رغم خلافات دامية بين العائلتين منذ 16 عاما.. احتفاء واسع بتعزية عائلة العويوي بالشهيد الجعبري في الخليل

الشهيد محمد الجعبري نفذ عملية إطلاق نار ضد مستوطنين وجمع مجلس عزائه بين عائلتين بينهما خلافات منذ سنين طويلة (مواقع التواصل)

الخليل- تفاعل نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي في فلسطين وخارجها بكثافة مع مقطع فيديو يظهر العشرات من أبناء عائلة العويوي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية يقصدون بيت عزاء الشهيد محمد الجعبري لتعزية عائلته، وذلك على الرغم من الخلافات العالقة بين العائلتين منذ سنوات طويلة.

واستشهد الشاب محمد الجعبري مساء السبت الماضي بعد تنفيذه عملية إطلاق نار في مستوطنة "كريات أربع" أدت إلى مقتل مستوطن إسرائيلي وإصابة اثنين آخرين بجراح.

خلافات منذ 16 عاما

ويأتي الاحتفاء بمشهد التعزية بسبب تعالي العائلتين على خلاف مستمر منذ 16 عاما، والذي اشتد العام الماضي بعد مقتل شاب من عائلة الجعبري على يد أحد أبناء عائلة العويوي على إثر مقتل شاب منها قبل أكثر من 16 عاما، تلته اشتباكات مسلحة وحرق ممتلكات للعائلتين بملايين الدولارات.

ولم تنجح -حتى الآن- عدة وساطات وجهود عشائرية ورسمية من فلسطين وخارجها في إنهاء الخلاف، وإن تم حل بعض العُقد مؤخرا.

وفي يوليو/تموز 2021 شكّل الرئيس الفلسطيني محمود عباس لجنة يرأسها أحد أبرز وجهاء العشائر في فلسطين -وهو الحاج داود الزير- لحل ومعالجة المشاكل بين العائلتين، وتواصل اللجنة مساعيها لوأد الخلاف.

وتوجُّه أبناء العويوي إلى بيت عزاء الشهيد الجعبري وإن كان من المستبعد أن يكون بحد ذاته سببا لإنهاء خلاف طويل فإنه يمكن البناء عليه في استمرار التوجه الإيجابي وصولا إلى حل نهائي، وفق شخصيتين بارزتين من عائلتي الجعبري والعويوي والحاج الزير.

ووفق معلومات حصلت عليها الجزيرة نت، فإن هناك مساعي للبناء على خطوة العائلتين لتطويق الخلاف والتوصل إلى حل جذري.

عيسى الجعبري وزير الحكم المحلي بالحكومة الفلسطينية العاشرة
الوزير السابق عيسى الجعبري أعرب عن أمله في أن يكون مشهد العزاء فاتحة خير لحل الخلاف بين العائلتين (الجزيرة)

مشهد مبكٍ

بدوره، بدا الوزير الفلسطيني السابق عيسى الجعبري متأثرا بمشهد دخول وفد من عائلة العويوي للتعزية بابن عائلته، في لحظة تجاوزوا فيها الخلافات.

وكتب الجعبري على حسابه في فيسبوك "أما المشهد الذي أعتبره واسطة العَقد (الأهم) في ما شهده مجلس العزاء فهو المشهد الذي دمعت عيناي لأجله، كان دخول أهلنا وأصهارنا وجيراننا من عائلة العويوي بوفدهم الذي جمع المئات من شيبهم وشبانهم أتوا ليقوموا بواجب العزاء".

وأعرب عن أمله في أن تكون الخطوة "فاتحة خير لنبذ الخلافات بين العائلتين وإعادة اللحمة وتوحيد الصف والتركيز على العدو المشترك الذي يستهدفنا كلنا دون تفريق بيننا ويسعى لزرع الفتنة بيننا".

دماء الشهداء جامعة

وفي حديثه للجزيرة نت قال الجعبري إن "دماء الشهداء ظلت على الدوام عامل تجميع للفلسطينيين رغم خلافاتهم"، مضيفا أن ما حصل بين العائلتين من خلاف يقع في أي مجتمع آخر لكن "دماء ابننا الشهيد محمد أثبتت قدرتنا على تجاوز الخلافات مهما كانت".

وأشار إلى علاقات مصاهرة ونضال وجوار بين العائلتين، فضلا عن أسرى تجمعهم الزنازين ذاتها في سجون الاحتلال ويحبس حريتهم السجان نفسه.

من جهته، يقول الأكاديمي الفلسطيني الدكتور أسعد العويوي إن لخطوة التعزية بالشهيد من قبل عائلته لعائلة الجعبري "أهمية خاصة".

وأضاف العويوي في حديثه للجزيرة نت أن "الخطوة رائعة جدا من كلتا العائلتين: من المستقبِل ومن الآتي لأداء واجب العزاء"، وتابع أن "قيام عائلة العويوي بواجب العزاء بالشهيد محمد الجعبري له بعد إنساني وبعد اجتماعي".

الدم يصوب البوصلة

وقال العويوي إن الحالة الفلسطينية والدم الذي يسيل "يوحد كل مكونات الشعب الفلسطيني بغض النظر عن الخلافات"، مرجحا أن تسهم دماء الشهيد محمد الجعبري في ردم الفجوة بين العائلتين "اللتين تربطهما علاقات قرابة ودم ونسب كثيرة".

ويرى أن "حالة استشهاد محمد الجعبري فرضت على العائلتين هذه الخطوة، فالدم الذي سال وحّد الجهود وصوّب توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح".

دعوة سابقة

وقبل نحو عام ظهر شابان من عائلتي الجعبري والعويوي أبعدهما الاحتلال إلى قطاع غزة بعد الإفراج عنهما في "صفقة وفاء الأحرار" عام 2011 يدعوان عائلتيهما إلى ضبط النفس وتجاوز الخلافات.

وكانت رسالة الأسيرين المحررين المبعدين شكيب العويوي ووائل الجعبري -وهو شقيق الشهيد محمد الجعبري- إلى عائلتيهما بوقف الاعتداء المتبادل على الممتلكات، وألا يستخدم السلاح الذي بحوزة العائلتين في الخلافات الداخلية وإنما "في المكان الصحيح وهو الاحتلال".

مبادرة يمكن البناء عليها

بدوره، يقول رئيس اللجنة الرئاسية لتطويق الخلاف بين عائلتي العويوي والجعبري الحاج داود الزير للجزيرة نت إن "دم الشهداء يجب أن يكون هو البوصلة التي يسير عليها شعبنا الفلسطيني"، وإن ذهاب وفد من عائلة العويوي للتعزية في الشهيد الجعبري رغم وجود خلاف بينهم واستقبال آل الجعبري لهم والترحيب بهم "دليل خير في المجتمع الفلسطيني ومبادرة جيدة".

وأعرب الزير عن تفاؤله بإمكانية البناء على هذه الخطوة وصولا إلى التسامح والتصالح بين العشيرتين، مشيرا إلى بوادر إيجابية مع التوصل إلى حلول في بعض عُقَد الخلاف.

وأضاف أن "ارتقاء الشهداء" هو من أجل كرامة الشعب "وهناك خلافات وقتلى بين الفلسطينيين، ويجب التغاضي عن الجروح وتقديم التسامح"، مشيرا إلى أن "ما حصل يجب أن يحتذى به في فلسطين بين كل الذين بينهم خلافات".

 

مسلحون يستقبلون اشتية

وكما أن دماء الشهيد الجعبري حيّدت -ولو لفترة لحظية- خلافات عائلتي الجعبري والعويوي فإن دماء الشهداء في جنين شمالي الضفة الغربية حيّدت الخلافات السياسية عندما ذهب رئيس الوزراء محمد اشتية للتعزية بشهداء مخيم جنين يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وظهر اشتية وإلى جانبه فتحي حازم -وهو والد شهيدين وأحد أبرز المطلوبين لإسرائيل- وهو يحيط به مقاومون مسلحون من مختلف الفصائل، بينهم مسلحون من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.

وظهور اشتية في مخيم جنين -الذي يوصف بأنه خارج عن سيطرة السلطة الفلسطينية- اعتبره مراقبون دليلا على أن دماء الشهداء هي وحدها القادرة على جمع الفلسطينيين على اختلاف أطيافهم.

المصدر : الجزيرة