ضبابية ومشهد سياسي متحول.. لمن سيصوت الفرنسيون في الانتخابات الرئاسية بعد 3 أشهر؟

باريس – في ظل وضعية وبائية معقدة وضبابية وغموض وعدم نضوج بالمشهد السياسي الفرنسي وتحولاته المتسارعة -بحسب مراقبين- يستقبل الفرنسيون العام الجديد وأعينهم على أهم حدث سياسي ستعيش على وقعه بلادهم بعد 3 أشهر، بإجراء الانتخابات الرئاسية المقررة بين 10 و24 أبريل/ نيسان المقبل.
وفي هذا السياق تبرز للسطح قضايا وأسئلة عدة تلقي بظلالها على هذا الحدث السياسي الهام، سنحاول التعمق فيها والإجابة عليها مع مجموعة من المحللين والسياسيين، للتعرف أكثر على ملامح المشهد السياسي الفرنسي في انتخابات 2022.
- ما أبرز ملامح المشهد السياسي في فرنسا خلال الانتخابات الرئاسية القادمة؟
يرى المحلل السياسي والإستراتيجي بيير بيرثيلوت أن أهم خصائص المشهد السياسي الفرنسي هو المستقبل الغامض للمعسكرين السياسيين المهمين. فإذا لم يتم إعادة انتخاب ماكرون، فمن المحتمل أن تختفي حركته السياسية "الجمهورية الى الأمام"، لأنه حزب موجود فقط من خلاله مثل "فورزا إيطاليا" Forza Italia مع برلسكوني.

