مقامرة سياسية خطيرة.. لماذا تريد ليز تراس نقل سفارة بريطانيا إلى القدس؟
لندن- أحدثت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس ضجة وجدلا واسعين بإعلان نيتها نقل سفارة بلدها من تل أبيب إلى القدس، في خطوة تخرج عن الأعراف الدبلوماسية للمملكة المتحدة، والتي ظلت لسنوات تطالب باحترام القانون الدولي فيما يتعلق بوضعية مدينة القدس.
تراس التي أعلنت أمام تجمع لأصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين أنها "صهيونية وصديقة قوية لإسرائيل"، تعلم خطورة هذا الموقف، بل إنها سبق أن ردت على رسالة من التجمع نفسه خلال حملتها الانتخابية للوصول إلى زعامة حزب المحافظين، حول إمكانية نقل السفارة إلى القدس بالقول "إنها تعلم أهمية وحساسية موقع السفارة البريطانية".
اقرأ أيضا
list of 3 itemsيشبه ثوب ممثلة "فاشية".. لباس رئيسة الوزراء ليز تراس يثير جدلا كبيرا في بريطانيا
بعد جدل أثارته سابقا.. تراس توضح طبيعة علاقتها بماكرون وعدوهما المشترك
فما الذي تغير حتى انتقلت ليز تراس من الحيطة والحذر في التعامل مع هذا القرار إلى موقع المدافع عنه والمتحمس له؟ والجواب على هذا السؤال تتداخل فيه عوامل مرتبطة بالوضع الداخلي البريطاني، إضافة للحسابات الشخصية لرئيسة الوزراء، وإلى قوة اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا.
لماذا تريد ليز تراس تغيير موقع السفارة؟
للإجابة عن هذا السؤال هناك عاملان، الأول مرتبط بطبيعة حزب المحافظين، القريب جدا من إسرائيل، بل إن الحكومات الأربع المتعاقبة منذ وصول المحافظين إلى السلطة قبل 12 عاما كانت تتنافس في إظهار القرب من تل أبيب، بدءا من ديفيد كاميرون الذي قال إنه "صديق قوي وعاطفي جدا" تجاه كل ما يتعلق بإسرائيل، مرورا بتيريزا ماي التي وصفت إسرائيل بأنها "دوحة الديمقراطية ونموذج لكل العالم" ورفضت الاعتذار عن وعد بلفور، وصولا لبوريس جونسون الذي قال في أحد تصريحاته إنه "صهيوني حتى النخاع"، وصولا إلى تراس التي تنوي نقل السفارة إلى القدس.
ويرى مراقبون أن حرص رؤساء وزراء بريطانيا -وخصوصا المنتمين لحزب المحافظين- على إظهار حبهم الشديد لتل أبيب، نتيجة لقوة اللوبي الإسرائيلي داخل أروقة الحزب سواء، في القيادة أو القواعد.
أما العامل الثاني فهو مرتبط بتراس شخصيا، فهذه السيدة التي وصلت مؤخرا لرئاسة الوزراء، تواجه متاعب حقيقية في الحفاظ على منصبها وفرض نفسها كزعيمة حقيقية للحزب، بعد العاصفة التي تسببت فيها عقب الإعلان عن خطتها في منح إعفاءات ضريبية للطبقات الغنية.
وتبحث تراس عن أي حليف محتمل قد يقوي موقفها داخل حزبها أولا، كما أنها تريد استمالة كتلة ناخبة من اليمين الشعبوي، برسالة مفادها أنها تعيد ما قام به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب غير عابئة بردود الفعل الدولية.
ألا تخشى ليز تراس من معارضة حزبها للقرار؟
يعاني حزب المحافظين من أزمة قيادة حقيقية، وهو ما ظهر بعد استقالة بوريس جونسون من منصبه، ذلك بأن كل المتنافسين على المنصب كانوا من قادة الصف الثاني داخل المحافظين، بعد أن قام بوريس جونسون بإبعاد الكثير من الوجوه المعروفة في الحزب.
وتعلم ليز تراس أنها لن تواجه معارضة قوية داخل حزب المحافظين، أما في حكومتها فهي منذ البداية اختارت تعيين المقربين منها في المناصب المهمة مما يجعل إمكانية تمرد أي وزير على قرارها أمرا صعبا.
في المقابل سيبقى أمام تراس تحدي إقناع مؤسسات الدولية القوية، سواء الأمنية أو الدبلوماسية وحتى الاقتصادية، بصحة هذا القرار، وهي مهمة صعبة لأن هذه المؤسسات تدين بالولاء لعقيدة الدولة أكثر من ارتهانها لمصالح آنية، ولعل خروج كبير أساقفة كانتربري -وهو صاحب أعلى منصب ديني في البلاد- للإعلان عن قلقه من هذا القرار، هو بداية لتدخل ناعم من مؤسسات أخرى رافضة للقرار.
ما دور اللوبي الإسرائيلي؟
يتحرك اللوبي الإسرائيلي بشكل مكثف عن طريق مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين (CFI) وهي مجموعة ذات تأثير كبير داخل الحزب، بسبب انخراط 80% من المنتمين لحزب المحافظين في هذه المجموعة.
وتسابق هذه المجموعة الزمن رفقة الحكومة الإسرائيلية، لانتزاع هذا القرار من رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، ويقدر اللوبي الإسرائيلي أن هذه هي الفرصة الذهبية للحصول على هذه الورقة، وذلك بسبب المخاوف من تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في بريطانيا وهي الانتخابات التي في الغالب ستأتي بحزب العمال للحكومة كما تشير لذلك كل استطلاعات الرأي.
ويخشى اللوبي الإسرائيلي وصول حزب العمال إلى الحكومة، والذي وإن كان زعيمه كير ستارمر قد عبر في أكثر من مناسبة عن دعمه لإسرائيل، فإنه من المستبعد أن تقدم حكومة عمالية على خطوة تخرق القانون الدولي.
ألا تخشى ليز تراس من رد الفعل الدولي؟
تعلم رئيس الوزراء البريطانية أن بلادها ليست هي الولايات المتحدة، التي تتخذ القرار وتتحمل كل تبعاته، وإذا كانت تراس تخشى رد فعل فهي تخشى رد فعل الولايات المتحدة.
وتعيش العلاقات البريطانية الأميركية نوعا من الفتور، دفع الرئيس الأميركي جو بايدن لتجميد مفاوضات اتفاق التبادل التجاري، وذلك بسبب غضبه من قرار بريطانيا التراجع عن التزامها بالبرتوكول الخاص بأيرلندا في اتفاقية البريكست، وبالمنطق ذاته لن تكون واشنطن راضية عن خرق جديد للقانون الدولي.
وبالنظر لطبيعة العلاقات الأميركية البريطانية، سيكون من الصعب جدا أن تتخذ تراس مثل هذا القرار دون التنسيق المسبق مع واشنطن والحصول على ضوء أخضر أميركي.