أبو بكر شيمي.. 40 قرارا إسرائيليا بإبعاده عن المسجد الأقصى خلال 12 عاما

المرابط أبو بكر شيمي بعد أدائه صلاة الفجر في رحاب المسجد الأقصى (الجزيرة)

القدس المحتلة- متسلحا بإيمانه العميق بأن الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك أمانة في عنق كل مسلم، يتوجه المسنّ أبو بكر شيمي نحو أولى القبلتين يوميا في تمام الساعة الثالثة فجرا، فتنتهي الرحلة إما بالنجاح في الدخول إلى مهوى قلبه، أو تعثر ذلك بسبب منعه من الشرطة المتمركزة على الأبواب، أو بسبب سريان مفعول قرار الإبعاد عن الأقصى بحقه.

لا يعود أدراجه بتاتا بل يصرّ على الصلاة في أقرب مكان من المسجد وحيدا تارة ومع مرابطين مبعدين تارة أخرى.

منذ عام 2010 ألف المقدسيون وجه هذا المسن، المنحدر من قرية المكر بقضاء عكّا في الداخل الفلسطيني، في أروقة المسجد الأقصى ومصلياته، وشهدوا على تصديه لاقتحامات المتطرفين في الساحات حتى عام 2015، عندما أُدرج اسمه على قائمة الأشخاص الممنوعين من دخول المسجد الأقصى.

ورغم الأذى الشديد الذي لحق وما زال يلحق به بسبب وقوفه في خط الدفاع الأول عن أولى القبلتين، فإن ابتسامته لا تخفت أبدا كلّما ردّ التحية على كل المارين بجواره وهو مبعد عن المسجد.

يرتدي ثوبا ناصع البياض، يشبه إلى حد كبير لون الشيب المشتعل في لحيته وما تبقى من شعر رأسه، ويحمل سجّادة الصلاة على كتفه متنقلا بين أبواب الأقصى المفتوحة جميعها محاولا الدخول، لكن محاولاته تفشل غالبا بخاصة في مواسم الاقتحامات الكبيرة التي تتزامن مع الأعياد اليهودية.

إعلان

صمود رغم التنكيل

وعن مسيرة الرباط المحفوفة بالقهر والمخاطر من جهة والفخر والثبات من جهة أخرى، تحدث أبو بكر شيمي -للجزيرة نت- مستهلّا حديثه بالقول إنه كرّس حياته منذ عقد ونيف للدفاع عن المسجد الأقصى، وإن أمنيته الوحيدة الآن أن يتوفاه الله خلال دفاعه عنه وأن يدفن بجواره.

وأضاف "كنتُ أسافر في رحلة شبه يومية من عكا إلى القدس وبالعكس، وقررت قبل سنوات الانتقال للعيش بالقدس، لأن هدفي مجاورة المسجد الأقصى وليس زيارته ساعات ثم المبيت بعيدا عنه".

يتساءل أبو بكر شيمي (64 عاما) عن السبب الذي يجعل أي شخص يتجاهل أهمية الرباط في المسجد الأقصى، في ظل الظروف الحالكة التي يمر بها، "في بلادنا لا يكفي أن نصوم ونصلي ونتصدق ونتوجه لأداء العمرة والحج، لأن ديننا سيكون ناقصا هكذا.. اصطفانا الله وخلقنا في هذه البلاد بالتحديد لنحمي الأقصى المحتل وندافع عنه".

مستوطنون يقتحمون المسجد بحماية شرطة الاحتلال ويظهر أبو بكر شيمي يجر عربة ويلاحق المستوطنين بالتكبيرات (الجزيرة)

كانت السنوات الخمس الأولى من رحلة رباطه صاخبة وذات أثر في المسجد الأقصى، رغم ملاحقته بالاعتقال والإبعاد باستمرار، وعن المشاهد التي حُفرت في ذاكرته من تلك الأعوام قال "كنتُ أدخل المسجد الأقصى كقائد وأخرج كذلك.. الشرطة لا تجرؤ على الحديث معنا أو إبعادنا عن المتطرفين الذين لم ينعموا بالهدوء من تكبيراتنا خلال اقتحامهم".

لم ينغص المرابطون صفو الجولات الاقتحامية بالتكبيرات فحسب، بل أكد شيمي إفشال محاولاتهم لشرب الماء من صنابير المسجد أو الاستظلال بأشجاره؛ "كنتُ أقول للمتطرف إن ظل هذه الزيتونة للمسلم وليس لك وكذلك الماء.. كنّا نسمعهم يطلبون من الشرطة الخروج فورا لشعورهم بالخطر بسبب وجودنا".

