عام من الصمت الدبلوماسي.. ما علاقة الأزمة الليبية بتوقف المباحثات المصرية التركية؟

القاهرة قد أعلنت رفضها مذكرة التفاهم التي وقعتها أنقرة قبل شهر مع حكومة طرابلس، بشأن التنقيب عن النفط والغاز بمياه شرق البحر المتوسط.، باعتبار حكومة "الوحدة الوطنية" الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة منتهية ولايتها.

الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) والتركي رجب أردوغان (الجزيرة)

القاهرة- بعد نحو عام من الصمت الدبلوماسي، أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري توقف مباحثات عودة تطبيع العلاقات مع تركيا، وربط ذلك بتطورات المشهد الليبي تحديدا الذي يشهد أجواء من التخبط السياسي وعودة الصراع على شرعية الحكم والمؤسسات.

فهل يمثل حديث الوزير المصري إعلانا رسميا بتوقف المباحثات مع أنقرة، أم أنه مجرد قراءة لواقع الأمر، وما هي أسبابه وتداعياته، وانعكاساته على الملف الليبي؟

شكري، قال ردا على سؤال حول تطورات المباحثات مع تركيا، إن الجلستين الاستكشافيتين أتاحتا الفرصة لبلاده للتعبير عن شواغلها بالنسبة للممارسات التركية والأوضاع الإقليمية، مشيرا إلى أنه "لم يتم استئناف هذا المسار لأنه لم تطرأ تغييرات في إطار الممارسات التركية".

وعزا ذلك إلى قلق مصر من عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا، في إشارة مباشرة لتركيا، في وقت ربط مراقبون الأمر بمذكرة التفاهم التي وقعتها أنقرة قبل شهر مع حكومة طرابلس، بشأن التنقيب عن النفط والغاز بمياه شرق المتوسط.

وكانت القاهرة قد أعلنت رفضها للمذكرة -التي تعد مكملة لاتفاق وقعه الجانبان عام 2019- باعتبار حكومة "الوحدة الوطنية" الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة منتهية ولايتها، وفي ضوء معارضة مصر واليونان للنشاط التركي بالمناطق البحرية المتنازع عليها شرق المتوسط.

تباطؤ وعدم جدية

خبير العلاقات الدولية والأمن القومي المصري، اللواء محمد عبد الواحد، يقول إن حديث الوزير لم يكن مقصودا به الإعلان عن وقف العلاقات، لكنه تعبير عن حالة الاندهاش والاستغراب بسبب التباطؤ وعدم الجدية من الجانب التركي، باعتبار أن آخر جولة من اللقاءات الاستكشافية كانت قبل عام.

وفي تصريحات للجزيرة نت، استبعد عبد الواحد أن يكون الملف الليبي وحده سببا في توقف المباحثات، مشددا على كونه أهمها وحله يعد جزءا في سبيل تحقيق علاقات طيبة مع تركيا، وباعتباره مسألة خلافية عالقة بين البلدين.

كما أشار الخبير الأمني المصري إلى حرص بلاده على المضي قدما نحو تطوير العلاقات مع تركيا، من منطلق ثقلها الإقليمي، متوقعا أنها لو تقدمت خطوة ستتقدم مصر خطوتين في سبيل تقارب مبني على المصالح المشتركة.

وحذَّر من أن "التباطؤ التركي" في مسار عودة العلاقات، يثير القلق، خاصة وأن أنقرة دائما ما تتحدث عن انتهاج إستراتيجية صفر مشاكل، مع عودة علاقاتها مرة أخرى بدول نطاقها الجغرافي، في إطار المصالح المشتركة، محملاً الجانب التركي مسؤولية هذا الجمود.

مطالب لم تتحقق

وفيما يتعلق بالخطوات التركية التي تنتظرها مصر، أوضح عبد الواحد أن بلاده لديها شواغل تتعلق بالشأن الداخلي، على غرار استضافة تركيا عناصر وقوى سياسية معارضة، وتوفر لها منصات إعلامية، ورغم إغلاق بعضها لا تزال تستضيف عناصر تحرض على النظام المصري، بحسب وصفه.

ودعا الخبير الأمني المصري إلى ضرورة اتخاذ تركيا خطوات إيجابية جادة، بتحديد موقفها بوضوح بشأن استضافة هذه العناصر، إضافة إلى إعلانها عدم التدخل في الشأن الليبي بالشكل الذي يمثل تهديدا للأمن القومي المصري، إضافة إلى الأمن القومي العربي في ملفات أخرى سواء في سوريا أو العراق أو الصومال.

وشدد على أن الممارسات التركية في ليبيا تثير انتباه الجانب المصري، فمن جهة استضافت أنقرة مؤخرا أطرافا من الشرق والغرب الليبي في محاولة لتقريب وجهات النظر، وهو أمر محمود للسير في المسار السياسي مرة أخرى.

لكنه اعتبر توقيع اتفاقيات على غرار بروتوكول التعاون الأخير، مع حكومة منتهية ولايتها، يثير قلق مصر، مشددا على أنه انتهاك صارخ للعلاقات، بالنظر إلى طبيعة الوجود العسكري التركي في ليبيا، ومرتزقة وعناصر إرهابية أتت من مناطق النفوذ التركي في سوريا، وفق تعبيره.

