"دولة الأبرتهايد".. هل تخشى إسرائيل من وسمها بالفصل العنصري حقا؟

تقول نائبة عربية سابقة إن اسرائيل كرّست الفصل العنصري من خلال تشريعات عنصرية وأدوات استعمارية أبرزها قانون تسوية الأراضي وقانون القومية الذي يعطي الحق فقط للشعب اليهودي بتقرير المصير على كل أرض فلسطين التاريخية، ويعتبر الاستيطان قيمة عليا

مسار الجدار الفصل العنصري لمنع التواصل الجغرافي ما بين القدس المحتلة ورام الله
مسار جدار الفصل العنصري لمنع التواصل الجغرافي بين القدس المحتلة ورام الله (الجزيرة)

القدس- عكست تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، بشأن المخاوف من احتمال اتهام إسرائيل بدولة فصل عنصري (أبرتهايد)، سجال المجتمع الإسرائيلي بشأن "يهودية الدولة"، وضرورة المناورة الدبلوماسية وفتح مسار المفاوضات مع الفلسطينيين لتجنب أية ضغوطات من أوروبا، ولإرضاء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

واستبعد لبيد، في تصريح له الثلاثاء، أن يدفع تكثيف الضغط الدولي على الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى عملية سياسية مع الفلسطينيين حتى بعد توليه السلطة في أغسطس/آب 2023، بسبب اتفاقات ائتلافية تمنع إحراز تقدم في هذا المجال.

وحذّر وزير الخارجية مما وصفه "نقاشا غير مسبوق حول عبارة "إسرائيل كدولة أبرتهايد"، متوقعا أن يكون هذا تهديدا ملموسا في عام 2022.

وأشار لبيد إلى الحملات الفلسطينية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، وإلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل "لجنة تحقيق" دائمة في معاملة إسرائيل للفلسطينيين، بما في ذلك العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/أيار 2021.

وتأتي تصريحات لبيد فيما كرر رئيس حكومته، نفتالي بينيت، أن حكومة برئاسته لن تعود لطاولة المفاوضات، وأنه يعارض لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ويكتفي بانتداب وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، للقائه، في محاولة للترويج لفكرة "السلام الاقتصادي".

إعلان

وأمام هذا التعنّت، يعود السجال حول تكريس إسرائيل لسياسة الفصل العنصري واضطهاد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر (الخط الفاصل بين الأراضي المحتلة عامي 1948 و1967) وذلك من خلال "قانون القومية" الذي شرعته حكومة بنيامين نتنياهو، والاستمرار بتوسيع المشروع الاستيطاني، والضم الإسرائيلي الزاحف لأجزاء من الضفة الغربية والأغوار.

ومع استحالة تحقيق حل الدولتين على أرض الواقع، يندفع بينيت الذي ليس لديه أي اهتمام بمسار التسوية، بهدوء نحو الدولة الواحدة مع الملايين من "الرعايا الفلسطينيين" والهيمنة اليهودية بين البحر والنهر، ولكنه كما يقول الصحفي جدعون ليفي "لا ينشئ مجرد دولة واحدة، بل هو ينشئ (دولة أبرتهايد) وهو ما سيكون الاسم الثاني لإسرائيل".

شارع 6 على حدود الرابع من حزيران أقيم على الأراضي الفلسطينية للربط بين المستوطنات وإسرائيل
شارع (6) على حدود الرابع من يونيو/حزيران أقيم على الأراضي الفلسطينية للربط بين المستوطنات وإسرائيل (الجزيرة)

فصل عنصري مشرّع

وترى النائبة السابقة بالكنيست عن التجمع الوطني (حزب عربي)، نيفين أبو رحمون، أن حكومات إسرائيل المتعاقبة كرّست سياسة الفصل العنصري والتمييز والاضطهاد ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، من خلال التشريعات العنصرية وأبرزها قانون "القومية" وتوسيع المشروع الاستيطاني، ومواصلة مخطط الضم الزاحف رغم تجميد "صفقة القرن".

وأطلقت حملة بعنوان "احكوا للعالم عن مخطط الضم"، وقالت للجزيرة نت إن سياسات الحكومات الإسرائيلية أسست لدولة أبرتهايد على غرار جنوب أفريقيا، بعد أن فرضت وقائع تجعل حل الدولتين مستحيلا.

وتعتقد البرلمانية السابقة أن إسرائيل تخشى الحملات الفلسطينية التي تفضح فرض "نظام تفوّق يهودي من النهر إلى البحر، وممارساته القمعية ضد الفلسطيني وأرضه وسلبه أبسط الحقوق".

وتُعرّف حملة "احكوا للعالم عن مخطط الضم" بالتشريعات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وتقول أبو رحمون إن مخطط ضم المنطقة (ج) التي تشكل 61% من مساحة الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، يكرّس التمييز العنصري والاضطهاد وفرض السيادة الإسرائيلية لضمان تفوق المستوطنين.

إعلان

وتضيف البرلمانية السابقة أن إسرائيل كرّست الفصل العنصري من خلال تشريعات عنصرية وأدوات استعمارية أبرزها قانون تسوية الأراضي، وقانون القومية الذي يعطي الحق فقط للشعب اليهودي بتقرير المصير على كل أرض فلسطين التاريخية، ويعتبر الاستيطان قيمة عليا.

