30 ألف مريض وثمن الجرعة 3 آلاف دولار.. ليبيون يبيعون ممتلكاتهم بحثا عن علاج للسرطان

تكلّف كل جرعة من العلاج الكيماوي لمرضى السرطان في ليبيا أكثر من 3000 دولار، وهو مبلغ يثقل كاهل المرضى من الطبقتين المتوسطة والفقيرة، لكن تأخر تناول الجرعة يفاقم المرض؛ لذلك لجأ كثيرون إلى بيع ممتلكاتهم لعلاج ذويهم.

في أحد أروقة مركز صبراته لعلاج الأورام
ليبيات مصابات بالسرطان ينتظرن توفر علاجهن في أحد أروقة مركز صبراتة لعلاج الأورام (الجزيرة)

صبراتة- في مركز مدينة صبراتة لعلاج الأورام، تنتظر الليبية "أم إلياس" توفر جرعات جديدة من العلاج الكيماوي بعد أن تلقت عددا منها في تونس وقبلها في الأردن، وتوقفت عن ذلك بعد عودتها للبلاد لعدم توفرها مجانا.

يقول أحد أبنائها إن والدته (65 عاما) -وهما من سكان طرابلس- "خضعت لأكثر من عملية لاستئصال أجزاء من الكبد والقولون والرحم، وتلقت 6 جرعات من العلاج الكيماوي في تونس، وقبلها في الأردن، ثم توقفت عن ذلك لعدم توفرها مجانا في مراكز الأورام في ليبيا، وما زالت تنتظر توفر جرعات إضافية، بسبب توسّع انتشار الورم إلى الكِلية".

وتكلّف كل جرعة من العلاج الكيماوي -حسب المرضى- أكثر من 3000 دولار، وهو مبلغ يثقل كاهل أي مواطن من الطبقتين المتوسطة والفقيرة، لكن تأخر تناول الجرعة يفاقم المرض؛ لذلك لجأ كثيرون إلى بيع ممتلكاتهم لعلاج ذويهم.

وفي المركز نفسه، تقول مريضة خمسينية تتلقى العلاج الكيماوي إن بعض العلاجات غير متوفرة بشكل دائم ومجاني، ويتوجب عليها البحث عنها في الخارج، وهو ما يثقل كاهل أسرتها ماليا.

ويقول أقارب سيدة قدمت من طرابلس أيضا، وهي أم لـ5 أبناء، إنها شُخصت بالإصابة بسرطان الثدي منذ 5 سنوات، وخضعت لعملية استئصال في تركيا، ثم تابعت العلاج هناك نحو عام، وتلقت فيها جرعات الكيماوي، قبل أن تعود إلى ليبيا وتخضع لعملية استئصال أخرى لجزء من الرئة.

وتحتاج هذه المريضة للسفر إلى تركيا لتلقي جرعة الكيماوي مرة كل شهر، ولم تتكفل الدولة بعلاجها إلا في مراحل متأخرة جدا، كما يقول أقاربها، كما أن الأدوية الخاصة بنوع السرطان الذي تعاني منه غير متوفرة في البلاد.

أحد الأطفال الذين يتلقون جرعات كيميائية في المركز القومي لعلاج الأورام في مصراته
أحد الأطفال الذين يتلقون جرعات من العلاج الكيماوي في المركز القومي لعلاج الأورام في مصراتة (الجزيرة)

ملف ثقيل

"الملف ثقيل وإدارته سيئة". هكذا وصف رئيس المجلس العلمي للبرنامج الوطني لمكافحة السرطان في ليبيا حسين كموكا واقع مرضى السرطان وعلاجهم في البلاد.

ويقول كموكا للجزيرة "بعد عام 2011، توجهت الجهات المسؤولة لإعادة تنظيم قطاع الصحة من حيث الإدارات والبنى التحتية، وكان ملف الأورام من بين القطاعات الأكثر تأثرا".

وتُقدر أعداد المصابين بالسرطان رسميا في ليبيا بما بين 25 و30 ألفا، منهم 6 إلى 8 آلاف طفل، رغم أن تقديرات الأطباء تفوق هذه الأرقام بكثير.

