بين تهويل وتهوين.. أين تقف أوكرانيا من أزمة "حشود روسيا" ومخاطر "الغزو"؟
يعتقد محللون أن أوكرانيا بدأت التمهيد لتهدئة ما على خلفية احتمال أن تتراجع الولايات المتحدة وحلف الناتو عن دعم كييف بعد المباحثات المرتقبة مع موسكو، وتستجيب للمطالب الروسية الأمنية بعدم ضم أوكرانيا المجاورة إلى عضوية الحلف الأطلسي.
كييف- مخالفا الضجة العالمية المثارة حول قضية الحشود العسكرية ومخاطر "الغزو" الروسي المحتمل، ختم سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليسكي دانيلوف نهاية العام 2021 بتصريح لافت، هوّن فيه من مخاطر الغزو، ودعا إلى الاحتفال بهدوء بأعياد الميلاد ورأس السنة.
ولم يستبعد دانيلوف، في تصريحه، أن يتخذ الكرملين "قرارا آخر" بشأن غزو أوكرانيا، لكنّه اعتبر أن "القضية الرئيسية بالنسبة لروسيا -حاليا- هي زعزعة الاستقرار الداخلي في البلاد".
الرئيس يحتفل مع "فريقه الفني"
ولم يكن تصريح دانيلوف وحده المثير للجدل، فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومعه عدد من كبار المسؤولين في مكتب الرئاسة، شاركوا في إحدى فقرات أمسية رأس السنة الفنية الساخرة لمجموعة "كفارتال 95″، التي يملكها وكان يقودها عندما كان فنانا كوميديا قبل أن يصبح رئيسا في 2019.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالتصعيد في أوكرانيا.. لهذه الأسباب غابت الأمم المتحدة وخشيت ألمانيا واهتمت بريطانيا وتحمست أميركا
على حدود أوكرانيا.. هل تمكنت روسيا من تحطيم أسطورة العالم الأحادي القطبية؟
كيف ساهم الناتو والولايات المتحدة في إعادة بناء الجيش الأوكراني؟
وقوبل حضور زيلينسكي بموجة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف منتقدوه مشاركته بـ"الاسترخاء واللامبالاة"، في وقت ينشغل فيه العالم بالمخاطر المحدقة بأوكرانيا، ويتزامن مع مباحثات قمة روسية أميركية لخفض التصعيد.
مواقف مغايرة للخارجية والدفاع
وغير بعيد عن مقرات مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني ومكتب الرئاسة الأوكرانية، تبرز مواقف مغايرة في وزارتي الخارجية والدفاع، تبدو أكثر جدية في التعامل مع "المخاطر المحدقة" والاستعداد لها.
ومن ذلك سعي الخارجية إلى توحيد دول الغرب حول فكرة المخاطر التي تشكلها نوايا وسياسات الكرملين على أوكرانيا والمنطقة والعالم.
وينشط وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف في مساعٍ للحصول على أسلحة نوعية وفتاكة من "الشركاء الغربيين" أيضا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
ما دور أوكرانيا في أزمتها؟
وكما كان متوقعا، سارعت الخارجية الروسية إلى اعتبار تصريحات دانيلوف دليلا على "تهويل مصطنع" يمارسه الغرب فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا، مما يدفع إلى التساؤل عن "التناقض" في تصريحات ومواقف مسؤوليها، إن صح التعبير، وحتى عن حقيقة الدور الذي تلعبه أوكرانيا في أزمتها الراهنة.
من وجهة نظر إيهور هوجفا رئيس تحرير موقع "سترانا" (البلد) المعارض والذي أغلقته السلطات الأوكرانية قبل بضعة شهور، فإن الغرب خلق التصعيد الراهن لاستفزاز روسيا في أوكرانيا، التي تحظى بمكانة تاريخية وإستراتيجية هامة بالنسبة لموسكو، "بينما تتفاعل السلطات الأوكرانية الحالية مع الأحداث كما يروق للغرب، أو لا تتفاعل مطلقا، لأنها خارج اللعبة أصلا"، على حد قوله.
وفي هذا الصدد، رأى هوجفا أن تصريحات سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليسكي دانيلوف كانت "موضوعية"، وهذا كان "الغريب" فيها، مشيرا إلى أن المجلس قلل مرارا من حجم الحشود الروسية، في حين وصل تعدادها في إعلام وتصريحات مسؤولي الغرب إلى نحو 175 ألفا، مما يدعو للشك في حقيقتها، وفي أهداف هذا "التضخيم" للأزمة، وفق وصفه.
ساحة صراع أم "رأس حربة"؟
لكنّ آخرين لا يرون أي تناقض يثير الجدل، ويتمسكون بفكرة أن أوكرانيا ليست ساحة حرب روسية غربية، وإنما "رأس حربة" في مواجهة "العالم الروسي".
تقول المحللة السياسية يوليا تيشينكو إن تصريحات دانيلوف لم تُشر إلى عدم وجود حشود عسكرية، وإنما قللت من احتمال حدوث غزو واسع النطاق.
وتابعت "ثم إن هذا طبع زيلينسكي، الذي لا يغيب عن أكبر حفل تنظمه مجموعته الكوميدية (كفارتال 95) في كل عام. والحديث عن منطقية هذا التصرف في هذا التوقيت سؤال آخر يحتمل الكثير من الجدل".
وقالت تيشينكو للجزيرة نت "لنكن واقعيين، الغرب لم يحارب روسيا، وعقوباته على موسكو لم تحقق أي نتيجة تُذكر، وعلى مدى 8 سنوات مضت لم يدعم الغرب أوكرانيا بالقدر الكافي لهزيمة روسيا، إذا كان بالفعل يعتبرها عدوا وخطرا على كييف والعالم الغربي".
وبالنسبة للمحللة، فإن أوكرانيا رأس حربة بين الدول التي ترفض العودة إلى العالم الروسي، بما فيه من تضييق على الحريات وانتشار للفساد، والغرب لعب -حتى وقت قريب- دور المتفرج على المدرجات بهتافات التشجيع المثيرة للحماس فقط.
وترى تيشينكو أن الغرب يشعر اليوم بخطر روسيا، لكن مواقفه تبقى متباينة إزاء دعم أوكرانيا، في حين تبرز الولايات المتحدة ودول الجوار في دائرة المعنيين بدعم كييف لأنها تشاركها المخاوف، وترى أنها قد تكون هدفا لاحقا بعد أوكرانيا، إلى جانب اعتبارات وأهداف سياسية وإستراتيجية أخرى.
هل تمهد أوكرانيا للتهدئة؟
وبالعودة إلى تصريحات دانيلوف أيضا، يبرز رأي لافت، مفاده أن أوكرانيا بدأت التمهيد لتهدئة ما على خلفية احتمال أن تتراجع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) عن دعم كييف بعد المباحثات المرتقبة مع موسكو، وتستجيب للمطالب الروسية الأمنية بعدم ضم أوكرانيا المجاورة إلى عضوية حلف الناتو.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي أوليسكي بيلاشكو إن الحرب ليست في مصلحة أوكرانيا، و"السلطات تريد التهدئة حتما، لكنها لا تمهد لها على خلفية تراجع غربي محتمل، ولم تفعل ذلك على مدار السنوات الماضية، بل واجهت الروس والموالين لهم بما توفر من قدرات محلية ومساعدات غربية".
وأضاف "روسيا عدوة لأوكرانيا اليوم، والتوتر معها باق ما بقيت أسبابه؛ أما دول الغرب فربما تنظر إلى الأمور وفق موازين أخرى، قد لا تعني الأوكرانيين وقد تخالف تطلعاتهم".