وأضاف قائلا للجزيرة نت "الأمر مشابه أيضا إلى حد ما بالنسبة لليمين الكلاسيكي وتحديدا "الجمهوريين"، لأنهم إذا تعرضوا لهزيمة جديدة مماثلة لهزيمة فرانسوا فيون في عام 2017، فيمكن للحزب أن ينقسم بين اتجاه يميني للغاية مع إريك سيوتي الذي قد ينضم إلى إريك زمور وآخر أكثر وسطية، مثل ميشيل بارنييه أو كزافييه برتراند اللذين يمكنهما الانضمام إلى ماكرون إذا أعيد انتخابه".
في المقابل لفت المحلل السياسي المختص في الشأن الفرنسي والأوروبي أحمد الشيخ إلى أن ملامح المشهد السياسي ومسار المعركة الرئاسية في فرنسا لم تنضج بعد، لكن ما يلفت النظر في حملات هذه الانتخابات هو بروز نجم اليميني المتطرف إريك زمور ولعبه المستمر على مخاوف الفرنسيين الأمنية.
وتابع قائلا للجزيرة نت "بشكل عام تحتل المسألة الأمنية والموقف من المهاجرين المساحة الكبرى من اهتمامات قادة اليمين التقليدي واليمين المتطرف على حساب القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤرق أغلب الفرنسيين، وما يلفت النظر في حملات الانتخابات ومسارها حتى الآن هو تزايد العودة للتاريخ الفرنسي ورموزه، وهي ظاهرة قديمة جديدة، وتلاحظ عند معظم المترشحين وإن كانت تظهر أكثر لدى قادة اليمين الفرنسي".
- من أبرز العائلات السياسية المترشحة لهذه الانتخابات وما حظوظها؟
أكد بيرثيلوت أن ماكرون واليمين مع فاليري بيكريس هم من يملكون أفضل الفرص، لأنهم يستطيعون الوصول إلى الدور الثاني، وفي هذه الحالة لديهم فرص متساوية إذا كانوا وجهاً لوجه، وأقوياء جدًا إذا كانوا معارضين لمرشح آخر أكثر تطرفا، يسارا أو يمينا.
وتابع" لفترة طويلة، بدا أن إعادة انتخاب ماكرون مرجحة للغاية، لأن جمهوره مستقر مع حوالي 25% من نية التصويت في الجولة الأولى. لكن الانتصار الأخير والكبير لفاليري بيكريس خلال الانتخابات التمهيدية يمكن أن يغير الوضع.
- ما توجهات الناخب الفرنسي حسب آخر استطلاعات الرأي؟
يشكّك الشيخ في مصداقية استطلاعات الرأي، خاصة في السنوات الأخيرة، ويشدد على أن الناخب الفرنسي لا يفصح بسهولة عن ميوله حتى لحظة الذهاب إلى صندوق الاقتراع، لكن يمكن القول إن الناخب الفرنسي يميل أكثر إلى اليمين التقليدي ما لم تحدث هزات أو تحولات غير متوقعة.
في حين أوضح بيرثيلوت أن القضايا المتعلقة بالأمن والهجرة لا تزال في الصدارة، ومن هنا نفهم صعود المرشحين زمور ولوبان، ولكن أيضا مسألة القوة الشرائية مهمة جدًا أيضًا مع الزيادة العامة في الأسعار، خاصة في مجال الطاقة. لذلك فالمرشح الذي سيقدم أفضل إجابة عن هذين الموضوعين سيكون لديه فرصة جيدة للفوز.
- إلى أي مدى سيؤثر المناخ السياسي والاجتماعي والصحي المتوتر في الانتخابات؟
يشير السياسي الشيوعي المعروف والمستشار السابق لعمدة باريس بيير منسات إلى أنه من الصعب جدًا الإجابة على هذا السؤال، لأن الأمر يتعلق بمناخ الفترة التي تجري فيها الانتخابات على اختيار الناخبين، حيث يمكن أن تساهم عدة متغيرات في تحويل ترتيب اهتماماتهم وتوقعاتهم في الأيام الأخيرة.
ومن جانبه صرّح المحلل السياسي بيرثيلوت أن المناخ السياسي الحالي يتسم بحضور غير مسبوق وعلى مستوى عالٍ من مرشحين اثنين من اليمين المتطرف، هما إريك زمور ومارين لوبان، و"من هنا ربما ستكون هذه الحملة الانتخابية الأكثر يمينية في ظل الجمهورية، لا ننسى أيضا المناخ الاجتماعي المتوتر، مع حالة عدم اليقين الاقتصادي المرتبطة بأزمتي كورونا والطاقة، فضلاً عن زيادة الأسعار".
- هل يمكن لمتحورات كورونا أن تشكل مفاجأة تساهم في تغيير تاريخ الانتخابات؟
يؤكد السياسي بيير منسات للجزيرة نت أن "الدستور واضح في هذه النقطة: لا يمكن تغيير موعد الانتخابات بغض النظر عن حجم موجة أوميكرون".
وفي السياق نفسه، قال الشيخ "حتى هذه اللحظة لا يمكن لجائحة كورونا أن تحدث تغييرا جوهريا أو تشكل مفاجأة تعمل على تغيير مسارات الانتخابات الرئاسية، لأن الطريقة التي اتبعتها السلطات الفرنسية حتى الآن لم تحمل معها أضرارا كبيرة".
- ما أبرز الدروس المستخلصة من الانتخابات الإقليمية الأخيرة ومن نتائجها؟
قال بيرثيلوت "إن الدرس الأول من الانتخابات الإقليمية هو فشل اليمين المتطرف أو الشعبوي، لكن رغم ذلك لا يمكننا تعميم نتائج هذه الانتخابات، لأنها إذا كانت إيجابية إلى حد ما بالنسبة لليمين الكلاسيكي، فإن هذا لم ينعكس حقًا في استطلاعات الرأي الرئاسية، أما بالنسبة لحزب ماكرون فقد عانى من هزيمة قاسية في هذه الانتخابات. ورغم ذلك بالنسبة للناخبين، هناك فرق بين حزب ماكرون وبين ماكرون نفسه.
وأما منسات فلفت إلى أنه في الانتخابات المحلية الأخيرة هناك استقرار للقوى السياسية التقليدية وغياب فعلي لحزب الرئيس ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، و"لكن من المستحيل قياس هذه النتائج على الانتخابات الرئاسية لأنها انتخابات فردية بامتياز"، وفق تعبيره.

-
إذا فاز اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة ما عواقب ذلك على الديمقراطية في فرنسا؟
يفسر مستشار عمدة باريس السابق أن اليمين المتطرف العنصري الكاره للأجانب يحتل مكانة عالية جدًا في استطلاعات الرأي، لكن يبدو أن غالبية الناخبين لن يسمحوا لمرشح من هذه الحركة بالوصول إلى السلطة.
ويسانده في هذا الرأي الخبير الإستراتيجي بيرثيلوت الذي أوضح أنه من غير المتصور أن يفوز في الانتخابات أحد مرشحي اليمين المتطرف، ولا يزال هناك "سقف زجاجي" يمنع الناخبين من اليمين الكلاسيكي "أو حتى اليسار" في حال وصول اليمين المتطرف وماكرون للجولة الثانية من التصويت لصالح زمور أو لوبان، ومن المؤكد أن هذه الانتخابات تحمل مفاجآت وشكوكًا أكثر مما يمكن توقعه وتخيله قبل بضعة أشهر.