زيارة بوريل إلى أوكرانيا.. رسالة دعم أم محاولة لرأب "صدع أوروبي"؟
تتقاطع مصالح أوكرانيا ودول الجوار الأوكراني الأوروبية مع مصالح واشنطن والحلف الأطلسي بردع روسيا والحد من تنامي نفوذها، ورغم الموقفين الألماني والفرنسي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى لعب دور في هذا الصراع، للحفاظ على وحدته أولا، ثم الخروج بأقل الخسائر منه
كييف – زيارة مهمة ولافتة أجراها مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى كييف وشرق أوكرانيا مؤخرا، فهي أول زيارة لمسؤول أوروبي بهذا المستوى إلى مناطق الصراع مع الانفصاليين الموالين لروسيا، وتأتي في خضم تصعيد كبير وحديث عن "غزو" روسي محتمل لأوكرانيا.
واللافت أيضا كان التحول في لهجة خطاب بوريل مع كييف التي تذكر جيدا كيف كان قاسيا عليها في سبتمبر/أيلول 2020 عندما زارها أول مرة وانتقد طلباتها المتكررة بالدعم، قائلا إن "الاتحاد الأوروبي ليس منظمة خيرية أو صرافا آليا".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمشروع “نورد ستريم 2” الجيوسياسي.. كيف توظفه روسيا في أزمة أوكرانيا؟
مساعي أوكرانيا الغربية.. بين الأماني السياسية والدوافع الأمنية وممانعة أعضاء ورفض روسيا
كيف ساهم الناتو والولايات المتحدة في إعادة بناء الجيش الأوكراني؟
أما اليوم فلهجة بوريل كانت مليئة برسائل "الدعم الثابت" لكييف، والوعيد لموسكو بدفع "ثمن باهظ" إذا أقدمت على أي "استفزاز" أو عمل عسكري ضد أوكرانيا.
مقعد على طاولة التفاوض
تأتي زيارة بوريل قبل أيام من مفاوضات ماراثونية تشهدها جنيف في 10 و12 يناير/كانون الثاني الجاري بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) من جهة أخرى.
مفاوضات يغيب عنها الاتحاد الأوروبي بشكل واضح رغم أنه -سياسيا وأمنيا وجغرافيا- قد يكون أبرز المعنيين بأزمة أوكرانيا وما يدور حولها من تصعيد.
ولهذا، يعتقد مراقبون أن زيارة بوريل تهدف -في الأساس- إلى لعب دور محوري في الأزمة، وحجز مقعد على طاولات التفاوض، أو التأثير عليها على الأقل، وهذا ما عبر عنه صراحة بالقول "أي نقاش حول الأمن الأوروبي يجب أن يتم بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وبمشاركته".
تأخر على خلفية انقسام حاد
بحسب مراقبين، فإن الاتحاد الأوروبي تأخر في الحراك والتفاعل، وذلك يعود إلى "الانقسام الحاد" بين دوله إزاء مستجدات الأزمة الأوكرانية ومخاطر تحولها إلى مواجهة ساخنة مع روسيا.
بوريل يتحدث عن أن الأيام المقبلة ستشهد انعقاد مجالس "غير رسمية" للشؤون الخارجية ووزراء الدفاع في الاتحاد، و"هي غير رسمية لأن دولا في الاتحاد تريد التهدئة لا التصعيد مع روسيا، وتتمسك بموقف عدم الخوض في نقاشات تقديم أي دعم عسكري لأوكرانيا من بوابة الناتو"، بحسب المحلل السياسي سيرهي فورسا.
ويوضح فورسا للجزيرة نت أن "ألمانيا وفرنسا لا تريدان التصعيد، وبرلين عرقلت مرارا مساعي أوكرانيا للحصول على أسلحة نوعية من الناتو".
ويتابع "الأولوية لدى برلين هي التهدئة لتجنيب الاقتصاد الألماني مزيدا من الخسائر الناجمة عن العقوبات والعقوبات المضادة مع موسكو، وتمهد لإطلاق مشروع "نورد ستريم 2″ لنقل الغاز الذي فيه مصلحة روسية ألمانية بالدرجة الأولى".
