في ظل الفقر المائي.. كيف تزرع مصر ملايين الأفدنة الجديدة؟

القاهرة – كيف تزرع مصر أكثر من 4 ملايين فدان خلال الفترة المقبلة ومن أين تأتي بالمياه اللازمة؟ تساؤلات تفرضها تصريحات الحكومة المصرية عن نيتها استصلاح وزراعة ملايين الأفدنة الجديدة، في ظل الاعتراف الرسمي بدخول البلاد في مرحلة الفقر المائي، فضلا عن التهديدات المحتملة لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر في مياه نهر النيل.
ففي 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن اللواء أركان حرب وليد حسين أبو المجد، مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة استصلاح وزراعة نحو 500 ألف فدان جديد في منطقة توشكى جنوب البلاد، وذلك من أصل 2 مليون فدان جار العمل عليها ضمن خطة البرنامج الرئاسي لزراعة 4 ملايين فدان الذي أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2014 لزراعة أراضي بالدلتا الجديدة وسيناء والصعيد.
جاء ذلك خلال الإعلان عن إعادة العمل في مشروع توشكي الزراعي أقصى جنوب البلاد، والذي بدأ العمل فيه عام 1997 في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وقدمته السلطات وقتها بوصفه قاطرة التنمية الزراعية والاقتصادية في مصر، لكن العديد من الخبراء رفضوا المشروع وقتها لأسباب فنية وتمويلية، خاصة فيما يتعلق بأزمة الري وتبخر المياه بتلك المنطقة.
وتؤكد الحكومة المصرية دائما ضعف الموارد المائية للبلاد في ظل تنامي عدد السكان والحاجة لمشروعات زراعية ضخمة، آخر تلك التأكيدات كانت في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث قال وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي إن مصر تعتمد بنسبة 97% على مياه نهر النيل، وإن احتياجاتها المائية نحو 114 مليار متر مكعب سنويا، يقابلها موارد مائية لا تتجاوز 60 مليار متر مكعب سنويا، موضحا وجود عجز يصل إلى 54 مليار متر مكعب سنويا، يتم سده من خلال إعادة استخدام المياه واستيراد محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنويا.
وأصدر السيسي أمرا رئاسيا بعدم زراعة نباتات الزينة مرة أخرى توفيرا للمياه، وخلال افتتاح مشروع توشكى وجّه السيسي حديثه لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي قائلا "هذا أمر يا دكتور مصطفى، مفيش زراعة مرة أخرى لنباتات الزينة، طالما نقطة المياه التي نستخدمها صالحة لنباتات مثمرة".
من أين تأتي المياه؟
تستنزف الزراعة نحو 86% من حصيلة مصر المائية التي تحصل عليها من نهر النيل بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنويا من المياه، بينما نصيب الفرد لا يتعدى 560 متر مكعب سنويا، وهي نسبة ضئيلة، حيث يبلغ حد الفقر المائي عالميا ألف متر مكعب حسب الأمم المتحدة.
وفي 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال وزير الزراعة المصري السيد القصير إن مشروع الدلتا الجديدة الذي أطلقه السيسي يستهدف تنمية حوالي 2.2 مليون فدان، منها مليون فدان للزراعة بتكلفة أكثر من 300 مليار جنيه، بالإضافة إلى مشروعات الاستصلاح في جميع ربوع مصر، والتي تستهدف زراعة أكثر من 3 ملايين فدان أخرى جديدة بجانب مشروع المليون ونصف المليون فدان.
المفارقة بين ضعف الموارد المائية وبين الإعلان عن زراعة ملايين الأفدنة الجديدة، دفع البعض للتساؤل عن كيفية توفير المياه اللازمة للزراعة، خاصة مع المخاطر المحتملة لسد النهضة الإثيوبي، كما عبر البعض عن خشيتهم من استغلال أديس أبابا لتلك المشاريع الزراعية الكبيرة في مصر، للتأكيد على موقفها من عدم تأثير سد النهضة على الأمن المائي لمصر.
وخلال ندوة بكلية الزراعة في جامعة عين شمس نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، قال علماء مصريون في مجالات الزراعة والري والمناخ والبيئة وسلامة الغذاء إن دراساتهم المستفيضة خلال السنوات القليلة الماضية توصلت إلى عدم كفاية المياه الجوفية المتاحة حاليا في صحاري مصر لزراعة أكثر من 260 ألف فدان.
وخلال الندوة ذاتها، قال وزير الزراعة الأسبق عادل البلتاجي إن هناك معلومات موثقة لدى الحكومة المصرية تؤكد عدم القدرة على زراعة أكثر من 26% فقط من مساحة الـ 1.5 مليون فدان المعلن عنها وقتها، موضحا أن تلك المعلومات وردت في مذكرة رسمية أعدها وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي، ورفعها إلى رئاسة الوزراء.
