الدانمارك.. بلد "منفتح" يخشى من المهاجرين ويعاني الإسلاموفوبيا ويكره ما هو غير غربي

مسيرة حاشدة لمسلمي الدنمارك في العاصمة كوبنهاغن احتجاجا على حرق وتدنيس يميني متطرف لنسخ من القرآن الكريم - 19 أبريل
من مسيرة حاشدة لمسلمي الدانمارك في العاصمة كوبنهاغن احتجاجا على حرق وتدنيس يميني متطرف لنسخ من القرآن الكريم (مواقع التواصل-أرشيف)

الدانمارك من الدول الإسكندنافية التي يحلم كثيرون بالسفر إليها إما للسياحة أو الهجرة، لما تتمتع به من جمال خلاب و"وجه حسن"، لكنّ خلف هذا الجمال والحسن قبحا مقيتا وظلاما قاتما كسا تلك البلاد جراء سلوكها غير المبرر تجاه المهاجرين وغير الغربيين وخوفها من المسلمين.

ففي الدانمارك، ذلك البلد المنفتح، تجد من الأحزاب السياسية -مثل حزب الشعب الدانماركي (DPP)- من يرفع شعار "توجد حضارة واحدة فقط؛ هي حضارتنا"، وفي هذا البلد المتحضر تمييز بين ما هو "غربي" وما هو "غير غربي"، وفيه أيضا من يتخوف من تهديد الهوية الذي يأتي مع المهاجرين، كما يعاني كثيرون من "الإسلاموفوبيا" التي يمثلها المسلمون.

الحكومة وتاريخ من العنصرية

في 2001 وصل إلى السلطة في الدانمارك تحالف ليبرالي محافظ، وكانت تلك المرة الأولى التي يحصل فيها اليمين على أغلبية سياسية منذ 100 عام. لكن هذا التغيير لم يكن ممكنا لولا دعم حزب الشعب الدانماركي، القومي المناهض للهجرة، مستفيدا من سياق هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي غذت الكراهية ضد المسلمين، وشكلت الخطاب السياسي لحزب الشعب الدانماركي الذي أدى إلى الانتخابات وما بعدها، مما زاد من تأجيج المشاعر المناهضة للهجرة التي تكتنفها مخاوف الإسلاموفوبيا.

هذا التحالف المعادي بشكل عام للهجرة والذي تغذيه الإسلاموفوبيا استمر في السلطة حتى هزيمته في انتخابات 2011. وعلى الرغم من أن حزب الشعب الدانماركي لم يكن جزءا من مجلس الوزراء، فقد تعاون بشكل وثيق مع الائتلاف الحاكم في معظم القضايا وتلقّى دعما للمواقف السياسية الرئيسة في المقابل، لدرجة أنه كان يشار إلى الحكومة عموما باسم "VKO-Government" حيث يمثل حرف O حزب الشعب الدانماركي. كما قدم هذا الحزب المتشدد دعمه أيضا لزعيمة الحزب الليبرالي لارس راسموسين التي تولت رئاسة الحكومة منذ 2016 حتى 2019 ومرة أخرى من دون المشاركة فيها.

وفي انتخابات 2019 العامة فاز الحزب الديمقراطي الاشتراكي، بقيادة مته فريدريكسن، بمقعد إضافي، بينما انهار دعم حزب الشعب الدانماركي والتحالف الليبرالي، مما كلف راسموسين أغلبيتها، وتم تعيين فريدريكسن على رأس حكومة أقلية يترأسها حزبها مدعوما من عدد من الأحزاب الأخرى.

لكن فريدريكسن هذه لم تكن أفضل حالا من سابقيها حيث كانت شعاراتها خلال الانتخابات مناهضة للهجرة، رغم أنها غيّرت موقفها بشأن الهجرة لفترة وجيزة بعد فوزها من خلال السماح لمزيد من العمالة الأجنبية، كما تراجعت عن خطط الحكومة السابقة باحتجاز المجرمين الأجانب في الخارج.

معاداة المهاجرين "السوريين" وسياسة "اللجوء صفر"

هذا التغيير الظاهري في مواقف الحكومة الدانماركية لم يدم كثيرا، ففي عام 2019 قررت خدمات الهجرة الدانماركية قرارا غريبا أثار كثيرا من الجدل؛ يقضي بأن "العنف في دمشق قد توقف ويمكن إعادة السوريين إلى بلدهم".

