انضمت إليها فئات هشة وأخرى تتأهب.. لهذه الأسباب توسعت الاحتجاجات في تونس

جانب من احتجاج عمال الحضائر أمام المسرح البلدي في العاصمة تونس (الجزيرة)

تونس- يعمل الخمسيني رشيد الحفاوي منذ 12 عاما في وزارة الصحة التونسية بعقد هشّ وراتب شهري يبلغ 420 دينارا (120 دولارا). وكغيره من "عمال الحضائر"، يقول إن الحكومة تجاهلت تسوية أوضاعهم رغم أن قانونا نص على توظيفهم على دفعات.

ويؤكد الرجل دعمه للتدابير التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد العام الماضي، لكنه يرى أن وعوده بقيت حبرا على ورق لا سيما فيما يتعلق بملف تسوية "عمال الحضائر" البالغين أكثر من 45 سنة، والذين يُقدر عددهم بنحو 15 ألفا يعملون في وزارات وإدارات ومحاكم بعقود هشة.

وانضم عشرات من "عمال الحضائر" (60% منهم يعملون في الحراسة والتنظيف وبينهم مهنيون وحملة شهادات) إلى الاحتجاجات في قلب العاصمة تونس الخميس.

ويعبّر هؤلاء وفئات أخرى عن مخاوفهم من تنصّل الحكومة من اتفاقات سابقة تتعلق بتسوية أوضاعهم إذ يعملون منذ سنوات طويلة في وزارات وإدارات حكومية بعقود هشة تؤرقهم.

جانب من احتجاج الصحفيين أمام قصر الحكومة في العاصمة تونس (الجزيرة)

توسّع الاحتجاجات

ويسود مناخ قاتم في تونس نتيجة ارتفاع التضخم وفقدان المواد الأساسية وانقطاع الوقود، بينما بدأت رقعة الاحتجاجات تتسع يوما بعد آخر لتشمل قطاعات متنوعة كالمعلمين الذين يقاطع جزء مهم منهم التدريس والصحفيين وعمال الحضائر والنساء العاملات في الفلاحة وغيرهم.

وشرع المدرّسون الذي يعملون منذ سنوات بعقود وبرواتب متدنية في الاحتجاج منذ انطلاق الموسم الدراسي، بسبب رفض وزارة التربية الاستجابة لمطالبهم بتسوية أوضاعهم، وقرروا تصعيد تحركاتهم ومقاطعة التدريس ليتسبب ذلك في حرمان نحو 400 ألف تلميذ من التعليم الابتدائي.

ويعدّ هذا الرقم مفزعا كما يرى النقابي بالتعليم الأساسي توفيق الشابي الذي يُلقي، في حديثه للجزيرة نت، باللوم على وزارة التربية لأنها "تنكرت" لمطالب المدرسين بعد أن عملوا بعقود هشة طوال سنوات بمقابل لا يتجاوز 750 دينارا بالشهر (200 دولار).

إعلان

 

 

تأبيد الهشاشة

وتشهد وزارة التربية من حين لآخر اعتصامات من قبل المدرسين المسنودين من نقابة التعليم الأساسي المنضوية تحت اتحاد الشغل، أكبر منظمة عمالية في تونس. وتطالب النقابة بتسوية أوضاع نحو 6500 معلم يعملون بعقود هشة ويشملهم اتفاق سابق مع الوزارة.

ويقول الشابي إن المدرسين نفد صبرهم من العمل في أوضاع مهينة، محملا الحكومة مسؤولية "تأبيد وضعهم الهش لأن همّها الوحيد إرضاء صندوق النقد للحصول على قرض".

وهذا الإضراب أثر على السير العادي للتدريس، ودفع العديد من الأهالي إلى إغلاق بعض المدارس والاحتجاج على ما يحدث، منددين بعدم تدخل الحكومة لفض الإشكال. في المقابل، لم تنجح أي جلسة مفاوضات بين النقابة ووزارة التربية بالتوصل إلى حلول.