وفي ما يتعلق بالموقف الفرنسي، يقول فورسا "فرنسا أيضا ترتبط بمصالح اقتصادية كبيرة مع روسيا، وخلال رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبي وبسبب وقوفها على أعتاب انتخابات رئاسية مقبلة لا تريد باريس -على ما يبدو- الخوض في أي تصعيد مع موسكو".
وقد دعت الحكومة الألمانية إلى تخفيف حدة التوتر وتهدئة الوضع حول أوكرانيا، وعبرت عن أملها بأن تحقق المحادثات الروسية الألمانية الفرنسية في موسكو -التي أجريت أمس الخميس- خفضا للتصعيد.
دول في الاتحاد تشعر بالخطر
ورغم هذا الانقسام يبقى الأكيد أن دول الجوار الأوكراني في الاتحاد الأوروبي أكثر حماسا لدعم كييف، وأكثر تشددا في المواقف مع روسيا.
يقول المحلل السياسي فورسا "الاتحاد الأوروبي مضطر للتعامل بشكل أكثر حزما وجدية مع التصعيد الراهن، وبغض النظر عن موقف الدول الرئيسية فيه (ألمانيا وفرنسا) فهو تصعيد يثير مخاوف دول البلطيق وبولندا وغيرها التي تخشى أن تكون هدفا لأطماع الكرملين بعد أوكرانيا، ويشكل "نورد ستريم 2″ خطرا على اقتصادها ومستقبل شبكات النقل فيها أيضا".
وأضاف أن "الأزمة تهدد تماسك الاتحاد الأوروبي إن لم يستجب لمخاوف دوله، حيث باتت تُطرح في بعضها تساؤلات حول "المعنى من عضوية اتحاد ضعيف" كبولندا، وتقوم بتحالفات بينية مع بعضها خارج إطار الاتحاد، كحلف "لوبلين" الذي يجمع كلا من ليتوانيا وبولندا وأوكرانيا حول مصالحها".
وقد نشرت صحيفة "ذا هيل" (The Hill) الأميركية مقالا لتوماس غراهام المدير السابق لبرنامج روسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي -خلال ولاية الرئيس جورج بوش الابن- اعتبر فيه أن أوروبا تشهد تحولا عميقا في الهيكلية الأمنية بسبب التوتر، وأن "أزمة أوكرانيا ستنتهي حتما بإعادة تقسيم أوروبا".
خشية خفية من الدور الأميركي
ينظر آخرون إلى مساعي الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الأزمة الأوكرانية من زاوية مختلفة، معتبرين أن تنامي نفوذ أميركا و"حماسها" لمجابهة روسيا قد يعودان بالضرر على الاتحاد الأوروبي، في ظل "أزمة ثقة" بين الجانبين.
يقول الخبير في "معهد السياسة" بكييف أوليكساندر بولافين "ثمة أزمة ثقة لا يمكن إنكارها بين أوروبا والولايات المتحدة تجلت خلال فترة حكم ترامب، ولم تنته حتى يومنا هذا".
ويضيف "لعبت أوروبا الدور السياسي الأكبر في الأزمة الأوكرانية، في إطار مفاوضات "رباعية النورماندي" التي تضم كلا من أوكرانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، لكن هذا الدور تراجع مع مرور السنين متأثرا بميول ألمانية فرنسية نحو التهدئة وإعادة تطبيع العلاقات مع روسيا".
ويتابع "كييف أدركت جيدا هذا الواقع، ولهذا تحولت إلى المطالبة بإشراك واشنطن في أي مفاوضات مع روسيا، خاصة في مفاوضات مينسك للتسوية في إقليم دونباس، كما أن الخلافات الأميركية الأوروبية لعبت دورا -خاصة بين برلين وواشنطن- حول "نورد ستريم 2″ الذي تعارضه الأخيرة وكييف بشدة".
وهنا يختصر الخبير المشهد بالقول "تتقاطع اليوم مصالح أوكرانيا ودول الجوار الأوكراني الأوروبية مع مصالح واشنطن والحلف الأطلسي بردع روسيا والحد من تنامي نفوذها، وفي ظل هذه المعطيات ورغم الموقفين الألماني والفرنسي فإن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى لعب دور في هذا الصراع، للحفاظ على وحدته أولا، ثم الخروج بأقل الخسائر منه"، على حد قوله.