أفغانستان.. حكايات عائلات مزقها هروب المتعاونين مع القوات الأميركية

حشود المدنيين -كثير منهم من المتعاونين الأفغان- عند بوابة مطار كابل تمهيدا لنقلهم إلى أميركا (الجزيرة)

كونر/ شرق أفغانستان – "رأيت حفيدي في حلمي وقد احترق عضده، فقلت لأمه لماذا احترق؟ قالت ابن خالته فعل به هذا. فقلت لها إليك عني، أنت لم ترعه كما ينبغي.. ثم استيقظت وأنا ارتعد وفؤادي يرتجف من شدة الحزن". بهذه الكلمات روت الجدة السبعينية حلمها للجزيرة نت ودموعها تسيل على خديها.

ما رأته الجدة "ببوغل" في حلمها، أقلقها على حفيدها من أصغر أبنائها الأربعة بعد أن غادر أفغانستان إلى الولايات المتحدة مع أسرته (زوجته و4 أبناء)، وهو ليس الوحيد الذي ترك والدته العجوز في أفغانستان، فاثنان من إخوانه غادرا مع أسرهما أيضا إلى أميركا.

الأشقاء الثلاثة كانوا يعملون مع القوات الأميركية في قاعدة قندهار، وغادروا معها بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد، وتركوا خلفهم والديهم في العقد السابع من عمرهما وحيدين، مع الزوجة الأولى للابن الأكبر.

تفاصيل قصة هذه العائلة لم تنته هنا، فالابن الأكبر ترك زوجته الأولى مع والديه، وغادر مع الزوجة الثانية، التي لم يمر على زواجهما سوى بضعة أشهر، وأخذ معه جميع أولاده من الزوجة الأولى، بمن فيهم الصغير الذي لم يتعد عمره العامين.

ولما سألنا الزوجة الأولى عن ذهاب ابنها الأصغر مع والده إلى أميركا، قالت "أتمنى أن يأخذني يوما ما إلى أميركا". وهكذا صارت هذه المرأة الأربعينية من دون زوج ولا أولاد، كما بقي العجوزان بلا أبناء أو أحفاد في بيت كبير كان يضج بالحركة والحياة قبل ذلك.

1- صورة بيت العجوزين (الجزيرة) - Fw: الصور المتعلقة بتقرير الهاربين من أفغانستان
بيت الجدة السبعينية ببوغل وزوجها بات يشكو الفراغ بعد أن كان يعج بالحركة والحياة (الجزيرة)

قصة تتكرر

حكاية عائلة العجوز ببوغل تتكرر وتتشابه مع قصص آلاف العائلات الأفغانية، التي وضعها الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان أمام الخيارات الصعبة في وقت ضيق وحرج.

ففي أكبر إجلاء في تاريخ الولايات المتحدة، كما وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن، وبمساعدة قوات التحالف الأخرى، تم نقل أكثر من 123 ألف مدني عبر مطار كابل، غالبيتهم العظمى من الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأجنبية على مدى 20 عاما.

وكان الإجلاء سريعا ومرتبكا، فقد تم نقل هذا العدد الكبير من المدنيين في غصون أسبوعين من 15 أغسطس/آب 2021، يوم دخول حركة طالبان كابل، إلى الـ31 من الشهر نفسه مع خروج آخر جندي أميركي اللواء كريس دوناهو من أفغانستان.

هذا الخروج السريع وغير المنظم للمتعاونين الأفغان مع القوات الأجنبية، شتت الكثير من العائلات وقسّمها، ويأمل من بقي من هذه العائلات أن يلتحق بمن سبقهم إلى أميركا، التي طار لها بعض القرويين ممن لم يخرجوا طوال حياتهم من مديرياتهم، ولم يروا المدن الكبرى في أفغانستان، فضلا من أن يسافروا بالطائرات خارج حدود أفغانستان، وإلى الولايات المتحدة في رحلتهم الأولى في حياتهم.

أسر مشتتة

عبد الكبير سالارزي، قائد القوات الخاصة المسماة "02" في محافظة ننغرهار، رب لأسرة كبيرة مكونة منه ومن 3 زوجات وأبنائه الـ36 (ذكورا وإناثا)، وبعضهم متزوج.