ويؤكد أكثر من مسؤول عدم وجود إحصائية دقيقة وشاملة للمرضى، لكن هناك عملا على استكمال ما يعرف بـ"السجل السرطاني" لليبيا خلال سنتين، مع ربطه ببيانات السجل المدني العام لمعرفة نسب الشفاء والوفيات، وحالات الأورام المسجلة سنويا.

ويقول كموكا إن مراكز علاج الأورام -وعددها 6 في مصراتة وصبراتة وبنغازي وسبها وطرابلس وسرت- كافية، رغم ضعف تغطية المصابين في منطقة أقصى الجنوب كما يقول بعض المرضى؛ فهي -حسب كموكا- كافية نظريا للتعامل مع المصابين بالمرض خلال العقدين القادمين، لكن احتياجاتها بحاجة لدعم واهتمام.

نقص العلاج والممرضين

تأسس المعهد القومي لعلاج الأورام في مصراتة عام 2004، وفيه حاليا 350 سريرا للتعامل مع المرضى في المنطقة الوسطى.

ويتفق مدير المعهد الدكتور محمد أحمد الفقيه مع شكاوى المرضى وذويهم، خاصة عدم استمرارية توفر الأدوية، إلى جانب النقص في الفريق التمريضي، في ظل صعوبة جذب الممرضين من الخارج بسبب أحوال البلاد، وفي ظل عزوف كثير من الممرضين عن دخول هذا المجال الطبي، وفق الفقيه.

ومن وجهة نظره، فإن ضعف العملية العلاجية يعود إلى تعثر صناعة القرار في جلب الأدوية أولا، مشيرا إلى ضرورة السرعة في مسار توفير العلاج بصورة دائمة والتنسيق الفعال والعاجل بين مراكز الأورام ووزارة الصحة وجهاز الإمداد الطبي ومصرف ليبيا المركزي.

ويضيف الفقيه أن التعامل العاجل في حلقة المعاملات المتعلقة بهذا الملف مفقود تقريبا؛ مما يؤثر على مسار العلاج وعلى حياة المريض، وذلك إذا لم يضطر الأهالي إلى شراء الدواء بأنفسهم.

ورغم الدور الذي تقوم به بعض الجمعيات الخيرية والمحسنين لتغطية نسبة من تكاليف العلاج، فإن ذلك لا يحل محل الدولة ولا يغطي كل الاحتياجات، كما يقول الفقيه.

ويضيف مدير معهد الأورام "ما زلنا نكافح لإسماع صوتنا لصناع القرار في الدولة الليبية من أجل استمرارية توفير الأدوية وتوسيع مراكز العلاج وتهيئتها وتعزيز فرقها لاستيعاب أكثر عدد من المرضى وهم في تزايد، ويأتون من كل مدن ليبيا".

ويقول الدكتور حسين كموكا إن "عدم دعم مراكز الأورام واضح للعيان، فوزارة الصحة دعمت المراكز من حيث البنى التحتية والمعدات لكن ليس في الجانب البشري".

ويضيف أن العدد الموجود حاليا من المستشارين والاختصاصيين في أمراض الأورام غير كافٍ، ولا يتناسب مع عدد المرضى الذين يتم تشخيصهم سنويا.

سيدات يتلقين جرعات العلاج الكيماوي بمركز علاج الأورام بصبراتة في ظل انقطاع هذه الجرعات وتكلفتها العالية (الجزيرة)

الحاجة لتعزيز القدرات

من ناحيته، يؤكد مدير إدارة الشؤون الطبية في مركز صبراتة الدكتور بوعجيل بوصالح ضرورة تطوير الأداء ليكون أكثر فاعلية، بمعالجة الضعف في توفير بعض العناصر، وتعزيز القدرة التشخيصية لبعض أنواع السرطان، مثل اللمفاوي وسرطان الدم وغيرهما.

والمركز الذي يضم أرشيفه أكثر من 35 ألف ملف طبي سابق وحالي، وآلاف العينات تحت الفحص، يأمل بوصالح تطويره ليصبح معهدا للدراسات العليا في علاج وجراحة الأورام، لكن مع الحاجة الماسة لتعزيز الفريق الطبي وزيادة عدده.

المصدر : الجزيرة