كيف تستفيد مصر من واشنطن في تجاوز أزمة سد النهضة؟

الرئيس الأميركي جو بايدن (يسار) أكد خلال لقائه السيسي دعم بلاده لحقوق مصر المائية في أزمة سد النهضة الإثيوبي (رويترز)

القاهرة- أثار إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن دعم بلاده لحقوق مصر المائية في أزمة سد النهضة الإثيوبي تساؤلات حول طبيعة هذا الدعم؟ وكيف تستفيد منه القاهرة؟ وهل هو توجه جاد أم مجرد تصريح دبلوماسي لن يفضي إلى ضغوط حقيقية على أديس أبابا؟

وجاء تصريح بايدن في اجتماع مغلق مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي بشرم الشيخ، على هامش مؤتمر المناخ "كوب 27″، في زيارته الأولى لمصر منذ توليه منصبه مطلع 2021.

ووفقا لما نقله المتحدث باسم الرئاسة المصرية، تطرق اللقاء إلى قضية سد النهضة، حيث أكد السيسي تمسك مصر بالحفاظ على أمنها المائي للأجيال الحالية والقادمة من خلال التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء السد وتشغيله يضمن الأمن المائي لمصر، وذلك وفقا لمبادئ القانون الدولي لتحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، ومن ثم أهمية الدور الأميركي للاضطلاع بدور مؤثر لحلحلة تلك الأزمة.

ومنذ تدشين السد الإثيوبي عام 2011 تعوّل مصر على الدور الدولي والأميركي في التوصل إلى حل للأزمة، وبدا ذلك في قبولها لمخرجات مباحثات ثلاثية (مصر والسودان وإثيوبيا) رعتها واشنطن بإشراف البنك الدولي، أواخر 2019، لكن أديس أبابا رفضتها. ولاحقا، لجأت القاهرة إلى مجلس الأمن الدولي غير أنه أحال ملف السد إلى الاتحاد الأفريقي، لكنه فشل على مدار عام ونصف العام في تحقيق أي تقدم في تقريب وجهات النظر.

إعلان بايدن دعم مصر في ملف المياه لا يعد الأول من نوعه، كما سبق أن أوفدت بلاده مبعوثين لتحريك مفاوضات السد، لكنها بقيت تحركات دبلوماسية لم تحدث اختراقا ملموسا، وذلك في ضوء إعلان أديس أبابا اكتمال الملء الثالث في أغسطس/آب الماضي، بعد أن بدأت التشغيل التجريبي للسد في فبراير/شباط الماضي.

في هذا السياق، اتفق خبيران في العلاقات الدولية على أن واشنطن من الممكن أن تسهم في التوصل إلى اتفاق ينظم إدارة السد وتشغيله، عبر ممارسة الضغوط على أديس أبابا، بيد أن أحدهما أشار إلى أن إدارة بايدن لديها نوع من التراخي لمصلحة إثيوبيا بعكس إدارة سلفه دونالد ترامب.

يعزز هذا الطرح ما يصفه البعض بانقلاب بايدن على كثير من ملفات الإدارة الأميركية السابقة، ومنها سد النهضة، إذ سبق أن مهد ترامب الطريق أمام القاهرة، أواخر 2020، بتصريحه علانية بأن القاهرة ربما تستخدم سيناريو تفجير السد، كما جمّد مساعدات أميركية لإثيوبيا بسبب موقفها من المفاوضات التي رعتها بلاده.

ماذا تنتظر مصر؟

وعن طبيعة إعلان بايدن دعم مصر في ملف السد، وهل هو جاد أم إن تصريحاته دبلوماسية فحسب؟ يشير الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد إلى أن إثيوبيا فرضت الأمر الواقع في ضوء اكتمال الملء الثالث والمخزون الكبير من المياه في بحيرة السد.

غير أنه استدرك بالقول -في حديث للجزيرة نت- إن الولايات المتحدة من الممكن أن تسهم في الضغط على إثيوبيا للتوقيع على اتفاق قانوني ملزم للأطراف، ينظم الإدارة الجيدة والمشتركة للسد، طبقا للقانون الدولي.

بدوره، أكد المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأميركية، سام ويربيرج، استعداد الولايات المتحدة للمساعدة تقنيا أو فنيا، فيما يخص أزمة سد النهضة، في حال طلبت الأطراف الثلاثة، مصر وإثيوبيا والسودان، للتوصل إلى حل دائم بشأن سد النهضة، وفقا لتصريحات نقلتها صحف مصرية.

