استبقته إسرائيل بضخ تجريبي للغاز.. اتفاق الحدود البحرية مع لبنان لا ينفي احتمال المواجهة العسكرية
يعتقد المحللون العسكريون الإسرائيلييون أن اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان لا ينفي بشكل كامل احتمال المواجهة مع حزب الله، ولا يستبعدون سيناريو تصعيد على الجبهة الشمالية، وعليه فالجيش منذ فترة في حالة تأهب.

القدس المحتلة- استبقت إسرائيل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وأعطت الضوء الأخضر، لشركة "إنرجيان" البريطانية اليونانية، بربط منصة حقل الغاز "كاريش" مع منظومة الغاز الإسرائيلية، والشروع بضخ تجريبي معاكس من الشاطئ إلى المنصة، في خطوة تهدف لتسريع اتفاقية ترسيم الحدود مع لبنان تفاديا للتصعيد العسكري مع حزب الله.
وفي ظل العراقيل القضائية والسياسية التي تضعها المعارضة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، والالتماسات بالمحكمة العليا ضد الاتفاقية، أعلن رئيس الحكومة الانتقالية يائير لبيد، رسميا، التوصل إلى اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع لبنان ستتم مناقشتها الأربعاء بمجلسه الوزاري المصغر (كابينت) قبل أن تصادق عليها الحكومة.
وواصلت شركة "إنرجيان" الضخ التجريبي من حقل "كاريش" الذي يقع جنوب الخط 23، حيث ستمر الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان وفق مسودة الاتفاقية المقترحة، أي أنه سيكون في المياه الإقليمية التي تسيطر عليها إسرائيل، وسيبعد حوالي 5 كيلومترات عن الحدود البحرية مع لبنان الذي يصر على أن الحقل يقع في جزء من المياه المتنازع عليها مع تل أبيب.

تفاوض ونزاع
وخلال المفاوضات طالب اللبنانيون بالخط 29 كحد للحدود البحرية مع إسرائيل، وهو خط جنوبي أكثر بكثير وباتجاه المياه الإقليمية التي تسيطر عليها إسرائيل، مما يعني أنه إذا لم يتم التوصل لاتفاق، فإن لبنان سيضع الخط 29 في أروقة الأمم المتحدة ليكون خطا للتفاوض، الأمر الذي يجعل حقل "كاريش" محل نزاع، وهو ما تخشاه تل أبيب.
ولتفادي أي تصعيد عسكري مع حزب الله، أبلغت تل أبيب بيروت، عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، بأن ضخ الغاز التجريبي جزء هام في عملية تحديث وتشغيل المنصة لمعرفة جاهزية منظومة نقل وتوصيل الغاز مستقبلا من البحر لليابسة، وليس بداية لاستخراجه. إذ تقدر "إنرجيان" أنه في حال عدم وجود أعطال فنية، فيمكن استخراج الغاز خلال أسابيع قليلة.
تأهب عسكري مواز
في هذه الأثناء، عكس إيعاز وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس لجيشه التأهب على الجبهة الشمالية، والاستعداد لتصعيد محتمل مع لبنان، خشيته من سيناريو تفجر الوضع مع حزب الله بحال عدم التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية.
بيد أن تقديرات المحللين العسكريين ترى أن إعلان غانتس يأتي في محاولة لممارسة ضغوطات على لبنان في إطار المفاوضات سعيا للحصول على اتفاق أفضل، وكذلك ليبعث رسالة للإسرائيليين مفادها أنه تم الحفاظ على المصالح الأمنية والاقتصادية.

وضع مربح للطرفين
وخلافا لعدم رضا المعارضة الإسرائيلية ومحاولات الطعن بقانونية اتفاقية ترسيم الحدود، تبدي المؤسستان الأمنية والعسكرية الدعم للاتفاقية حرصا على المصالح الاقتصادية البحرية ولتوفير الاستقرار بهذه الحدود، مثلما يرجح تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، حصلت الجزيرة نت على نسخة منه.
وحسب التقرير، فإن فحص النقاط الرئيسية للاتفاق بين إسرائيل ولبنان كما نُشر حتى الآن، يشير إلى أن توقيعه سيكون إنجازًا مهما لتل أبيب. ولأنه يتضمن مكونات تسوية ومراعاة مصالح وحساسيات الجانب اللبناني "من المتوقع أن يسعى حزب الله لتقديمه على أنه انتصار".
وفي الوقت نفسه، ستكون تسوية نزاع الغاز بمثابة وضع مربح للجانبين، حسب التقرير. ويبدو أن بنودها ستجعل من الممكن تجاوز الصعوبات القانونية التي يثيرها خصومها في إسرائيل.
مزايا أمنية واقتصادية
بالإضافة إلى المتغيرات والأرباح الاقتصادية المتوقعة لإسرائيل، تقول رئيسة برنامج "القانون والأمن القومي" المحامية بانينا شارفيت باروخ إن تسوية قضية الحدود البحرية مع لبنان لها مزايا مهمة، خصوصا على الصعيد الأمني واستقرار الأوضاع على الحدود مع لبنان.
وأوضحت باروخ للجزيرة نت أن الاتفاق سيساعد مستقبلا في التنقيب عن الغاز والنفط على الجانب اللبناني، وضمان الهدوء بالمجال البحري، وتقليل الحراسة والتأمين لحقل "كاريش" الذي سرّعت إسرائيل تشغيله للضخ التجريبي على أن تكون عملية استخراج الغاز في غضون أسابيع.
وتعتقد أن الاتفاق لا ينفي بشكل كامل احتمال أن يجد حزب الله أسبابًا لتجديد تهديداته لإسرائيل، في حال اختار ذلك، لكنها تقول "الغرض منه تقييد الحزب في ضوء المصلحة الاقتصادية اللبنانية والانضمام لمنتجي الغاز بالشرق المتوسط والمشاركة الدولية في إنتاجه".

التصعيد غير مستبعد
ويعتقد المحلل العسكري بصحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور أن الإدارة الأميركية إلى جانب جهات دولية أخرى مارست ضغوطات للتوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، والدفع نحو إخراجه لحيز التنفيذ رغم العقبات والأوضاع السياسية المعقدة سواء بإسرائيل أو لبنان، وفي ظل التخوف من أن عدم وجود اتفاق للحدود البحرية سيقود لتصعيد عسكري.
وأوضح ليمور للجزيرة نت أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تستبعد سيناريو تصعيد على الجبهة الشمالية، وعليه فالجيش منذ فترة في حالة تأهب وجاهزية، مشيرا إلى إعلان غانتس بهذا الخصوص.
ولا يستبعد المحلل العسكري أن إعلان غانتس للتأهب "قد يخلف ديناميكية سلبية رغم أن إسرائيل ولبنان ليسا معنيين بالحرب، لكن الواقع الذي يوجد فيه الطرفان قابل للاشتعال، وقد يكون لذلك تداعيات أوسع بكثير من حقول الغاز بالبحر المتوسط".
ورغم الإعلان عن توافق بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، يقول المحلل العسكري بصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل إنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان بإمكان الحكومة المصادقة نهائيا على اتفاق ترسيم الحدود وإيداعه الكنيست للتصويت عليه قبل انتخابات المجلس التي ستجري مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.