صراع سياسي على وقع السلاح.. من يقف وراء استهداف المقرات الحزبية والاغتيالات في العراق؟
مراقبون يرجحون أن تستخدم قوى الإطار التنسيقي الشيعي التهديد بالعنف للحصول على مكان في الحكومة، لكنها لن تصعّد العنف إلى صراع شامل مع الصدر.
بغداد- يشهد العراق هذه الأيام تصاعدا لافتا في استهداف مقرات أحزاب سنية وكردية، وقبلها عمليات اغتيال وهجمات متبادلة استهدفت شخصيات من الحشد الشعبي والكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر. ورغم عدم التوصل للجناة، فإن مراقبين يحذرون من أن تهميش الصدر لقوى شيعية نافذة وعدم إشراكها في الحكومة مقامرة محفوفة بالمخاطر قد تؤدي إلى صراع شامل في البلاد.
وأفاد مصدر أمني في بغداد بأن منزل النائب عبد الكريم عبطان عن "حزب تقدم" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تعرض لهجوم بقنبلة يدوية في منطقة السيدية، كما تعرضت مقرات أحزاب سنية وكردية لهجمات مماثلة أمس الأول الجمعة.
وسارع رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم للتنديد بهذه الهجمات، وحذر -عبر حسابه على تويتر- من أن استهداف مقرات أحزاب وقوى سياسية ينذر بوجود "مخطط مريب" لزعزعة استقرار البلد وتهديد أمنه.
إن استهداف مقرات أحزاب وقوى سياسية ينذر بوجود مخطط مريب لزعزعة استقرار العراق وتهديد أمنه، ونحن إذ ندين ونستنكر بشدة هذه السلوكيات فإننا نشدد على ضرورة عدم مرورها دون محاسبة الضالعين ومن يقف وراءها.
— Ammar Al-Hakim | عمار الحكيم (@Ammar_Alhakeem) January 14, 2022
وقبل ذلك وقعت حوادث أمنية اغتيل فيها قيادي بارز بالتيار الصدري في محافظة ميسان (جنوبي العراق)، وكذلك استهداف منزل قيادي بحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي في محافظة واسط (جنوب بغداد)، وسبقتهما إصابة أحد افراد "الحشد الشعبي" ومقتل زوجته وأطفاله الثلاثة على يد مسلحين مجهولين بالعاصمة بغداد.
ويرى مراقبون أن هذه الحوادث تهديد خطير للسلم المجتمعي، وقد يصل إلى حد المواجهة المسلحة، خاصة مع توقيت حدوثها في عاصفة الصراع على المناصب العليا في الدولة.
تأتي هذه التطورات إثر تفاقم النزاع بين الكتل السياسية في العراق بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتجديد ولاية الحلبوسي لرئاسة البرلمان في عملية تصويت قادتها الكتلة الصدرية بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والتحالف السني المؤلف من كتلتي "تقدم" بزعامة الحلبوسي و"عزم" بزعامة خميس الخنجر، وغابت عنها قوى شيعية بارزة منضوية في ما يعرف بالإطار التنسيقي.
رسائل ملغمة
ويرجح مراقبون أن هذه الحوادث الأمنية تدخل في إطار التصفية والضغط على القوى السياسية الأخرى، لمنعها من الاصطفاف مع طرف على حساب آخر، مشيرين إلى أن قوى الإطار التنسيقي الشيعي قد تستخدم التهديد بالعنف للحصول على مكان في الحكومة، لكنها لن تصعّد العنف إلى صراع شامل مع الصدر.
ويرى المحلل السياسي علي البيدر أن من يقوم بتلك الاستهدافات هو من يمتلك الأذرع المسلحة من أجل إخافة القوى السياسية الفاعلة، لا سيما السنية، ومحاولة جرها نحو جناح سياسي معين وإبعادها عن معادلة الأغلبية السياسية التي يسعى الصدر لتنفيذها، أو على الأقل لبقائها على الحياد من دون الانضمام إلى جهة سياسية على حساب أخرى في مسألة اختيار الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة.
وأشار البيدر إلى أن هذه الهجمات تندرج أيضا ضمن "عمليات تصفية حسابات" واضحة بين الأطراف السياسية، خاصة استهداف التيار الصدري، حسب قوله، موضحا أن الصدر تمكن من كسر الإرادة السياسية لبعض الأطراف الشيعية التي تمثل جماعات مسلحة.