وفي سياق غير بعيد، بشأن الرفض المصري لتمثيل حكومة الدبيبة ليبيا في القمة العربية المنعقدة بالجزائر، أوضح عبد الواحد أن بلاده ستحضر القمة، وتأمل أن تنفذ عنوانها الأساسي وهو لم الشمل العربي، رغم وجود خلافات مصرية مع الدولة المستضيف فيما يخص الملف الليبي.

عقبات التطبيع

بدوره، يشير الباحث المصري في الشأن التركي، محمد الزواوي، إلى أن مصر طالبت تركيا بعدة مطالب نفذت بعضها، ويظل المطلب الأهم هو خروج القوات الأجنبية من ليبيا، تحديدا التركية.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح الزواوي -وهو محاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة "سكاريا" التركية- أنه رغم تقديم تركيا تنازلات تمثلت في إخراج قنوات المعارضة ومنع التحريض من أراضيها، فإن مصر لم تقدم شيئا في المقابل، سوى استمرار العلاقات الاقتصادية، وهو ما يمثل مصلحة مشتركة للطرفين.

وأضاف الزواوي أن صراع النماذج يظل أهم تحد لاستئناف العلاقة بين الجانبين "بالنظر إلى التهديد الذي يمثله النموذج التركي الديمقراطي بقيادة حزب محافظ بقيادات إسلامية، للنموذج المصري الذي يأمل على التعاون بالجوانب الأمنية دون غيرها".

وعلى الجانب الآخر، يعتقد الزواوي أن عقد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية يبقى مطلبا مهما لتركيا، لم تقم به مصر حتى الآن، إضافة إلى رغبة أنقرة في تطبيع العلاقات والتحول الجذري في السياسة الخارجية المصرية شرق المتوسط، لاسيما تجاه اليونان وقبرص، وهو ما يمثل عقبات كبرى على طريق التطبيع بين الجانبين.

وفي ضوء الرفض المصري لتمثيل حكومة الدبيبة ليبيا بقمة الجزائر، وكيف ستتفاعل معها القاهرة هذه المرة، يقول الزواوي إنها مسألة تخضع للتوازنات داخل الجامعة العربية وإدارة التحالفات الداخلية.

وبالنظر إلى الطابع الدبلوماسي للقمم العربية، فمن غير المتوقع -وفق الزواوي- أن تسفر قمة الجزائر عن قرارات وحلول كسابقاتها من القمم، وبناء عليه يمكن لمصر أن تقوم بحركة احتجاجية دعائية لرفض تمثيل الدبيبة لحكومة بلاده.

رؤية تركية

على الضفة الأخرى، يرى الكاتب والباحث التركي عبد الله أيدوغان أن تصريح الوزير المصري يأتي في سياق قراءة بلاده للمشهد الراهن، مشيرا إلى أنه مجرد تصريح دبلوماسي يوضح ما يجري حاليا في العلاقات بين البلدين.

وحول مستقبل المباحثات، أشار أيدوغان -في تصريحات للجزيرة نت- إلى اعتقادات في أوساط المحللين الأتراك، بأن الجانب المصري يتمهل ويترقب الانتخابات الرئاسية التركية المقررة صيف العام المقبل، والتي سترسم نتائجها مستقبل العلاقات بين البلدين.

لكنه استدرك بالقول: في كل الأحوال سواء فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة -وهو المتوقع حسب استطلاعات الرأي الأخيرة- أم لا، ستستمر المباحثات الثنائية، بحسب وصفه.

وأوضح أيدوغان أن سياسة الرئيس (أردوغان) الخارجية تقوم على فترات، فترة قد تستمر سنوات تشهد أزمة مع أي دولة، ثم أخرى تغير هذه السياسة بناء على الظروف والمشاهد الإقليمية والدولية.

وعن الملف الليبي، يراه المحلل التركي محورا مهما في علاقات البلدين، مستشهدا بتبعاته المباشرة من حدوث توترات وصلت حد التدخل العسكري عام 2019، ثم الاتفاقية التركية الليبية العام ذاته.

وقال أيدوغان إن الملف الليبي هو الأهم حاليا لمصر، وهو ما يمثل العائق الأبرز أمام البلدين، رغم ما قدمته تركيا من مبادرات جادة ومهمة لعودة العلاقات، على غرار وقف وإبعاد إعلاميين معارضين للنظام المصري من أراضيها.

وفي سياق حديثه عن شرعية الاتفاقيات التي تبرمها حكومة طرابلس مع الجهات الأجنبية، استشهد الباحث التركي بإعلان المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عن اتفاق مع شركة "إيني" الإيطالية لبدء الحفر وإنتاج الغاز من حقل بالبحر المتوسط، وهي اتفاقية تشبه الاتفاق التركي الليبي، وفق قوله.

وحول مستقبل العلاقات، قال أيدوغان إن الخارجية التركية لم تعلن مطالب معينة لعودة العلاقات مع مصر، بل تفاهمات في الملف الليبي، خاصة وأن وجهة النظر الرسمية التركية تجاه القاهرة تختلف عما كانت عليه بعد 2013، حيث لم يعد أردوغان يتطرق إلى السياسات الداخلية لمصر.

المصدر : الجزيرة