دعوات لمقاطعتها وتوجس من تبعاتها.. ماذا تحمل استشارة "قيس سعيد" الإلكترونية؟

دعا الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي وقيادات نقابية وحزبية إلى مقاطعة "الاستشارة الإلكترونية"، وحذروا من استغلال معلومات المسجلين فيها لأغراض أمنية

صور لإطلاق "الاستشارة الإليكترونية" في تونس - المصدر: وزارة تكنولوجيا الاتصالات
إطلاق منصة "الاستشارة الإلكترونية" في تونس (وزارة تكنولوجيا الاتصالات التونسية)

تونس- تثير الاستشارة الإلكترونية الشعبية -التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد تمهيدا لما قال إنها إصلاحات دستورية قادمة- تساؤلات عدة في الأوساط الشعبية والسياسية حول مضمونها ودوافع إطلاقها، فيما تتصاعد الدعوات لمقاطعتها.

وكان سعيد قد أعلن تنظيم "استشارة إلكترونية" في إطار خريطة طريق تنهي حالة الاستثناء التي تعيشها تونس منذ 25 يوليو/تموز الماضي تنتهي بتنظيم انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول القادم.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وأوضح الرئيس -خلال اجتماع وزاري سابق- أن الاستشارة تهدف لتلقي مقترحات وتصورات من الشعب خاصة بمواضيع الشأن العام، لتقوم بعد ذلك لجنة مختصة بصياغة مضامينها في نصوص قانونية تعرض للاستفتاء الشعبي حول مجمل الإصلاحات الدستورية والقانونية.

ورغم تحديد الأول من يناير/كانون الثاني الجاري موعدا رسميا لإطلاق منصة الاستفتاء فإنها شهدت تعطلا وصفه معارضو الرئيس بالتخبط وعدم الجاهزية، فيما اعتبرته الحكومة "مرحلة تجريبية" تستهدف عينة من المستجوَبين، على أن تفتح للعموم منتصف الشهر الحالي.

وأعلن وزير تكنولوجيا الاتصال نزار بن ناجي -في تصريحات صحفية- بدء عملية "تجريبية وتوعوية" تستهدف 24 منطقة، مشيرا إلى أن المنصة ستكون مفتوحة للجميع من 15 يناير/كانون الثاني حتى 20 مارس/آذار المقبل.

خياراتها واهتمامات المشاركين

بالولوج لموقع المنصة يجد المستخدم مجموعة خيارات تتناول الشأن السياسي والانتخابي، والاقتصادي والمالي، والشأن الاجتماعي التنموي والانتقال الرقمي والصحة وجودة الحياة، والشأن التعليمي والثقافي.

وللمشاركة -وفق ما أورده موقع البوابة الإلكترونية لمنصة الاستفتاء- على الشخص أن يسجل عن طريق رقم سري خاص به يصله برسالة قصيرة على هاتفه المحمول.

وبحسب بيانات البوابة الإلكترونية، بلغ عدد المشاركين حتى أمس الأربعاء 579 شخصا يتوزعون بين 406 ذكور و173 أنثى، فيما استأثر الشأن السياسي والانتخابي بأولوية المشاركين.

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر أسامة عويدات القيادي في حركة الشعب (أبرز الأحزاب الداعمة لإجراءات الرئيس) انطلاق الاستفتاء الشعبي الإلكتروني خطوة جيدة للذهاب نحو إصلاحات دستورية وسياسية عميقة تقطع مع العشرية السابقة.

ودعا عويدات إلى ضرورة توفير ضمانات خاصة بآلية عمل المنصة وبمكونات الهيئة التي ستشرف لاحقا على تجميع مقترحات المشاركين فيها، وصياغتها في شكل إجراءات قانونية تطرح لاحقا على الاستفتاء.

وجدد القيادي في حركة الشعب دعوته للرئيس التونسي بإشراك الأحزاب والقوى الوطنية التي دعمت "إجراءات 25 يوليو/تموز" في النقاش المتعلق بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، وذلك من خلال حوار أفقي بالتوازي مع الحوار عبر المنصات الإلكترونية.

كما دعا الحكومة إلى تجاوز عوائق تتعلق بغياب شبكة الإنترنت عن مناطق كثيرة، مما قد يحول دون مشاركة قطاعات واسعة وحرمانها من إبداء رأيها.

مخاوف من تحويلها لأداة إقصاء

وأبدت منظمة اتحاد الشغل تحفظات عدة على آلية عمل "الاستشارة الإلكترونية"، وقالت إنها "لا يمكن أن تحل محل الحوار الحقيقي، لكونها لا تمثل أوسع شرائح المجتمع وقواه الوطنية، فضلا عن غموض آلياتها، وغياب سبل رقابتها، ومخاطر التدخل في مسارها والتأثير في نتائجها".

ولم تخفِ المنظمة النقابية التي دعمت إجراءات الرئيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي توجسها من أن تكون آلية الاستشارة أداة لفرض أمر واقع، والوصول إلى هدف محدد سلفا، وإقصاء متعمد للأحزاب والمنظمات، مما قد يفضي لاحتكار السلطة وإلغاء المعارضة.

مشروع شخصي للرئيس

من جانبه، انتقد رئيس الهيئة السياسية لحزب "أمل" محمد نجيب الشابي آلية عمل المنصة الإلكترونية، وقال إن الدستور سمح للشعب بممارسة حقه التشريعي في التعبير عن رأيه عبر الاستفتاء الذي حدد بشروط واردة في القانون الانتخابي.

وشدد الشابي -للجزيرة نت- على أن ما ذهب إليه قيس سعيد خرق للدستور وتطويع لمؤسسات الدولة ومقدراتها، واستغلال صفته كرئيس للجمهورية، لتحقيق مشروع شخصي لم يستشر فيه أحدا، كما لم يستبعد دعوة حزبه لمقاطعة الاستشارة.

وعبر عن خشيته من إمكانية استهداف المعطيات الشخصية للمواطنين وتجميع معلومات حول ميولهم السياسية والاجتماعية لاستغلالها لاحقا في أغراض انتخابية، في ظل غياب الضمانات لشفافية العملية ومراقبتها لاحقا.

مقاطعة الاستشارة

واعتبر الشابي أن كل ما سيخرج من قرارات نابعة عن هذا "الاستفتاء الإلكتروني" ليس له أي أثر قانوني، وسيرتقي -في أقصى حالاته- إلى مجرد آلية للاستئناس بها لمعرفة ما يفكر فيه جزء من الشعب.

وكان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي دعا عبر حسابه الشخصي في فيسبوك إلى مقاطعة الاستفتاء، محذرا من استغلال المعطيات الشخصية للتونسيين من أذرع مخابراتية تستخدمها لاحقا "لمزيد من التحكم والتضليل".

بدوره، دعا الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي إلى مقاطعة "الاستشارة الإلكترونية".

واعتبر الهمامي -في تصريح صحفي- أن "الاستشارة الإلكترونية" "إهانة للشعب التونسي"، وأن الرئيس يسعى من خلالها لإرساء حكم فردي، والإعداد لدستور يفضي لنظام رئاسي مركز.

إعلان

واتهمت منظمة "أنا يقظ" الرقابية الحكومة ووزارة تكنولوجيا الاتصال بالتخاذل وعدم احترام التاريخ المحدد الذي أعلنه الرئيس كموعد لانطلاق عمل المنصة الإلكترونية للعموم.

وعبرت المنظمة عن استنكارها مسار إعداد المنصة والأطراف المشاركة فيه، متسائلة عن "شفافية عملية منح الصفقة العمومية (عطاء إنشاء المنصة) لأشخاص بعينهم، ومن بينهم صاحب شركة ناشئة ليست لديها تجربة في هذا المجال".

وطالبت "أنا يقظ" رئاسة الحكومة بتمكينها من القيام بعملية تفقدية للتثبت من السلامة المعلوماتية للمنصة، ومدى احترام المعطيات الشخصية للمشاركين فيها.

المصدر: الجزيرة

إعلان