عصيان واعتصامات.. قمع الاحتجاجات يحرك منظومة العدالة في السودان
يرى المحللون أن وصف القضاة ومستشاري وزارة العدل لما حدث في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي "بالانقلاب" يمثّل حجّة قانونية يمكن أن يستند إليها ويحاجج بها أي شخص، ويسهم في اعتبار كل الإجراءات التي اتخذت منذ ذلك الحين باطلة دستوريا وقانونيا.
الخرطوم- بإصدار رئيس القضاء والقضاة السوداني مذكرة موجهة إلى رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، دخل القضاة إلى جانب الأجهزة العدلية الأخرى دائرة التعامل المباشر مع أحداث العنف والقمع الذي واجهت به الأجهزة الأمنية الاحتجاجات الواسعة في الشارع السوداني منذ إعلان حالة الطوارئ وتعطيل بعض بنود الوثيقة الدستورية، وكانت نتيجتها سقوط أكثر من 70 قتيلا من بين المحتجين والعشرات من الإصابات.
ونفّذ القضاة السودانيون وقفة احتجاجية أمام مبنى رئاسة السلطة القضائية بالعاصمة الخرطوم الخميس، بعد إصدار مجموعة من قضاة المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف ومختلف الدرجات بالسلطة القضائية، بيانا وصفوا فيه السلطة بـ"الانقلابية"، وقالوا إنها خالفت المواثيق والعهود منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالسودان.. خبراء يوضحون أسباب تشكيل مجلس الدفاع قوة لمكافحة الإرهاب
بين يدي الوساطة الأممية.. لماذا فشلت مبادرات القوى السودانية في حلّ الأزمة السياسية؟
جداريات الفقد.. آخر ما خطّه قتلى الاحتجاجات بالسودان على منصات التواصل
وأدان البيان ما اعتبره انتهاكات ضد المتظاهرين العزل، وطالب بوقفها فورا، وتقديم مرتكبيها للتحري الجنائي والعدالة وعدم السماح بإفلاتهم من العقاب.
وطالبت مذكرة القضاة مجلس السيادة ببذل كل ما هو متاح لحماية الشعب وصيانة حقوقه، وأكدت ضرورة الوقف الفوري لكافة أشكال الاعتداءات التي تقع على المحتجين في المواكب والمظاهرات، واتخاذ كافة الإجراءات التي تساهم في حماية المواطنين وحفظ حقوقهم المكفولة بموجب القانون والدستور.
ووصف قاضي المحكمة العليا، عبد الإله زمراوي، الذي استقال في وقت سابق، تسليم رئيس القضاء المذكرة بنفسه لرئيس مجلس السيادة بالسابقة النادرة.
وكتب في منشور له على فيسبوك "رئيس القضاء عبد العزيز فتح الرحمن صاغ المذكرة بنفسه وسلمها لرئيس مجلس السيادة ووقع عليها نيابة عن بقية القضاة، هذه حالة نادرة في تاريخ القضاء السوداني".
القضاة وثورات السودان
وشهد تاريخ السودان مواقف مماثلة للقضاة خلال أنظمة الحكم العسكرية التي أعقبت الاستقلال؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول 1964 دعم القضاة الاحتجاجات الجماهيرية ضد النظام العسكري الذي ترأسه الفريق إبراهيم عبود، عندما خرج قضاة المحكمة العليا معلنين وقوفهم إلى جانب الجماهير وإعلان الإضراب السياسي العام.
كما شهد عهد المشير جعفر نميري العديد من المواقف للقضاة، أشهرها في سبتمبر/أيلول عام 1983، بإعلان "قوانين الشريعة الإسلامية". وقطع عليهم المجلس العسكري المسيرة التي أعلنوا عنها إبان الانتفاضة الشعبية إلى جانب الأطباء والقوى الأخرى، بعد أن تسلم السلطة وأعلن سقوط النظام في 6 أبريل/نيسان 1985.
يقول المحلل السياسي عثمان فضل الله، إن خطوة القضاة توضح أن العنف الذي تمارسه السلطة دخل قطاعات أخرى مؤثرة في دائرة الثورة، وخاصة بعد وصول الأمر إلى القضاة.
وقال فضل الله للجزيرة نت، إن وصف القضاة ومستشاري وزارة العدل لما حدث في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي "بالانقلاب" يمثل حجّة قانونية يمكن أن يستند إليها ويحاجج بها أي شخص، ويسهم في اعتبار كل الإجراءات التي اتخذت في 25 أكتوبر/تشرين الأول وبعده باطلة دستوريا وقانونيا.
انتفاضة الأجهزة العدلية
وكان مستشارو وزارة العدل أعلنوا العصيان المدني في 17 يناير/كانون الثاني الجاري، داخل أروقة الأجهزة العدلية، وتوقفوا عن تقديم الخدمات القانونية لأجهزة الدولة حتى الخميس (20 يناير/كانون الثاني).
وطالب المستشارون برفع حالة الطوارئ وإبطال أثر جميع الإجراءات التي اتخذت تنفيذاً لها. كما طالبوا، في بيان لهم، بالوقف الفوري للانتهاكات ضد المتظاهرين السلميين، بما في ذلك القتل خارج القانون والاعتقال غير المشروع والتعذيب والكشف الفوري عن مرتكبي الانتهاكات.
ودعا مستشارو وزارة العدل إلى البدء فوراً في إجراءات نقل السلطة إلى حكومة مدنية يتوافق عليها الشعب السوداني.
وتوقف وكلاء النيابة العامة عن العمل، الخميس، بصورة مبدئية، ووضعوا كافة الخيارات قيد الدراسة في حال عدم استجابة السلطات لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وقال المستشار القانوني معاذ حسن للجزيرة نت، إن أكثر من 200 وكيل نيابة من مختلف الدرجات أصدروا مذكرة احتجاجية تدين انتهاكات السلطة لحقوق الإنسان، ونفذوا إضراباً عن العمل. وأشار إلى استخدام القوات النظامية للرصاص الحي دون أن يرافقهم وكلاء النيابة أثناء المظاهرات، مما يُعد مخالفة للقانون.
وأدان أعضاء النيابة العامة ما وصفوه بـ"القمع الوحشي" في حق المتظاهرين السلميين، وقالوا، في مذكرة صادرة عنهم، إنه مخالف للمواثيق والأعراف الدولية، وطالبوا قيادات السلطات الأمنية بالتوقف عن الممارسات "الاستبدادية" المخالفة للقانون الجنائي والبعد عن استعداء الشعب.
وأكد أعضاء النيابة على وجوب إخضاع القوات النظامية في تعاملها مع التظاهر السلمي للرقابة والإشراف الفني والإداري للنيابة العامة.
ووصف المحامي والكاتب حاتم إلياس ما يجري بـ"انتفاضة مؤسسات الدولة العدلية" ضد ما أسماه "اختطاف المليشيات لسلطاتها". وقال للجزيرة نت، إن هذه الخطوة تكشف عن سعي تلك الأجهزة لاستعادة دور مؤسسات الدولة السيادية التي أصبحت بمثابة شاهد أخرس على ما يحدث.