بالحجارة.
وبعد تحقيقات موسعة مع عائلته وأقاربه واعتقال واحتجاز عدد منهم، باشر جيش الاحتلال بأخذ قياسات منزل الشهيد المكون من عدة طبقات في خطوة استباقية لهدمه كما جرت عادته بعد العمليات.
وذكرت المصادر المحلية أن قوات الاحتلال اقتحمت أيضا منزل سائق المركبة التي أوصلت صوف لمكان عمله، وفتشوه بالكامل وأحدثوا فيه خرابا كبيرا.
وقالت عمة الشهيد إيمان صوف، عبر صفحتها بفيسبوك إن الاحتلال احتجز العائلة داخل غرف المنزل، واعتدى عليها وصادر هواتف أفرادها.
وذكرت مصادر محلية للجزيرة نت أن جنود الاحتلال الذين انتشروا بكثافة في القرية، منعوا اقتراب الأهالي من منزل الشهيد، كما منعوا الطواقم الطبية والصحفيين من الوصول إلى العائلة.

حارس.. حوّلها الاحتلال لمخيم واعتقل أطفالها
واعتبر الناشط عيسى صوف "عملية أريئيل" نتيجة طبيعية لإجراءات الاحتلال واعتداءاته ضد المواطنين بالضفة الغربية عامة وبشكل خاص في قرية حارس "التي حولها من منطقة واسعة لامتداد أراضيها ومساحتها، إلى شبه مخيّم يحاصر فيها 4 آلاف فلسطيني ويحرمون من أدنى حقوقهم في الوصول إلى أراضهم وفلاحتها والبناء فيها".
ويحاصر الاحتلال قرية حارس، غربي سلفيت، بـ4 مستوطنات تجثم فوق أراضيها وتصادرها لصالح بناء المساكن والمناطق الصناعية والطرق الالتفافية المخصصة للمستوطنين.
ودفعت حارس أثمانا كبيرة فضلا عن مصادرة أراضيها والاستيطان فوقها، فقتل الاحتلال العديد من أبنائها، كان آخرهم الشاب مجاهد داود، قبل أسابيع قليلة.
وعُرفت القرية أكثر بعد اعتقال الاحتلال 5 من أطفالها قبل سنوات واتهامهم "بالقتل" نتيجة رشق الحجارة الذي تسبب وفق الاحتلال بحادث سير لأحد المستوطنين ووفاة طفلته، "فحكم الأطفال الخمسة بالسجن 15 عاما مع غرامة مالية تجاوزت 9 آلاف دولار لكل واحد منهم" وفق الناشط عيسى صوف.