دامت قرابة عامين ونصف.. تعرّف على حصاد حكومة الكاظمي بالعراق؟

مصطفى الكاظمي (المكتب الاعلامي)
الكاظمي تولى رئاسة الحكومة في 7 مايو/أيار 2020 بعد مخاض سياسي عسير (الجزيرة)

بغداد- طوت حكومة مصطفى الكاظمي رحلتها الحكومية في 27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إثر منح البرلمان العراقي الثقة لمحمد شياع السوداني رئيسا للوزراء، بعد قرابة عامين ونصف قضاها الكاظمي رئيسا للوزراء، خلفا لرئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي الذي اضطر لتقديم استقالته أواخر عام 2019، إثر مظاهرات شعبية حاشدة شهدها العراق آنذاك.

تسلم الكاظمي منصبه رئيسا للوزراء في 7 مايو/أيار 2020 بعد مخاض سياسي عسير بعد استقالة عبد المهدي، إذ لم يفلح كل من السياسي عدنان الزرفي ومحمد توفيق علاوي في تشكيل الحكومة، وهو ما حدا بالكتل السياسية لقبول تسوية تمخضت عن اختيار الكاظمي رئيسا للوزراء بعد نيله ثقة البرلمان.

ومع انتهاء ولاية الكاظمي، تطرح العديد من الأسئلة عن أبرز الملفات التي نجحت فيها حكومته سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وتلك التي لم توفق فيها، ولا سيما أن وسائل التواصل الاجتماعي في العراق تشهد زخما لافتا حول حكومة الكاظمي بعد انتهاء ولايتها.

الباحث السياسي - غانم العابد
غانم العابد: الكاظمي نجح في مواضع وأخفق في أخرى (الجزيرة نت)

الملف السياسي

من جانبه، يرى الباحث السياسي غانم العابد أنه قبل الخوض في تقييم حكومة الكاظمي، لا بد من الإشارة إلى أنها جاءت في ظرف حساس في البلاد بعد استقالة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي إثر المظاهرات، وأن الكاظمي جاء للحكومة باعتباره مرشح تسوية، مؤكدا على أن نجاح أو إخفاق حكومة الكاظمي يحسب على الأطراف السياسية قبل أن يحسب عليه.

وبصورة عامة، يرى العابد -في حديثه للجزيرة نت- أن الكاظمي نجح في مواضع وأخفق في أخرى. فعلى الصعيد السياسي، نجح في الانفتاح على دول الجوار والعالم من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات، سواء مع الأردن أو السعودية أو مصر، واستطاع إقامة انتخابات مبكرة رغم كل الاعتراضات التي شابتها، ووصفت بأنها "الأكثر نزاهة" منذ عام 2005.

إعلان

ويذهب في هذا المنحى المحلل السياسي مناف الموسوي الذي أضاف أن الكاظمي نجح في بناء علاقات خارجية جيدة مع الدول العربية والإقليمية، ولا سيما أن العراق شهد استضافة العديد من المؤتمرات الدولية، معلقا: "لعب العراق في عهد الكاظمي دورا في إطفاء الحرائق بين الدول الإقليمية، مثل الوساطة بين السعودية وإيران"، لافتا إلى أن الكاظمي نجح في إدارة انتخابات تشريعية مبكرة وصفتها الأمم المتحدة بأنها نزيهة وشفافة، وهو ما يعد إنجازا لحكومته، وفق الموسوي.

ويتابع الموسوي -في حديثه للجزيرة نت- أن الوضع الداخلي في العراق كان أكثر تعقيدا، ولا سيما أن الكاظمي لم يكن يحظى بكتلة برلمانية داعمة له، وبالتالي لم يقدم الكثير على مستوى الأداء الداخلي باستثناء استفادة حكومته من ارتفاع أسعار النفط بما أدى لحدوث وفرة مالية.

صفوان قصي: حكومة الكاظمي نجحت في عقد العديد من الاتفاقيات الدولية
صفوان قصي: حكومة الكاظمي نجحت في عقد العديد من الاتفاقيات الدولية (الجزيرة نت)

الملف الاقتصادي

وتتعدد الآراء التي تتحدث عن الإنجازات والإخفاقات الاقتصادية التي شهدها العراق في ظل حكومة الكاظمي، ولا سيما أن الأشهر العشرة الأخيرة التي قضاها في الحكم كانت تفتقر لموازنة عامة للبلاد، بسبب عدم قدرة حكومته على تمرير مشروع الموازنة العامة للبرلمان بسبب محدودية صلاحياتها واقتصارها على تصريف الأعمال.

وفي هذا الصدد، وتعقيبا على ما أدلى به الكاظمي في كلمة متلفزة عن إنجازات حكومته الاقتصادية، وصف الخبير الاقتصادي محمد الحمداني حديث الكاظمي عن أن حكومته حققت نسبة نمو هي الأولى عربيا والثانية عالميا بـ"المبالغة المفرطة"، عازيا ذلك إلى أن العراق لم يكن ليحقق نسبة النمو تلك لولا ارتفاع أسعار النفط التي جاءت بعد تراجع قيود فيروس كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا التي أشعلت أسواق الطاقة.

ويعتقد الحمداني أن حكومة الكاظمي لم تختلف كثيرا عن سابقاتها فيما يتعلق بملفات الفساد، حيث يستدل على ذلك باستقالة وزير المالية علي علاوي محتجا على استشراء الفساد في مؤسسات الدولة، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن علاوي كان مهندس ورقة الإصلاح الاقتصادي المعروفة بـ"الورقة البيضاء".

