راوغت أقوى مخابرات العالم.. قصة "عميلة" اخترقت مراكز القرار البريطاني لمصلحة الصين

أسست كريستين لي علاقات قوية مع السياسيين البريطانيين من مختلف التوجهات، بدءا من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون إلى رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وزعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربن، وغيرهم من عمداء المدن الكبرى والوجوه البارزة في صنع القرار البريطاني.

المحامية البريطانية من أصل صيني "كريستين لي" المتهمة حاليا بالعمل لمصلحة الصين في دوائر صنع القرار البريطانية (مواقع التواصل الاجتماعي)

لندن – اهتزت الأوساط السياسية البريطانية على وقع تحذير غير مسبوق أطلقته المخابرات بشأن سيدة بريطانية من أصول صينية، نجحت في ربط علاقات قوية مع النخبة الإنجليزية، إلا أنها -حسب مكتب المخابرات "إم آي 5" (MI5)- تشتغل لمصلحة الحكومة الصينية، ليس بغرض التجسس ولكن للتأثير في القرار البريطاني لمصلحة بكين.

ووجّه عملاء المخابرات البريطانية تنبيها للبرلمانيين والسياسيين البريطانيين لتجنب التعامل مع المحامية البريطانية من أصول صينية، كريستين لي، بعد أن توصلوا إلى خلاصة مفادها أن السيدة، صاحبة النفوذ القوي في لندن، تشتغل مع الحزب الشيوعي الصيني، وتحاول التأثير على القرار السياسي البريطاني.

وتعدّ قصة هذه السيدة من القصص التي قد تتحول إلى فيلم بوليسي، بسبب قدرة "كريستين لي" على مراوغة المخابرات الأقوى في العالم، وشق طريقها بصمت في قلب مراكز صناعة القرار البريطاني، دون أن ينتبه لها أحد على امتداد سنوات طويلة.

A file photograph shows Thames House, the headquarters of the British Security Service (MI5) in London, Britain October 22, 2015. A former senior British intelligence officer wants to give evidence that the country's security services knew about the torture of inmates at the U.S. prison camp in Guantanamo Bay, a newspaper reported. The former officer is seeking permission to present evidence to a forthcoming parliamentary inquiry that British officials saw detainees being tortured in December 2002, the Sunday Times said on January 24, 2016, quoting senior security sources. REUTERS/Peter Nicholls/files
المقر الرئيس لجهاز المخابرات البريطانية في لندن الذي حذر من التعامل مع كريستين لي (رويترز)

من تكون كريستين لي؟

مباشرة بعد مذكرة المخابرات البريطانية عن أنشطة "كريستين لي" لمصلحة الحزب الشيوعي الصيني، بدأت وسائل الإعلام البريطانية النبش في تاريخ هذه السيدة التي ظلت على مدار أسابيع قليلة معروفة بكونها محامية مرموقة في عاصمة الضباب.

واعتمد الإعلام البريطاني على كتاب "الأيادي الخفية" الذي تناول الجهود الصينية للتأثير على القرار السياسي البريطاني، وسلط الضوء على قصة "كريستين لي".

وحسب الكتاب، فإن المحامية جاءت سنة 1970 إلى أيرلندا الشمالية، وهي في عمر 12 سنة، قبل أن تدرس القانون، ثم تصبح بعد ذلك مالكة لواحد من أكبر مكاتب المحاماة في بريطانيا. وتوصّل كتاب "الأيادي الخفية" إلى أن السيدة "لي" البالغة من العمر 58 سنة هي المستشارة القانونية للسفارة الصينية في لندن.

وأسهمت في تأسيس "المجموعة الصينية لكل الأحزاب"، وهي مجموعة تضم برلمانيين من كل الأحزاب البريطانية، مخصصة للشأن الصيني. وبهذه المجموعة نجحت في ربط علاقات مع عشرات من البرلمانيين، قبل أن تُحل المجموعة سنة 2021 بعد 20 سنة من تأسيسها.

لم يتوقف عمل كريستين لي عن إنشاء مؤسسات تعنى بالتقارب الصيني البريطاني، فقد أسست 16 جهة تشتغل في هذا المجال، لعل أهمها "المشروع البريطاني الصيني" سنة 2006، الذي كان يهدف للترويج للجالية الصينية في بريطانيا.

كريستين لي أسست 16 مؤسسة تعنى بالتقارب الصيني البريطاني (مواقع التواصل الاجتماعي)

المحامية الأكثر نفوذا

في سنة 2019 التقطت عدسات الكاميرات لقطة تحية وسلام وحديث قصير بين كريستين لي والرئيس الصيني شي جين بينغ، في صورة تظهر مدى نفوذ هذه السيدة وبلوغها أعلى مراكز القرار الصيني.

ولم يختلف الوضع في بريطانيا، ففي السنة نفسها تلقّت كريستين لي جائزة تقدير وتميّز من  رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي وصفتها حينئذ "بأنها المحامية ذات الأصول الصينية الأكثر نفوذا في بريطانيا"، وعبّرت ماي عن أملها في نجاح لي بمهمتها في إدماج الجالية الصينية في المشهد السياسي البريطاني.

تيريزا ماي.. تاتشر الجديدة
تيريزا ماي وصفت كريستين لي بأنها المحامية ذات الأصول الصينية الأكثر نفوذا في بريطانيا (الجزيرة)

إغراء المال

عملت كريستين لي على ربط علاقات قوية مع السياسيين البريطانيين من مختلف التوجهات، بدءا من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون، إلى رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وزعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربن، وغيرهم من عمداء المدن الكبرى والوجوه البارزة في السياسة البريطانية.

إلا أن المحامية ركزت جهدها المالي على نواب بعينهم خصوصا من حزب العمال، مثل النائب البرلماني "باري غاردينر" الذي استفاد مكتبه للمحاماة من تبرعات بلغت 700 ألف يورو تقريبا خلال الفترة ما بين 2015 و2020، وخلال هذه الفترة كان هذا النائب من أشد المدافعين عن بناء محطة نووية تموّلها الصين في جزء منها.

وكشف النائب نفسه أنه سبق أن تواصل مع الأمن البريطاني بشأن "كريستين لي" إلا أنهم نصحوه بعدم إظهار أي توجّس أو ريبة منها والتعامل بشكل عادي.

كما قامت المحامية من أصول صينية بتحويل تبرعات بقيمة 7 آلاف دولار لمصلحة "إدوارد دافي" القيادي البارز في الحزب الليبرالي الديمقراطي.

حرب الجواسيس

حسب صحيفة "غارديان" (Guardian) البريطانية، فإن تعامل الأجهزة الأمنية مع التحركات الصينية في لندن تغير بالكامل سنة 2020، عندما أعلنت المخابرات العسكرية "إم آي 6" أن الصين "باتت الأولوية رقم واحد" في نظر أجهزتها.

ويعكس هذا القرار، حسب عدد من الخبراء الأمنيين، مخاوف متزايدة في لندن من اتساع شبكة "العملاء" الذين يشتغلون لمصلحة الحكومة الصينية في بريطانيا.

وتفاعلت السفارة الصينية مع التحذير الذي أطلقته المخابرات البريطانية بنفي أي سعي للتأثير على البرلمانيين البريطانيين، مؤكدة أن الصين "لا تحتاج إلى شراء التأثير على البرلمانيين"، وعبّرت عن رفضها "محاولة إهانة وتلطيخ سمعة البريطانيين من أصول صينية".

المصدر : الجزيرة