من جهته، أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أن هناك من يسأل عن مصدر تلك المياه المستخدمة بالمشروعات الزراعية الجديدة في الدلتا الجديدة وسيناء، مشيرا إلى أنها مياه صرف زراعي تم معالجتها وفقا للمعايير العالمية.
وأكد السيسي خلال افتتاح مشروع توشكى أن مصر لم تتجاوز عبر تلك المشاريع حصتها في نهر النيل، كما أنها لم تتحدث أن نحو 100 مليون مصري بحاجة إلى موارد مائية أكبر بكثير لتلبية الاحتياجات المتصاعدة، وأن القاهرة تعمل على ترشيد استخدام المياه بالإضافة إلى معالجة مياه الصرف.
أزمات وحلول
في هذا السياق، يقول خبير الاقتصاد الزراعي محمد جمال إن "هناك أزمة مياه محتملة كنتاج لسد النهضة، وتأثير ذلك على الزراعة أمر وارد بنسبة كبيرة، ولهذا فهناك حاجة إلى مزيد من الدراسات والتوضيح من الحكومة حول كيفية علاج أزمة نقص مياه النيل المستخدمة في الزراعة".
وأوضح جمال أن المياه الجوفية في مصر (نحو 6.7 مليارات متر مكعب) لا يصح الاعتماد عليها بشكل كلي في الزراعة، نظرا لمحدوديتها وتناقصها مع الزمن، وهو ما يحتاج إلى خطط أكثر عملية خصوصا في ظل مشروعات زراعية كبيرة تصل إلى ملايين الأفدنة، تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه بصورة منتظمة، وفق تصريحات صحفية.
وأكد أن الحل الأنسب حاليا هو الاعتماد على إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي التي أعلنت الدولة عن اللجوء إليها، رغم ارتفاع تكلفتها، مشيرا إلى أن هناك توجهات من الحكومة لتغيير نظم الري بالغمر إلى الري الحديث لتوفير المياه المهدرة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أطلق البنك المركزي المصري مبادرة بقيمة 55.5 مليار جنيه (الدولار يساوي 15.71 جنيها) لمساعدة المزارعين على التحول نحو نظم الري الحديثة، حيث تقدم هذه المبادرة في صورة قروض ميسرة للمزارعين لتمويل شراء معدات جديدة وتركيب أنظمة ري أكثر كفاءة، دون تحملهم أي فوائد ويتم سدادها على أقساط خلال 10 سنوات.
وأضاف الخبير الزراعي أن مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية بشكلها الحالي مثل توشكى لها نواح إيجابية، تتمثل في توفير قدر من الأمن الغذائي عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الذي يعد من أعلى المحاصيل استيرادا، وكذلك زراعة النخيل الذي سيدر عائدا كبيرا من التمر والبلح والصناعات المرتبطة.
🌇 #مشاريع_مصر🇪🇬|
الرئيس عبد الفتاح السيسي يتفقد مشروعات استصلاح الاراضي الزراعية ومزارع القمح والنخيل بمنطقة توشكي بجنوب الوادى على مساحة 650 ألف فدان. pic.twitter.com/MZQnI6h9FJ— مشاريع مصر Egypt (@EgyProjects) December 26, 2021
ضرورة التوسع الزراعي
ورغم الفقر المائي الذي تعاني منه مصر، تعتبر الحكومة التوسع الزراعي ضرورة ملحة وأنه مقتضيات الأمن القومي، حيث تستورد مصر نحو 50% من غذائها، خاصة السلع الإستراتيجية مثل القمح، وهو ما يستنزف أيضا احتياطات العملات الأجنبية.
ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث استوردت نحو 12.9 مليون طن في 2020 بقيمة 3.2 مليارات دولار، مقابل 12.5 مليون طن بقيمة 3 مليارات دولار عام 2019، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وزادت تكلفة نقل القمح الذي تستورده مصر إلى ما بين 11و15 ألف دولار للشحنة، وفق تصريحات صحفية لوزير المالية المصري محمد معيط الذي قال "نحن نستورد تضخما، سعر القمح يتضاعف، التضخم من الخارج".
وقال معيط إن استيراد المواد الغذائية للمواطنين من الخارج بالعملة الصعبة، يؤثر على الدولة ويعمل على إضعاف قيمة الجنيه، والذي يؤثر سلبا على معيشة المواطنين.
لذلك يرى جمال أبو الفتوح، أمين سر لجنة الري والزراعة بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية بالبرلمان) أن المشروعات الزراعية تسهم في تحقيق الأمن الغذائي الذي تضغط عليه الزيادة السكانية بشكل كبير، كما أنه يرفع الضغط عن فاتورة الاستيراد التي ارتفعت أيضا ويوفر العملة الصعبة، فضلا عن خلق فرص عمل.