وبخصوص كيفية استفادة مصر من الدعم الأميركي، يعتقد الخبير الأمني محمد عبد الواحد أن بلاده تنتظر من الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي تحريك ما لديهم من أوراق للوصول إلى حل وسط.

وأشار إلى أن الدعم الأميركي لمصر في ملف السد لم يكن قويا، فقد استمرت إثيوبيا في القرارات المنفردة للملء من دون اعتبار لدولتي المصب أو القانون والمجتمع الدولي، مشيرا إلى أن الإجراءات التي سبق أن اتخذتها إدارة ترامب بحق أديس أبابا -على غرار تجميد بعض المساعدات الرمزية- لعدم توقيعها على مسودة اتفاق واشنطن 2020، لم تكن قوية.

رغم ذلك، يرى الخبير الأمني أن بلاده لم تتعامل بالقوة الصلبة مع السد، بعد تصريح ترامب، لاعتبارات شعبية ودبلوماسية تلتزم بها بلاده، بينما استمرت إثيوبيا في موقفها المتعنت. وفي تفسيره لموقف الرئيس الأميركي، يرى اللواء عبد الواحد أنه يأتي من منطلقات، أهمها:

  • اعتبار مصر من أهم الشركاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة.
  • الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة أكدت لواشنطن أهمية دعم شركائها.
  • غياب أميركا عن المنطقة يعني إتاحة الفرصة لمزيد من الوجود الروسي.
  • الموقع الجيوستراتيجي لمصر، ودورها في مكافحة الإرهاب.
  • الخبرات المصرية في الملفين؛ الفلسطيني الداخلي، والفلسطيني الإسرائيلي.
  • العلاقات المصرية الإسرائيلية واتفاقية السلام برعاية أميركية.
  • علاقات مصر بأميركا لا تقتصر على البيت الأبيض فحسب، بل على دوائر أخرى قد تختلف مواقفها من وقت لآخر، أهمها الخارجية وأجهزة المخابرات والبنتاغون.

تراخٍ أميركي

متفقا مع الطرح السابق، يوضح أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية والشؤون الأميركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (حكومي)، أن تصريح بايدن ليس بجديد.

وفي حديث للجزيرة نت، قال أحمد إن الجهود الأميركية حتى الآن لم تترجم إلى ضغوط حقيقية على الجانب الإثيوبي لدفعه إلى العودة للمفاوضات، والتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء السد وتشغيله، كما تطالب مصر والسودان.

ويرى المحلل السياسي أن هناك تراخيا أميركيا لحل أزمة السد، مضيفا أنه رغم اعتراف إدارة بايدن بالحق المصري وتأثيرات سد النهضة السلبية؛ لا تزال تتبع الدبلوماسية الرخوة ولم تترجم خطوات عملية قوية يمكن أن تحقق حراكا حقيقيا في هذا الملف في المدى المنظور، على خلاف إدارة ترامب.

وحول ما قد تستفيده مصر من تصريح بايدن، يشير خبير العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة إلى:

  • التأكيد أن هناك تعاطفا أميركيا مع مصر والسودان، باعتبار أن مسألة المياه وجودية.
  • أميركا تدعم العودة للمفاوضات والتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، بما قد يمثل خطوة لتحريكها.
  • الموقف الأميركي يدعم موقف مصر الدبلوماسي والسياسي أمام المجتمع الدولي وأمام أطراف عديدة.
  • قد تستفيد مصر من الفيتو الأميركي في مجلس الأمن لو لجأت إليه مرة أخرى.

وشدد الباحث المصري على أن بلاده تنتظر من واشنطن أن تترجم الاعتراف بأمنها المائي عبر:

  • ممارسة ضغوط حقيقية على إثيوبيا لدفعها نحو العودة للمفاوضات.
  • الضغط على أديس أبابا للتوقف عن السياسات الانفرادية المتعلقة بالملء الأحادي من دون التنسيق مع مصر، وليس الإخطار فقط.
  • تحريك وحشد المجتمع الدولي خاصة الأوروبي لدعم مصر والسودان.

كما دعا بلاده إلى الاستفادة من الصراع والاستقطاب الدولي الراهن بسبب الحرب الأوكرانية التي خلقت هامشا كبيرا للمناورة لدى كثير من دول المنطقة التي تتبنّى سياسة الحياد الإيجابي على غرار مصر، وفق قوله.

وكانت موسكو قد عرضت القيام بدور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، وهو ما سبّب إزعاجا كبيرا لواشنطن، حيث إنها أكبر جهة داعمة للدولتين من حيث كمّ المساعدات العسكرية والاقتصادية سنويا.

المصدر : الجزيرة