الشمال السوري على صفيح ساخن.. تبدل كبير في مشهد السيطرة العسكرية

شمال سوريا- ينتظر الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة السورية مصير غامض بعد تطورات متلاحقة غير مسبوقة طرأت على مشهد السيطرة العسكرية، عنوانها العريض الاقتتال الفصائلي بين قوى الجيش الوطني السوري، الذي أُنشأ بديلا من جيش النظام وليكون ممثلا عسكريا للثورة السورية وحاميا لها.
وتمثل التطور الأبرز مؤخرا بدخول "هيئة تحرير الشام" -الفصيل المصنف على لوائح الإرهاب- على خط المواجهات لمناصرة طرف ضد آخر، تحديدا في ريف حلب الشمالي، حيث باتت مدينة عفرين الإستراتيجية تحت سيطرة "تحرير الشام" بعد انسحاب "الفيلق الثالث" أحد مكونات الجيش الوطني السوري منها.
ورغم إعلان الحكومة السورية المؤقتة أنها مستمرة في إدارة الشؤون المحلية في مدينة عفرين، وأن المدينة تغيب عنها المظاهر العسكرية، إلا أن مصادر خاصة أكدت للجزيرة نت أن "تحرير الشام" باتت تحكم قبضتها على المدينة وتعمل في الأثناء على إدخال أجهزتها الأمنية والمحلية لتعمل بدلا من مؤسسات المعارضة.

مفاوضات واشتباكات
واستمرت الاشتباكات لليوم الرابع على التوالي، وقد بدأت شرارتها إثر إعلان الجيش الوطني السوري ممثلا بالفيلق الثالث تفكيك أحد مكوناته (فرقة الحمزة) التي ثبت تورط عناصر لها باغتيال ناشط إعلامي في ريف حلب، قبل أن تناصر الفرقةَ "هيئةُ تحرير الشام" المسيطرة على إدلب وأجزاء من ريف حلب وترسل قواتها لقتال "الفيلق الثالث".
ووسط تضارب الأنباء حول اتفاق ينهي الاقتتال، فإن "الفيلق الثالث" يتحصن في منطقة كفر جنة قرب مدينة عفرين، وقد عزز قواته في مواجه "تحرير الشام" والقوى المتحالفة معها، واستقدم تعزيزات عسكرية جديدة لصد الهجمات القادمة.
وقالت مصادر محلية للجزيرة نت، إن مفاوضات عدة أخفقت في إنهاء النزاع، بسبب رفض "الفيلق الثالث" مطالب لـ"تحرير الشام" تتعلق بأن تكون لها صلاحيات كاملة لإدارة المنطقة أمنيا واقتصاديا، مع بقاء قوى الفصائل في خطوط الجبهات.
#هيئة_تحرير_الشام داخل #عفرين الآن pic.twitter.com/WCnb7NGc1h
— Kareem Tebi (@kareemtebii) October 13, 2022
النفوذ والمكاسب
وما يثير التساؤل هو بروز "تحرير الشام" في المشهد وإقحام قواتها في الصراع الداخلي بين مكونات الجيش الوطني، حيث رأى مراقبون أن تدخلها يعود لتحقيق مكاسب على الأرض تتعلق بالتوسع شرقا نحو ريف حلب.
ورأى الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان، أن الصراع على النفوذ والمكاسب الاقتصادية هو السبب الرئيسي للنزاعات الفصائلية التي تحدث في الشمال السوري، وانتقال الفصائل بالاندماجات والتوسع إلى مشاريع فصائلية يزيد من النزاعات وحدتها.
وقال علوان في -حديث للجزيرة نت- إن "هيئة تحرير الشام" تحاول منذ سنوات مد نفوذها الأمني والاقتصادي إلى مناطق شمال حلب عبر الشراكات، وكان آخرها الشراكة مع أعداء الفيلق الثالث مثل فرقة الحمزة.
واعتبر علوان، أن النزاع الأخير -الذي كانت مختلف الأطراف تتجهز له- بادرت تحرير الشام فيه للدفاع عن حلفائها من منطلق الدفاع عن مصالحها، "وهي فرصة لتوسيع وتثبيت هذه المصالح من خلال إعلان الشراكة، والدخول المباشر والسيطرة على منطقة واسعة جغرافيا".
وأعرب الباحث السوري عن اعتقاده أن السيناريو الأرجح هو أن تنسحب "هيئة تحرير الشام" من عفرين مع بداية التدخل التركي لحل النزاع، "على أن تضمن الهيئة أن شركاءها في المنطقة التي قد تضطر للانسحاب منها أصبحوا شركاء معلنين وستترك الهيئة بينهم جزء من مجموعاتها سواء الأمنية أو العسكرية".

تفكيك الفصائل
ولا تبدو المكاسب للصراع تنطوي وتقتصر على الجانب الاقتصادي والمادي، إضافة إلى التوسع على الأرض، إذ يبدو أن ملامح الاقتتال تأخذ شكل إنهاء الوجود العسكري لأطراف على حساب أخرى ومحاولة تصدر المشهد.
وتحولُ الصراع إلى سيطرة على المدن يعود لأمرين، وفق النقيب المنشق عن قوات النظام رشيد حوراني، الأول يستند لمبادئ علم الجيوبوليتيك "بأن الطرف الضعيف يدفع الطرف القوي لضمه تحت سيطرته".
وأكد حوراني -في حديث للجزيرة نت- أن مناطق سيطرة المعارضة السورية ضعيفة من كافة النواحي أمنيا واقتصاديا وعسكريا، فقدمت "هيئة تحرير الشام" نفسها مستفيدة من تفتت فصائل الجيش الوطني السوري.
والأمر الثاني، وفق حوراني، هو سعي تحرير الشام لتفكيك كافة الفصائل وتقديم نفسها بديلا مقبولا، خاصة أنها أصدرت بيانا عقب سيطرتها على عفرين طمأنت السكان عربا وكردا.

قتلى ونازحون
ولم يسلم المدنيون من الاقتتال الذي يدور في محيط مدن ومخيمات يسكنها آلاف من النازحين السوريين، إذ أدت الاشتباكات إلى سقوط قتلى وجرحى بينهم أطفال ونساء بنيران الفصائل العسكرية، فضلا عن نزوح العديد من سكان عفرين ومخيمات قريبة من خطوط النار.
وقال مدير فريق منسقو استجابة سوريا، محمد حلاج، إن المواجهات المسلحة دفعت أكثر من 950 عائلة للنزوح من المخيمات المنتشرة في المنطقة، كما تم تسجيل نزوح أكثر من 2500 عائلة، كنزوح مؤقت من المخيمات.
وأضاف حلاج -للجزيرة نت- أن الفريق وثق مقتل 4 مدنيين وإصابة 28 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة الاشتباكات والقصف المتبادل.
ولفت حلاج إلى استهداف أكثر من 7 مخيمات نتيجة الاشتباكات في ريف عفرين والباب شمالي حلب، إضافة إلى 4 منشآت خدمية أخرى.