وحذر البيدر من تكرار سيناريوهات سابقة أشد خطورة، لا تقتصر على الاستهداف بين الأطراف المسلحة فقط؛ مما يمثل تهديدا أمنيا كبيرا، وربما سنجد نشاطا لعمليات ينفذها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية عبر هجمات باستغلال التراخي الأمني جراء الصراع، مؤكدا أن الضغط على صانع القرار قد يتخذ أشكالا عدة، منها زعزعة الوضع الأمني.
ويرى المحلل الأمني أحمد شوقي في حديث للجزيرة نت أن عمليات الاغتيال والهجمات سبقتها تهديدات وتغريدات ووعيد من جهة لأخرى وما زالت مستمرة، مشيرًا إلى أن "الوضع السياسي المتشنج وهذه العمليات التي حدثت تعد رسائل شديدة الخطورة بين الأطراف السياسية، وقد تقود في نهاية المطاف إلى صدام حقيقي".
وأوضح شوقي أن خطورة الموقف تكمن في أن الطرفين الشيعيين يمتلكان السلاح والمال والأجنحة العسكرية، ناهيك عن التدخلات الخارجية والمواقف الإقليمية والاستنفار الذي يعيشه الشارع العراقي منذ الانتخابات وما قبلها.
معارضة مؤذية
وكان الصدر اشترط على أطراف الإطار التنسيقي الشيعي -الذي يضم ممثلين للفصائل المسلحة وداعمين لها- نزع سلاح الفصائل وحلها كشرط مهم لدخوله معهم في حكومة توافقية، وهو ما يجده مقربون من التيار الصدري برنامجا حكوميا أثار حفيظة الآخرين، مما دفعهم إلى إرسال تهديدات تسببت في إشكاليات خطرة على العملية السياسية وعلى المجتمع.
وينوه مدير مركز بغداد للدراسات الإستراتيجية مناف الموسوي إلى أن هناك رسائل مخيفة صدرت من أطراف في الإطار التنسيقي، توعدت بالانتقام في حال عدم إشراكهم في الحكومة، مذكرًا بتصريحات عالقة في ذهنه لأحد قادة الإطار قال فيها إنهم سيكونون معارضة مؤذية، وكذلك تغريدات أبو علي العسكري المعروف إعلاميا بأنه المسؤول الأمني لكتائب حزب الله العراقية (إحدى الفصائل المسلحة)، الذي يهدد دائما إذا شكل الصدر حكومة أغلبية وليست توافقية.
ويرى الموسوي أن كل ما يحدث من خروق أمنية وعمليات اغتيال لا يمكن أن يتم إبعادها عما صدر من تلك التهديدات، موضحًا أن عملية الاغتيال لعناصر سرايا السلام التابعة للكتلة الصدرية لا يخلو من إشكاليات مرتبطة بالمشروع الذي طرحه الصدر "لحصر السلاح بيد الدولة وحل الفصائل ومحاسبة الفاسدين"، والتحول بشكل الحكومة إلى الشكل الوطني بدل التوافقية والمحاصصة.
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) January 11, 2022
حوادث أمنية
في المقابل، تستبعد شخصيات مقربة من الإطار والحشد الشعبي أن تكون لتلك العمليات علاقة بمجريات الأحداث السياسية، مؤكدين أن ما يحصل "مجرد حوادث أمنية" تحدث في أي بلد من العالم.
وفي هذا السياق ينوه السياسي المستقل محمد البصري إلى أن الجدال السياسي الشيعي ورغم ما شهدته الجلسة الأولى للبرلمان وانتخاب زعيم "حزب تقدم" محمد الحلبوسي رئيسا له لولاية ثانية ونائبين من الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني، ورفض مخرجاتها؛ فإن ذلك لا يصل لاستخدام السلاح وتهديد السلم الأهلي.
وأكد أن ما حصل من اغتيالات وهجمات لا يتعدى كونه حوادث أمنية واردة الحصول، مشيرا إلى أن سقف التهديدات العالي في بعض الأحيان لن يصل إلى حد الاغتيالات المتبادلة. وعبر البصري عن أمله أن يحال ملف الخلاف السياسي إلى القضاء العراقي الذي يحظى بالثقة.