وتدريجيا تراجع دور المرابطين في ساحات المسجد بعد استهدافهم بشكل فردي بالاعتقال والإبعاد عن المسجد، ثم بشكل جماعي بعد حظر ما ادّعى الاحتلال أنه "تنظيم المرابطين" التابع للحركة الإسلامية بقيادة شيخ الأقصى رائد صلاح.

إعلان

سلسلة من قرارات الإبعاد

بحسرة تطرق المرابط شيمي إلى تلك المرحلة قائلا إن انقسام الحركة الإسلامية والتحاق شطر منها بالكنيست، واعتقال الشيخ رائد صلاح وحظر المؤسسات، ولاحقا انطلاق موجة التطبيع العربي مع إسرائيل، فضلا عن الإجراءات التنكيلية بالمرابطين؛ كلها أسباب أدت إلى تفريغ ساحات الأقصى للمستوطنين.

لم يستسلم الشيخ شيمي وقرر مواصلة رحلة رباطه فصّلى صيفا وشتاء على أبواب المسجد، وحتى عند تسلمه قرارات بالإبعاد عن البلدة القديمة كان يصرُّ على الصلاة أمام أبوابها. وعن هذا البعد القسري، قال "أشعر بالقهر العميق بخاصة في شهر رمضان الذي لا تخفت فيه الحركة في المسجد الأقصى ومحيطه.. أنظر يمينا ويسارا وأغبط كل من يتمكن من الدخول إليه".

بلغ مجموع قرارات إبعاده عن الأقصى منذ عام 2010 حتى الآن نحو 40 قرارا لفترات متفاوتة، ولا تنتهي العقوبات عند هذا الحد بل يشمل هذا المرابط الضرب المبرح والسحل على الأبواب، خاصة في مواسم الاقتحامات الكبيرة للمسجد. وكان آخر الاعتداءات عليه قبل أيام خلال احتفال المتطرفين برأس السنة العبرية، عبر تنفيذ اقتحام ضخم للمسجد.

توجه أبو بكر شيمي كعادته إلى المسجد فجرا، لكن الضابط لم يسمح له بالدخول، فقرر البقاء أمام باب السلسلة (أحد أبواب المسجد الأقصى) لكن القوات الخاصة وشرطة الاحتلال لم تسمح له ولمجموعة من المرابطات والمرابطين بالبقاء هناك مدة طويلة.

عناصر من جيش الاحتلال والقوات الخاصة تحاصر المرابط أبو بكر شيمي أمام باب السلسلة (الجزيرة)

وبين كرّ وفرّ، وجد المرابطون أنفسهم قرب باب الأسباط، وهناك سمع شيمي الضابط يأمر جنوده بسحب الهراوات استعدادا للهجوم على المرابطين، فكان له نصيب من الضرب بها، ثم دخل بين مجموعة من الجنود لتخليص صحفية مقدسية انهال عليها الجنود بالضرب بالهراوات، وبعد سحبها بقوة من بينهم دفع أحد الجنود المرابط المسن بقوة فارتطم رأسه بسلالم حادة الأطراف.

إعلان

كان الألم أعمق من قدرته على التحمل، ورغم ذلك قال أبو بكر بعد دقائق من نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج "روحي فداء للأقصى"، ولم يكن الأطباء حينئذ قد انتهوا من إغلاق جرح رأسه العميق بـ22 غرزة.

منذ ذلك اليوم استدعته المخابرات الإسرائيلية مرتين، وطلبت منه المثول للتحقيق، لكنه لم يتوجه حتى الآن، لأنه يعلم أن العقوبة التي تنتظره هي قرار جديد بالإبعاد عن الأقصى.

وبين نبرة حسرة على ما آل إليه حال أولى القبلتين وأخرى ملؤها الإصرار على إكمال طريق الرباط، ودّعنا هذا المرابط الذي لم يندمل جرحه الأخير، ورغم ذلك قال إنه عازم على الدخول إلى الأقصى أو الرباط على أبوابه إن منع من الدخول مطلع الأسبوع المقبل، مع تجدد الاقتحامات الجماعية التي ستستمر على مدار أسبوع احتفالا بعيد العُرش اليهودي.

المصدر : الجزيرة

إعلان