مطالب بتحسين أجور وأوضاع الصحفيين في تونس وخاصة العاملين في مؤسسات حكومية وأخرى تمت مصادرتها (الجزيرة)

الصحافة في غضب

وليست أوضاع الصحفيين بأحسن حالا؛، فقد حرّكت نقابتهم أمس الخميس للاحتجاج أمام قصر الحكومة في العاصمة جراء تدهور الأوضاع المهنية والاجتماعية في المؤسسات الإعلامية المصادرة، واستمرار تشغيل عشرات الصحفيين بعقود هشّة في مؤسسات إعلام حكومية.

وطالما عبرت نقابة الصحفيين عن مخاوفها من ضرب حرية التعبير وتضييق الخناق على الصحافة عقب إعلان الرئيس قيس سعيّد تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، ولكن تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مثّل أيضا ضربة قاصمة لقطاع الصحافة في تونس.

تقول الصحفية في إذاعة شمس الخاصة خولة السليتي -للجزيرة نت- إن هناك نية لدى السلطة لتركيع الإعلام وتجويعه وتشريد الصحفيين، مشيرة إلى الأوضاع الصعبة التي يعيشها الصحفيون داخل المؤسسات الإعلامية المصادرة من قبل الدولة، والتي تسعى الحكومة لتصفيتها قضائيا.

تراكم الاحتقان

وتتصاعد رقعة الاحتجاج في الفترة القريبة من الانتخابات التشريعية المقررة بعد شهرين ككرة ثلج، إذ أدت الأوضاع الصعبة إلى بروز احتجاجات جديدة "بدأت تخرج من منطق السلبية"، وفق الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر.

إعلان

ويقول بن عمر -للجزيرة نت- إن تركيز الرئيس قيس سعيّد ضمن أولوياته على الاستحقاقات السياسية وتهميش الجانب الاقتصادي والاجتماعي يشجع على تراكم الغضب الشعبي وتغذية الاحتقان الاجتماعي، ويدفع فئات اجتماعية جديدة إلى تحدي حالة السلبية والاحتجاج في الشارع.

ويرى أن الحكومة الحالية غير قادرة على حلحلة الأوضاع المعيشية المتأزمة بالنظر إلى ما قدمته من تعهدات لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، ويخشى من انفجار اجتماعي إذا توجهت الحكومة لرفع الدعم تدريجيا عن المواد الأساسية.

 

 

احتجاجات قادمة

من جهة أخرى، ما زالت مدينة جرجيس الجنوبية تعيش على وقع مأساة بعد حادثة غرق قارب يضم عددا من المهاجرين غير النظاميين؛ حيث احتج الأهالي بسبب "التقاعس" في البحث عن جثث المفقودين ودفن عدد منهم في مقبرة الغرباء من دون التعرف على هوياتهم وإعلام عائلاتهم.

وشهدت العاصمة تونس الأسبوع الماضي احتجاجا نفذته النساء العاملات في الفلاحة بسبب عدم اكتراث الحكومة لأوضاعهن، وتردّي أجورهن، وعدم انتفاعهن بالتغطية الاجتماعية رغم عملهن في ظروف قاسية ونقلهن في خلفيات عربات نقل في ظروف مهينة وخطيرة.

ومن المنتظر أن تشهد العاصمة تونس السبت المقبل 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتزامنا مع عيد الجلاء الوطني، احتجاجات تنفذها جبهة الخلاص المعارضة التي تشكل حركة النهضة أبرز مكوناتها، إضافة إلى "الحزب الحر الدستوري" سليل الحزب الدستوري السابق.

وتأتي هذه الاحتجاجات رفضا لما يعدّه المعارضون الداعون إليها محاولة للتفرد بالحكم من قبل الرئيس قيس سعيّد عقب إعلانه قبل عام عن تدابير استثنائية، مستنكرين ما وصفوه بالانهيار غير المسبوق للاقتصاد الوطني والتراجع الكبير للمقدرة الشرائية وفقدان المواد الأساسية.

المصدر : الجزيرة

إعلان