فبخلاف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، رأت الدانمارك أن سوريا آمنة لعودة اللاجئين منها، ولكن نظرا لأنه يمكن تجنيد الرجال في الجيش، وغالبا ما يكون لدى النساء الأكبر سنا أطفال مسجلون في المدارس الدانماركية، فإن السياسة الجديدة أثرت على شريحتي الشباب واللاجئين الأكبر سنا.

وكشف تقرير لصحيفة "الغارديان" (Guardian) أن الحكومة الدانماركية أخطرت في عام 2019 نحو 1200 لاجئ من مدينة دمشق بعدم تجديد تصاريح إقاماتهم، معتبرة المنطقة آمنة، الأمر الذي دفع منظمة العفو الدولية إلى الإعلان أن المواطنين السوريين الذين ألغيت تصاريح إقامتهم قد يواجهون التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي عند عودتهم إلى سوريا.

وقالت ليزا بلينكينبيرغ، من منظمة العفو الدولية في الدانمارك، إن سياسة الدانمارك تجاه طالبي اللجوء واللاجئين أصبحت أكثر عدائية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بخاصة مع إعلان رئيسة الوزراء فريدريكسن في 2019 أن الدانمارك تريد "صفر لجوء".

لكن يبدو أن سياسة "اللجوء صفر" في الدانمارك تنطبق فقط على اللاجئين السوريين أو أي لاجئ "غير غربي".

ففي مارس/آذار الماضي طلبت دائرة الهجرة الدانماركية من 98 بلدية تقييم قدرتها على استقبال لاجئين أوكرانيين، وكانت الدائرة نفسها قد بدأت بسحب الإقامة من لاجئين سوريين، في محاولة منها لإجبارهم على العودة إلى سوريا التي رأت أن بعض الأماكن فيها أصبحت آمنة، الأمر الذي تسبب في تشتيت عائلات سورية كثيرة بعد سنوات من الإقامة في الدانمارك.

وفي السنوات القليلة الماضية، كانت الدانمارك في طليعة الدول الأوروبية في سنّ قوانين سياسات "خبيثة" تمنع الأفراد من طلب اللجوء، وأعلنت أن سياستها لا تسمح باللجوء إطلاقا، وعلى رأس هذه السياسات ما يُعرف بـ"قانون المجوهرات" الذي يسمح للحكومة بمصادرة ممتلكات طالبي اللجوء، بما فيها مجوهراتهم، لتمويل إقامتهم، وأوضحت الحكومة الدانماركية أن اللاجئين الأوكرانيين سيُعفون من هذا القانون.

وفي هذا العام، دعت "المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب" الدانمارك إلى التصدي العاجل للتمييز ضد المسلمين، والعنصرية ضد الأقليات، ووقف عمليات الإجلاء القسري لعائلات المهاجرين.

وأثارت المفوضية مخاوف بشأن العديد من أوجه القصور في الدانمارك، ومنها خطاب الكراهية من قبل الأحزاب السياسية الدانماركية التي تُنمِّط المسلمين بشكل كبير، بمن في ذلك العمال الأجانب القانونيون والمهاجرون، باعتبارهم "تهديدا للقيم والثقافة الدانماركية".

تصدير اللجوء وتشتيت الأسر

هذه السياسة التمييزية ضد المهاجرين "غير الغربيين" لم تتوقف عن هذا الحد، بل تعداها الأمر إلى محاولات الدولة ترحيل المهاجرين إلى دول أخرى للتخلص من أعبائهم.

ففي يونيو/حزيران 2021 أصدر البرلمان قانونا يمكّن الدانمارك من نقل إجراءات الأشخاص الذين يطلبون اللجوء وتصاريح إقامة اللاجئين إلى دول غير أوروبية لفحص قضاياهم، ضمن أحدث التشريعات الصارمة التي اتخذتها كوبنهاغن ضد الهجرة.