وكان سالارزي وعدد من أبنائه يتعاونون مع القوات الأميركية، وعند الإجلاء سافر الرجل مع زوجته الأخيرة وأبنائها، وخلف وراءه زوجتان مع أبنائهما وبناتهما في أفغانستان.

وتفرقت الأسرة التي غادرت أفغانستان، فبعضهم بقي في دبي، ومنهم من بقي في القاعدة العسكرية الأميركية في فرجينيا، بينما نزل سالارزي وعدد من أبنائه وبناته في فندق ينتظرون الحصول على بيت في البلد الجديد.

يقول سالارزي في حديث لمصادر صحفية أميركية "خرجنا من أفغانستان بشكل مفاجئ جدا، انتقلنا من جلال آباد إلى كابل، وكانت معي الزوجة الأخيرة وعدد من الأولاد، بقينا 5 أيام في كابل وكان الوضع مقلقا جدا؛ ولم نجد مكانا آمنا فانتظرنا في المطار، ومن هناك انتقلنا إلى دبي، وهناك مرض أحد أبنائي فغادرنا إلى أميركا وبقي هو مع أخيه الأكبر هناك، ووصلنا إلى فرجينيا حيث مكثنا عدة شهور في القاعدة العسكرية، ثم خرجت مع بعض أفراد أسرتي، ولكن ابني وأسرته بقوا في القاعدة حتى الآن".

ويضيف "تشتت أسرتنا بين من بقي منا في أفغانستان، ومن فارقنا في الطريق إلى أميركا، وهذا ما يقلقني، ولا أدري ماذا ينتظرنا في المستقبل".

وليس سالارزي هو الوحيد الذي يقلق على مستقبله في أميركا، فغالبية من وصلوا إلى البلد الجديد يقلقون على مستقبل أبنائهم، بحكم أنهم أسر محافظة اجتماعيا إن لم يكونوا متدينين، كما يقولون لأقاربهم في أفغانستان عندما يتصلون بهم.

يشكل الانتقال للولايات المتحدة حلما للكثير من الشباب الأفغاني (رويترز)

الحلم الأميركي

الكثير من الأسر سارعوا بمغادرة أفغانستان خشية انتقام حركة طالبان منهم بسبب تعاونهم مع "الاحتلال" الأجنبي، ورغم إعلان طالبان المتكرر عن العفو العام عمن قاتل ضدها أو تعاون مع القوات الأجنبية، فإن البعض، خاصة الشباب، وجد في الإجلاء فرصة لتحقيق الحلم بالخروج من أفغانستان والبحث عن مستقبل أفضل في أميركا.

ومن هؤلاء الشاب حكمتيار، الذي خلف زوجته و3 من أبنائه في قريته، وخرج مع أبيه العامل في القاعدة الأميركية في ننغرهار.

ومنهم من أرسل زوجته مع أبيها العامل مع القوات الأميركية وبقي ينتظر أن يلتحق بها يوما ما، مثل الشاب كمال خان الذي تزوج بفتاة من أقربائه وكان أبوها متعاونا مع القوات الأميركية في قندهار، وعندما بدأ الإجلاء أصر كمال خان على والد زوجته أن يصطحبها معه إلى أميركا.

وعندما سألت الجزيرة نت الحاج شير والد كمال عن سبب ذلك، قال "لقد منعته من العمل مع القوات الأميركية، وكان حماه أيضا لا يريد اصطحاب ابنته، ولكن ابني كان مصرا على هذا، على أمل أن يلتحق بزوجته يوما ما بأميركا".

حكايات كثيرة تتشابه لعائلات المتعاونين مع القوات الأجنبية على اتساع الجغرافيا الأفغانية، لكن ما رويناه ينحصر في قرية صغيرة في محافظة كنر شرقي أفغانستان، لا يزيد عدد ساكنيها عن 5 آلاف نسمة، وكان يعمل 80 من أبنائها في القواعد الأميركية في ننغرهار وقندهار، وخرجوا جميعا مع أسرهم البالغ عددهم 450 شخصا. ولنا أن نقيس هذه الحكايات على المدن والمديريات الأخرى.

المصدر : الجزيرة

إعلان