ويشير مزيدا من الأدلة إلى عدم نجاح الكاظمي اقتصاديا، من خلال ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلاد وتخفيض قيمة الدينار العراقي الذي أنقذ الحكومة وأنهك العراقيين، لافتا إلى أن جميع هذه المؤشرات لا تعني إخفاقا شاملا، إذ يكتب لحكومته أنها عقدت الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية مع العديد من الدول، والتي لا يمكن رؤية فوائدها إلا على مدى متوسط وبعيد، بحسب الحمداني.

أما غانم العابد، فيرى من جانبه أن ملفات الفساد التي اتهمت بها حكومة الكاظمي تقع مسؤولية التحقيق فيها على حكومة السوداني.

على الجانب الآخر، أشار الخبير المالي والاقتصادي صفوان قصي إلى أن العراق في حكومة الكاظمي نجح إلى حد ما في عقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع دول الجوار والعالم، إلا أن النتائج قد لا تكون آنية وواضحة، وهو ما يتطلب استكمال الحكومة الجديدة هذا المسار لجعل العراق بيئة جاذبة للاستثمار.

إعلان

وأضاف قصي أن حكومة الكاظمي امتلكت برنامجا اقتصاديا أطلقت عليه "الورقة البيضاء"، نجحت في تطبيق الهدف الأول منه المتمثل في تغطية العجز المالي، إلا أنها أخفقت في حماية الفئات الأكثر فقرا مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

سرمد البياتي: العراق شهد نقلة نوعية في طبيعة العمليات ضد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في ظل حكومة الكاظمي
البياتي: العراق شهد نقلة نوعية في طبيعة العمليات ضد مقاتلي تنظيم الدولة في ظل حكومة الكاظمي (الجزيرة نت)

الملف الأمني

كثيرة هي المؤشرات التي تؤخذ على حكومة الكاظمي من الناحية الأمنية، وهو ما يشير إليه مناف الموسوي معلقا بأنه "فشل في حصر السلاح بيد الدولة وفي التعامل مع الجماعات المسلحة وفي تنفيذ القانون، كل هذه أدت مجتمعة لضياع هيبة الدولة، ولا سيما مع عدم رد الكاظمي على محاولة اغتياله".

ويتفق غانم العابد مع طرح الموسوي ليصف الإخفاقات بـ"الفشل الكبير"، قائلا إن عدم مواجهته للسلاح المنفلت داخل البلاد، وعدم رده على الإهانات التي تعرض لها من قبل مجاميع مسلحة بصورة لم تكن لائقة، فضلا عن عدم رده على قصف المنطقة الخضراء وتطويقها مرات عدة، وعدم رده على محاولة الاغتيال التي تعرّض لها عبر طائرات مسيرة، كل هذه مؤشرات سلبية على فترة حكمه.

أما على المستوى الأمني الخارجي، فيشير الخبير الأمني والإستراتيجي سرمد البياتي إلى جملة من النجاحات الأمنية، من بينها أن العراق شهد نقلة نوعية في طبيعة العمليات ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، ولا سيما أن المخابرات العراقية استطاعت -بالتعاون مع دول الجوار- إحضار الكثير من قادة التنظيم.

وأضاف البياتي -في حديثه للجزيرة نت- أن جهاز مكافحة الإرهاب كان نشطا جدا في الأشهر الأربعة الأخيرة من عمر حكومة الكاظمي، حيث لم تشهد المحافظات العراقية خروقات أمنية كبيرة، كما أن العمليات العسكرية ضد مقاتلي التنظيم كانت نوعية من خلال الضربات الجوية الدقيقة والعمل الاستخباري واعتماد القوات الأمنية خططا لم يكن معمولا بها من قبل.

ويختتم البياتي حديثه عن نجاح الحكومة في التعامل مع مخيم الهول السوري للاجئين الذي يضم آلاف العراقيين، موضحا أن الحكومة استطاعت إعادة الكثير من العراقيين غير المتورطين في جرائم "إرهابية" إلى العراق، وهو ما خفف من الضغط الدولي الذي كان يمارس على الدولة.

هذا وقد شهدت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من التغريدات الناقدة لحكومة الكاظمي، إذ غرّدت عضو مجلس النواب حنان الفتلاوي قائلة "رحلت غير مأسوف عليك.. سيذكرك التاريخ بصفحاته السوداء أن أكبر سرقات للمال العام والنهب حصلت في وقتك".

من جانبه، غرّد الإعلامي العراقي حسام الحاج قائلا "انحنيت يا صديقي أمام السلاح والمال السياسي، وكنت طوق نجاة لنظام المحاصصة، الخوف والتردد أضعف الدور السياسي لحكومتك، صمتت تشرين (في إشارة لنشطاء الاحتجاجات الشعبية) بعهدك على أمل لم يتحقق، للأسف كانت تجربة فاشلة..!".

على الجانب الآخر، غرّد الكاتب السياسي عصام حسين مبينا وجهة نظر مختلفة، بالقول "لحد هذه اللحظة، لا تزال حزمة الاتهامات الإطارية (في إشارة للإطار التنسيقي) للكاظمي حبيسة التصريحات والتغريدات، لذلك عليهم بعد أكثريتهم البرلمانية والحكومية المريحة أن يحولوا هذه الموسوعة من الاتهامات إلى ملفات برلمانية وقضائية، خصوصا أن الرجل (الكاظمي) رحل وسلمهم أعلى احتياطي مالي منذ عام 2003".

المصدر: الجزيرة

إعلان