وكشفت منظمة العفو الدولية أن الحكومة الدانماركية أجرت في الفترة بين عامي 2020 و2021 اتصالات مع السلطات في مصر والمغرب ورواندا وتونس، كما دخلت في مفاوضات مع كوسوفو بشأن الاستعانة بزنزانات سجن لـ300 شخص أدينوا بارتكاب جرائم وينتظرون طردهم من الدانمارك؛ تنفيذا لجزء من عقوبتهم.

وحذرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تصدير عملية اللجوء، وأشارت جيليان تريغز، مساعدة المفوض السامي لشؤون الحماية، إلى أن هذه الممارسات تهدد حقوق الذين يسعون للأمان والحماية، وتؤدي إلى تشويه سمعتهم ومعاقبتهم، ويمكن أن تضع حياتهم في خطر.

كما سعت الدانمارك إلى تعقيد لمّ شمل الأسر اللاجئة، حيث وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في يوليو/تموز الماضي أن الدانمارك انتهكت التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان من خلال فرض قانون يطيل الفترة الزمنية التي يجب أن ينتظرها اللاجئ الواصل حديثا قبل التقدم بطلب لم شمل الأسرة إلى 3 سنوات، وقالت إن من شأن ذلك أن يؤثر على نحو 4 آلاف لاجئ سوري، معتبرة أن هذا ينتهك الحق في الحياة الأسرية.

الغيتو الدانماركي.. حالة متفردة من العنصرية

هذه السياسات التمييزية في الدانمارك انتقلت إلى مرحلة أعلى من خلال ما يعرف محليا باسم "قائمة الغيتو" وهي قائمة تعلنها الحكومة في ديسمبر/كانون الأول من كل عام، تضم مناطق خاصة بتجمعات معينة من السكان ممن ترى أنهم يعيشون في عزلة عن محيطهم. وضمّت قائمة الغيتو الدانماركية 29 منطقة في عام 2019.

وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية بشأن الدانمارك صدر العام الماضي، اتهمت المنظمة الدانمارك باتباع سياسية تمييزية غير مسبوقة تهدف إلى الحد من عدد السكان ذوي "الخلفيات غير الغربية"، بخاصة في الأحياء التي تدرجها الدانمارك ضمن قائمة "الغيتو".

فالحكومة الدانماركية تفترض أن إزالة السكان من العرقيات غير البيضاء من تلك التجمعات سيحل مشاكلها، وهو ما صرّح به وزير الداخلية والإسكان الدانماركي عام 2021 عندما كشف عن خطط لتقليل عدد الأفراد من "الخلفيات غير الغربية" في مناطق "الغيتو" إلى أقل من 30% بحلول عام 2030.

واستنكرت المفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب "غيتو" الحكومة لفصل المهاجرين إلى "غربيين" و"غير غربيين"، وقالت "إن حزمة السياسات التي أقرّتها الحكومة الدانماركية للتعامل مع تجمعات الغيتو وصفة خالصة للتمييز والتحريض والإجراءات العقابية غير الضرورية تجاه مناطق الغيتو في الدانمارك، وهي مناطق سكانية فقيرة وهشة أغلب سكانها من الأعراق غير الغربية، وتواجه تهميشا وإقصاء من الحكومة وصنّاع القرار".

وخلص تقرير المفوضية إلى أن "القائمة أسهمت في تأجيج كراهية الأجانب والتحيز العنصري والتعصب ضد الأقليات الضعيفة من خلال معاييرها المعيبة والتمييزية التي تستهدف الأفراد من الأعراق غير الأوروبية".

وأشارت كذلك إلى أن سياسات الحكومة الدانماركية العقابية متطرفة وتؤدي إلى نتائج عكسية، بينما يكرس تسميتها مناطق الأقليات بالغيتو الوصم والإقصاء في المجتمع الدانماركي. وحسب التقرير، فإن هذا التصنيف ينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وقانون الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحقوق في عدم التمييز والمساواة والسكن اللائق، وكذلك الحق في المساواة أمام القانون والمعاملة المتساوية أمام المحاكم.

وكانت المفوضية أكدت من قبل أنه "لا يمكن لمجتمع أن يدافع عن حقوق الإنسان ما لم يدافع عن حقوق كل إنسان بمن في ذلك اللاجئون والمهاجرون وعديمو الجنسية والأقليات وغيرهم"، والدانمارك الآن أبعد ما تكون عن وصفها بأنها تدافع عن حقوق الإنسان.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية