"معركة الرئيس ضد خصومه".. ماذا تخفي إحالة قيادات أمنية تونسية بارزة للتقاعد؟

Supporters of Tunisian President Kais Saied rally in Tunis
قيادات سياسية اعتبرت قرارات الإحالة الإجبارية للتقاعد جزءا من معركة الرئيس ضد خصومه (رويترز)

تونس – للمرة الثانية على التوالي وفي أقل من شهرين، أحال وزير الداخلية التونسي عشرات القيادات الأمنية العليا للتقاعد الإجباري؛ وسط تساؤلات حول دوافع هذا الإجراء، بوقت حذرت فيه قيادات سياسية مما سمته "توظيف الوزارة سياسيا في معركة الرئيس ضد خصومه".

 

 

أسباب غامضة

ووفق بيان رسمي للداخلية أمس الثلاثاء، فقد تم البتّ في 6 ملفات إحالة للتقاعد الوجوبي، خلال إشراف وزير الداخلية توفيق شرف الدين على أشغال المجلس الأعلى لقوات الأمن الداخلي، دون ذكر أسماء الأشخاص أو سبب اتخاذ هذا الإجراء.

وكشفت وسائل إعلام محلية أنه من بين القيادات الأمنية المحالة على التقاعد الإجباري سفير تونس الحالي في البحرين ومدير عام الأمن الوطني سابقا كمال القيزاني، الذي أثار قرار إحالته أكثر من سؤال في علاقة بوجود صراع "شقوق" داخل محيط الرئيس قيس سعيّد، بالنظر لقرب هذه الشخصية من القصر الرئاسي.

وذهبت نفس المصادر للتأكيد على أن قائمة المشمولين بهذا الإجراء قيادات وملحقين أمنيين ومحافظي شرطة في إدارة الحدود والأجانب مقربين من حركة النهضة ومن حكومة الترويكا سابقا، تم تعيينهم إبان تولي القيادي في حركة النهضة علي العريض مهام وزارة الداخلية.

وسبق أن أحال وزير الداخلية توفيق شرف الدين -في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- نحو 20 قياديا أمنيا على التقاعد الإجباري، شمل مديرين عامين للأمن والحرس الوطني، بينهم فتحي البلدي الذي يخضع حاليا للإقامة الجبرية بعد اعتقاله من قبل السلطات إلى جانب نور الدين البحيري نائب رئيس حركة النهضة.

 

 

تركيع جهاز الداخلية

واعتبر يسري الدالي النائب ورئيس لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح في البرلمان المجمدة أعماله أن قرار وزير الداخلية "يخفي وراءه رغبة واضحة من السلطة الحالية للسيطرة على الجهاز الأمني وإخضاعه للولاء السياسي".

وذهب النائب -في حديثه للجزيرة نت- للتأكيد على أن هذا الإجراء هو بمثابة "عصا غليظة" بوجه الأمنيين لتخويفهم، لا سيما من يعارض أو يتردد في تنفيذ قرارات غير قانونية أو غير دستورية أو مستندة على أوامر شفاهية.

وشدد الدالي على أنه كان قد تقدم سابقا بمبادرة تشريعية لإلغاء قانون الإحالة على التقاعد الوجوبي، باعتباره قانونا غير منصف وتم سنه منذ حقبة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي لأغراض معلومة.

وأقر بأن هذا القانون بات يوظف كأداة لتصفية الإطارات الأمنية التي اشتغلت في الحكومات السابقة، وتم استعماله من قبل عديد الوزراء الذين أشرفوا على الداخلية مثل علي العريض ولطفي بن جدو ومهدي جمعة وأخيرا توفيق شرف الدين.

وشدد الدالي على أنه من بين القيادات المحالة إلى التقاعد الوجوبي من تمت إحالة ملفاتهم على المحكمة العسكرية، في علاقة بملفات تتعلق بقضايا تنصت وملاحقات غير قانونية واختطاف.

رفض وتنديد

قرار الإحالة على التقاعد الوجوبي كان محل رفض وانتقاد من الأمنيين ذاتهم، حيث دانت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل في بيان رسمي بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي هذه الآلية بحق عدد من القيادات الأمنية "دون تمكينهم من حق الدفاع وفي غياب لإحالة ملفات تدينهم قضائيا".

وشددت النقابة على أن هذا الإجراء الذي اعتمد في سنوات سابقة كانت له تداعيات سلبية على المؤسسة الأمنية والأمن القومي وكان عاملا أساسيا في تفشي الإرهاب والجريمة المنظمة والإضرار بالاستقرار العام، وفق نص البيان.

وأشارت النقابة لوجود "مؤشرات حقيقية على تمشي واضح المعالم للهيمنة على المؤسسة الأمنية وتطويعها وتوظيفها في سياق خدمة أجندات خاصة ومصالح ضيقة بما يقوض أسس الأمن الجمهوري".

من جانبه، يرى الأمين العام للاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن الداخلي عماد بلحاج خليفة في حديثه للجزيرة نت أن إحالة إطارات أمنية للتقاعد الوجوبي إجراء يهدف للإفلات من العقوبة في أشخاص أساؤوا للمؤسسة الأمنية وللوطن، داعيا لإحالة ملفاتهم إلى القضاء بدل حمايتهم.

وأقر النقابي الأمني بوجود محاولات من جميع الحكومات والسلطات المتعاقبة لتركيع المؤسسة الأمنية وتطويعها لخدمة مصالحها السياسية، مشددا على حرص جميع الأمنيين على الحفاظ على صورة الأمن الجمهوري المحايد والذي يدين بالولاء للوطن وليس للأشخاص.

وأضاف "كل سلطة سياسية تبحث لها عن موطئ قدم داخل وزارة الداخلية بهدف السيطرة عليها وتعيين شخصيات تدين لها بالولاء وهذا سلوك معمول به منذ الثورة وحتى اللحظة".
ووجه بلحاج خليفة نداء لوزير الداخلية بهدف مراجعة قائمة المحالين إلى التقاعد الوجوبي، معتبرا أن هناك أسماء تم حشرها لأغراض ما، وأخرى وجب إحالة ملفاتها للقضاء لتأخذ العدالة مجراها بحقهم.

المصدر : الجزيرة

إعلان