فصل عنصري متفاوت الشدة

وعلى الرغم من تعليق "صفقة القرن" الهادفة لضم أجزاء من الضفة الغربية والأغوار للسيادة الإسرائيلية، فإن سلطات الاحتلال، كما يقول المتحدث باسم حركة "السلام الآن"، آدم كلير، تواصل سياسة الضم الزاحف وتوسيع المشروع الاستيطاني، وفرض وقائع تحول دون إقامة دولة فلسطينية على حدود "الرابع من يونيو/حزيران 1967".

ويضيف كلير للجزيرة نت أن اتهام إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري واضطهاد للفلسطينيين، يترافق مع وجود الأبرتهايد بدرجات متفاوتة من حيث الشدة منذ احتلال الضفة الغربية وباقي مدينة القدس بعد حرب 1967.

وحسب كلير، يتم نسبة الفصل العنصري إلى النظام الإسرائيلي في سياقات وفي فترات مختلفة، حيث وجّه الاتهام في سياق موقف الدولة من فلسطينيي 48 (من تبقوا في الأراضي المحتلة عام 1948 بعد النكبة)، وللصهيونية كحركة وفكرة استعمارية، وللمشروع الإسرائيلي من البحر المتوسط إلى الأردن.

وعزا كلير تصريحات تل أبيب التي عبر عنها وزير الخارجية، لمخاوفها من تصنيف مؤسسات وهيئات المجتمع الدولي إسرائيل كدولة أبرتهايد.

وقال إن "حكومة التغيير برئاسة بينت-لبيد تجدد موقفها الرافض للعودة لمسار المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية، وتكتفي فقط بالترويج لفكرة السلام الاقتصادي مع مواصلة التنسيق الأمني".

وأوضح المتحدث باسم حركة "السلام الآن" أن مبادرة ما سمّي "حسن النوايا" من حكومة بينيت تجاه السلطة الفلسطينية وانتداب غانتس للقاء الرئيس عباس، ليست بديلا عن مسار المفاوضات خاصة في ظل تعاظم الانتهاكات الإسرائيلية للفلسطينيين وتوغل المشروع الاستيطاني، وهو ما يشكل جريمتي فصل عنصري واضطهاد وتكريس الهيمنة اليهودية على الفلسطينيين وأرضهم المحتلة.

المحلل السياسي عكيفا الدار: وعد بلفور ليس ذو قيمية بالنسبة للإسرائيليين الذين يرون باتفاقية سيكس بيكو القول الفصل
المحلل السياسي عكيفا الدار: لبيد يقوم بمناورة دبلوماسية (الجزيرة)

مناورة دبلوماسية

إعلان

وعلى الصعيد الدبلوماسي، يعتقد المحلل السياسي عكيفا إلدار، أن تصريحات لبيد بشأن إمكانية أن تواجه إسرائيل حملات فلسطينية تصورها على أنها دولة أبرتهايد وفصل عنصري، تحمل في طياتها رسائل داخلية موجهة إلى الائتلاف الحكومي والأحزاب السياسية الرافضة لتجديد مسار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

وأشار إلدار إلى أن لبيد لا يريد أن يخسر ما حققته الدبلوماسية الإسرائيلية خلال فترة ولايته القصيرة، وخاصة التقارب مع الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، وحتى تعزيز علاقات التطبيع مع الدول العربية، إذ يوجه بوصلة الحكومة نحو المناورة الدبلوماسية وعدم التعنت باستمرار غلق المسار السياسي مع الفلسطينيين، بغية تجنب تأليب المجتمع الدولي ضد إسرائيل.

ودون إجراءات صارمة من واشنطن وموقف جدي من أوروبا ضد إسرائيل لا يمكن أن تكون قرارات المحكمة الجنائية الدولية أو أي توصيات وقرارات مجلس حقوق الإنسان نافذة وذات قيمة وملزمة لإسرائيل للعدول عن سياسات الفصل العنصري والانتهاكات ضد الفلسطينيين في مختلف مناحي الحياة، كما يقول إلدار.

جدار الفصل العنصري بالقدس الشرقية بمساره بين العيسوية وشعفاط، حيث سلخ شعفاط عن القدس المحتلة
جدار الفصل العنصري بشرقي القدس حيث سُلخ مخيم شعفاط عن المدينة المحتلة (الجزيرة)

قبول الأبرتهايد مقابل المقاطعة

وبرأي المحلل السياسي، فإن تصاعد اليمين الداعم للاستيطان وهيمنته على المشهد السياسي الإسرائيلي، يثبت أن الضغط الاقتصادي العالمي والمقاطعة الأوروبية والأممية لشركات وفعاليات ومؤسسات يهودية استيطانية، لا يحرك الرأي العام في إسرائيل ضد الاحتلال والاستيطان "وكأن المجتمع اليهودي يقبل بالفصل العنصري والاضطهاد للفلسطينيين على غرار الأبرتهايد في جنوب أفريقيا".

لكنه تطرق إلى نماذج مؤثرة من حملات المقاطعة الثقافية والفنية، كالكاتب المسرحي والمخرج الأسكتلندي ديفيد جريج، المدير الفني لمسرح ليسيوم الملكي بأدنبره، الذي انضم إلى مقاطعة إسرائيل، والكاتبة المسرحية الأسكتلندية، سام هولكروفت، التي لا تسمح بعرض أعمالها في مسرح إسرائيلي.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان