السجن الذي يُعرف بالجامعة.. ما الذي جرى في "إيفين" بطهران؟
طهران- تفاوتت الروايات بشأن ما جرى في سجن "إيفين" غربي العاصمة الإيرانية طهران؛ بين من يتحدث عن سماع صوت انفجارات وإطلاق نار، وخبر آخر -نشرته وكالة شبه رسمية ثم قامت بحذفه- تحدث عن انفجار ألغام مزروعة بمحيط السجن في أثناء محاولة فرار عدد من السجناء.
لكن في الوقت ذاته، يؤكد المحلل السياسي الإيراني أحمد زيد آبادي، الذي قضى فترة من عمره في سجن "إيفين"، أن الأراضي الملغّمة معروفة للسجناء هناك، مستبعدا أن يكون السجناء يجهلون أمرها.
وفي حين تحدثت وسائل إعلام دولية عن مقتل عدد من السجناء وإصابة آخرين، صرحت السلطات الإيرانية بأن ما جرى حادث ناتج عن حريق في مركز الخياطة داخل السجن أحدثه "الأشرار والمشاغبون".
وتعقيبا على هذا التصريح، يقول زيد آبادي -للجزيرة نت- إن السجن يخلو من مجرمي "القتل والسرقة وأعمال الشر" منذ سنوات، ويضم المعتقلين "السياسيين والأمنيين والماليين" فقط، رافضا الرواية الرسمية التي تقول إن "الأشرار والمشاغبين" تسببوا في الحريق.
من ناحيته، وصف رئيس السلطة القضائية في إيران، غلام حسين محسني أجئي، أحداث "إيفين" بأنها "جريمة عدو". وأعلن النائب العام محمد جعفر منتظري أن التحقيقات التي قامت بها النيابة العامة أثبتت أن ما جرى في السجن كان مبرمجا وتم التخطيط له منذ فترة.
أكثر السجون حصانة في العالم
وفي هذا الإطار، استذكر ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي حادثة اختراق كاميرات سجن "إيفين" أغسطس/آب 2021 على يد مجموعة مجهولة تسمي نفسها "عدالة علي"، إذ ظهر في الصور والفيديوهات -التي نشرتها المجموعة- تعامل عنيف مع السجناء من قبل مسؤولي السجن.
وأثير تساؤل حول مدى نفوذ "العدو" في "إيفين" الذي يعد من أكثر سجون العالم تحصينا، حيث لم يتمكن أحد من الهروب منه على مدار تاريخه الذي بلغ نصف القرن.
وبدوره، يقول رئيس تحرير صحيفة "جوان" (المقربة من الحرس الثوري)، محمد جواد أخوان، إن "الأعداء يحرضون المعتقلين على أعمال الشغب لزعزعة الاستقرار في البلاد"، موضحا للجزيرة نت، أن أحداث إيفين الأخيرة جرت "بعد أن يئس العدو من زعزعة الأمن بأعمال الشغب في الشارع"، وفق تعبيره.
روايات متباينة
ولم تنتهِ الروايات هنا، إذ صرّح عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان، النائب جواد كريمي قدوسي، بأن هناك من حاول قتل مهدي هاشمي نجل السياسي الإيراني البارز أكبر هاشمي رفسنجاني في السجن، ولكن المستهدف كان قد نُقل من زنزانته قبل الحادث بيومين، بناء على طلبه.
وامتد هذا التباين في الروايات الرسمية وغير الرسمية ليطول عدد القتلى والجرحى أيضا. وفي هذا الشأن، يرى الباحث السياسي عباس عبدي، الذي قضى فترة من عمره في إيفين أيضا، أن النظام الإعلامي في إيران "غير متمركز ولا يتبع قاعدة ثابتة" ووصفه بـ"المغشوش".
ويضيف عبدي -في حديثه للجزيرة نت- أن الإعلام غير الرسمي لا يستطيع الحضور في أماكن مثل هذا السجن، وهذا يزيد من الأخبار غير المؤكدة التي ترفع من وتيرة القلق بين الناس.
ومن جانبه، حذر زيد آبادي من تبعات تعدد الروايات، وأوضح أنها تؤثر مباشرة على ثقة المجتمع بالسلطات، معتبرا أنها ألهبت الشارع مرة أخرى.
المعتقلون السياسيون
كلما سُمع صوت في "إيفين" تردد صداه في الشارع الإيراني، والعكس أيضا صحيح. وذلك بسبب ضم السجن عددا كبيرا من المعتقلين السياسيين والأمنيين؛ وهذا ما يضفي طابعا سياسيا وأمنيا لكل ما يحدث فيه، حيث ارتبط اسمه بأحداث هزّت إيران في مراحل مختلفة.
وممّا زاد من أهمية الحادث تزامنه مع احتجاجات الشارع الإيراني، التي دفعت بعدد كبير من المحتجين والصحفيين وأصحاب الرأي المنتقد إلى الاعتقال في سجن إيفين.
ومن الشعارات التي تُسمع في طهران منذ اندلاع الاحتجاجات التي دخلت شهرها الثاني "إيران أصبحت سجنا، و(سجن) إيفين أصبح جامعة".
وهذا وصف يعرفه الإيرانيون جيدا، إذ أطلق منتقدو السياسات "القمعية" -وفق تعبيرهم- في إيران اسم "جامعة إيفين" على هذا السجن بسبب احتجاز أعداد كبيرة من المثقفين والمفكرين بارزين فيه.
ومن أبرز من قضوا فترات من عمرهم بين زنازينه ابنة السياسي الإيراني البارز أكبر هاشمي رفسنجاني، فائزة هاشمي رفسنجاني، ومسعود رجوي زعيم حركة "مجاهدي خلق"، فضلا عن عدد كبير ممّن ينتمون للتيار الإصلاحي، لا سيما بعد الاحتجاجات التي عُرفت بـ"الحركة الخضراء" عام 2009، اعتراضا على نتائج الانتخابات وفوز الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد.
الأجانب مزدوجو الجنسية
ولسجن إيفين دور في العلاقات الإيرانية الخارجية بشكل أو بآخر، وذلك لكونه يضم معتقلين أجانب ومزدوجي الجنسية.
وعلى خلفية الأحداث الأخيرة، أجرى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ليبحث معه وضع السجناء الأوروبيين في "إيفين"، محمّلا السلطات الإيرانية المسؤولية عن حياة المحتجزين الأوروبيين فيه.
ومن جانب آخر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عام 2018 عقوبات على السجن بسبب قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، ولحقها الاتحاد الأوروبي عام 2021 بفرض عقوبات مماثلة عليه.
الهيكل والأركان
يقع سجن "إيفين" في منطقة "سعادت آباد" غربي طهران، ومساحته 40 هكتارا. وأخذ بناؤه عقدا من الزمن، إذ بدأ العمل فيه عام 1961 وافتتح عام 1971. وتقدّر السعة الاستيعابية للسجن بين ألفين إلى 3 آلاف سجين.
ورغم شهرته بضم السجناء السياسيين والأمنيين، فإنه لا توجد أرقام رسمية عن عدد المحتجزين بداخله. ويحتوي السجن على أقسام متعددة حسب التهم الموجهة للمعتقلين، كما أن به قسم الاحتياط للأشخاص غير المحكومين، ويضم كذلك قسما خاصا برجال الدين، وآخر خاصا بالنساء، وهو مقسم أيضا حسب تهم السجينات.
ويحتوي السجن على قسم خاص بسجناء الجرائم المالية والاقتصادية، وأيضا قسم للسجناء السياسيين والجرائم الأمنية، وتكمن أهمية "إيفين" في هذا القسم.
ويضم أيضا أقساما أخرى ترتبط بالأبحاث والتحقيقات، حيث قسم للسلطة القضائية وقسم لوزارة الاستخبارات وآخر لاستخبارات الحرس الثوري.