استعراضا لقوتها الناعمة.. الصين تدرس لغتها لطلاب عراقيين

الشركات الصينية تهيمن على القطاع الاقتصادي الرئيسي في العراق، وتستورد بكين 40% من صادرات العراق من النفط الخام.

المعلم الصيني "زيوي هو" يلقي محاضرة على طلابه في كردستان العراق لتعليمهم أبجديات اللغة الصينية (أسوشيتد برس)

في فصل دراسي في كردستان العراق يلقي المعلم الصيني "زيوي هو" محاضرة على طلابه لتعليمهم أبجديات اللغة الصينية، وتدوي ردود أفعال طلابه باللغة الصينية بطلاقة مثالية.

يدرّس "هو" (52 عاما) 14 طالبًا عراقيًّا بإشراف من القنصلية الصينية في مدينة أربيل بكردستان العراق، حيث تقوم بكين ببناء محطات لتوليد الكهرباء ومصانع ومنشآت معالجة المياه، وكذلك المدارس التي تشتد الحاجة إليها في جميع أنحاء البلاد، حسب تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس (The Associated Press) قبل أيام.

ويعد فصله جزءًا من تجربة فتح فرع تجريبي لتعلم اللغة الصينية (الماندرين) في جامعة صلاح الدين في محافظة أربيل بكردستان العراق، وإذا تخرج هؤلاء الطلاب بنجاح سيفتتح قسم اللغة الصينية رسميًّا للتسجيل، مما يوفر فرصة للخريجين في العمل مع العدد الكبير المتزايد من الشركات الصينية المنتشرة في الإقليم.

ويقول الطالب ريجين ياسين (20 عاما) "أردت تعلم اللغة الصينية لأنني أعرف أن الصين سيكون لها اليد العليا في المستقبل". "الصين ستتوسع هنا، ولهذا اخترتها".

وفي مدرسة اللغات، أكمل ضياء شيرزاد للتو الاختبار الشفوي. وقال الشاب البالغ من العمر 21 عاما إنه يفكر دائما في ما يجب فعله بعد ذلك. وأضاف "أهم شيء هو كيف يمكنني خدمة شعبي. إذا كنت أعرف اللغة الصينية فسوف يساعد ذلك في المستقبل وفي كل شيء".

تفاصيل التأسيس

في عام 2017، تواصلت القنصلية الصينية في أربيل مع كلية اللغات بجامعة صلاح الدين لتعرض فكرة تأسيس قسم اللغة الصينية.

إعلان

وقال عميد الكلية عاطف عبد الله فرهادي إن الجامعة لم تكن متأكدة في بادئ الأمر من أن الفكرة ستنال إعجاب الطلاب، أو أنها ستجد مدربين مؤهلين لتدريس اللغة.

لذلك طلب فرهادي من القنصلية توفير المعلمين والكتب المدرسية ومختبر الصوت وتقنيات الفصول الدراسية الأخرى وفرص التبادل في بكين، وتحمل تكاليف ذلك.

وقال فرهادي "لقد استوفوا جميع المطالب". وافتُتِح القسم عام 2019، ومن المقرر تخريج أول دفعة منه العام المقبل، وأضاف "بعدها سنتوسع".

ويتمنى فرهادي لو يحدث الشيء نفسه في قسم اللغة الإنجليزية؛ لكنه قال إن القنصليتين الأميركية والبريطانية من النادر أن تعرضا المساعدة، "إنهم لا يدعموننا على الإطلاق".

استعراض القوة الناعمة

ورأى الباحث العراقي سردار عزيز في حديث لأسوشيتد برس أن تدريس لغة "الماندرين" استعراض للقوة الناعمة الصينية، لتعريف المنطقة بالصين، وقال "لقد زاد انجذاب السكان للسلع الصينية".

وتهيمن الشركات الصينية على القطاع الاقتصادي الرئيسي في العراق، وتستورد بكين 40% من صادرات العراق من النفط الخام.

ومن خلال التركيز الضيق على قطاع المحروقات نمت الاستثمارات الصينية لتشمل الصناعات الأخرى والتمويل والنقل والبناء والاتصالات.

جاء هذا التحول بعد إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 مبادرة الحزام الطموحة، التي يطلق عليها طريق الحرير الجديد. وتتألف هذه المبادرة من مجموعة واسعة من مشاريع التنمية والاستثمار من شرق آسيا عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا. وهذه المبادرة تعدّها الولايات المتحدة مقلقة، وترى فيها "حصان طروادة" للتوسع الصيني.

وتنطوي المبادرة الصينية على تطوير العلاقات مع الدول على طول مسارها من خلال التنسيق السياسي، وترابط البنية التحتية، والتكامل التجاري والمالي.

ولفت تقرير أسوشيتد برس إلى الاهتمام المتزايد لأكراد العراق بتعلم اللغة الصينية، وقال إن بكين تعول على تلقينهم لغتها لدعم استثماراتها هناك على المدى البعيد.

وتشهد مدينة الرمادي العراقية -التي مزقتها الحرب- طفرة استثمارية، وتتوسع مصالح الصين في العراق، لا سيما في قطاع الطاقة.

وتضمن عشرات العقود الموقعة في السنوات الأخيرة تواجد الصين المتزايد، حتى في الوقت الذي تخطط فيه الشركات الغربية الكبرى -بما في ذلك الولايات المتحدة- للخروج من هناك.

ويقول تقرير الوكالة "بينما يقول المسؤولون العراقيون إنهم يرغبون في وجود أميركي أكبر، فإنهم يجدون جاذبية في عرض الصين للتنمية من دون شروط للديمقراطية أو الإصلاح".

وفي الوقت الذي تنمي فيه الصين بصمتها الاقتصادية، تعمل شركات النفط الغربية على تقليص نفوذها. وأعرب كثيرون عن استيائهم من بيئة الاستثمار المحفوفة بالمخاطر في العراق وشروط العقود غير المواتية.

وقال وزير النفط إحسان عبد الجبار إسماعيل لوكالة أسوشيتد برس -في وقت سابق- إن خروج شركة النفط الأميركية العملاقة إكسون موبيل من حقل غرب القرنة 1 العام الماضي جاء رغم المناشدات العراقية بالبقاء. ثم تابع "لطالما كان وجود شركة أميركية كبرى في العراق بمثابة طمأنة للشركات الأخرى".

إعلان

وتخطط شركة "بريتيش بتروليوم" لتوزيع أعمالها مع كيان آخر شريك مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية. وتطالب شركات نفط أخرى -بما في ذلك شركة لوك أويل الروسية- بتعديلات على شروط العقد كشرط للبقاء.

"وبين ذلك، تهيمن الشركات الصينية على عقود النفط، وتستمر في كسب المزيد"، يقول تقرير أسوشيتد برس.

يُذكر أن ممثلين عن الشركات الصينية يلتقون الطلاب بحجة ممارسة المهارات اللغوية، لكن الأمر ينتهي مع معظمهم بوعود للتوظيف في المستقبل.

وقال أحد الطلاب -واسمه حوار السعدي- "نتحدث باللغة الصينية ونتحدث عن الأعمال والمستقبل، يأتون إلينا لمقابلتنا وإجراء اتصال".

وتغطي الدروس الجوانب الثقافية والتاريخية للصين أيضا. ويسارع المدرس "هو" دائما إلى تذكير الطلاب بالماضي الذهبي المشترك بين البلدين، فقد كان العراق جزءا من طريق التجارة القديم لطريق الحرير، الذي ربط بين سلالة هان الصينية والغرب.

المصدر: أسوشيتد برس

إعلان