سؤال وجواب.. ما طبيعة الخلافات بين الكتل الشيعية في العراق؟ وما تأثيرها على تشكيل الحكومة؟
المحلل السياسي العراقي حمزة حداد يرى أن "انتخاب الحلبوسي في اليوم الأول يؤشر إلى أن الصدر إلى جانب تقدّم والحزب الديمقراطي الكردستاني، سيعملون معاً للدفع باتجاه انتخاب مرشحهم لرئاسة الجمهورية واختيار مرشحهم لرئاسة الوزراء".
تطغى تجاذبات سياسية لامتناهية على المشهد السياسي العراقي، بعد المشادات والفوضى التي سادت جلسة البرلمان الأولى التي عقدت بعد 3 أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة، لتزيده تعقيداً وغموضاً، وتجعل مصير الحكومة شبه مجهول.
ماذا حصل ولماذا؟
انعقد البرلمان العراقي في التاسع من يناير/ كانون الثاني بعد طول انتظار، لكن تراكمات الخلافات والتوتر التي تلت إعلان النتائج النهائية، انسحبت على مجلس النواب. فلم تلبث الجلسة أن بدأت حتى اندلعت المشادات، في حين تعرض رئيس الجلسة الأكبر سناً محمود المشهداني لـ"اعتداء"، ونقل إلى المستشفى.
من يملك الكتلة الكبرى
وتقول الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، التي حازت على أكبر عدد مقاعد (73 مقعداً من أصل إجمالي مقاعد البرلمان البالغة 329)، إنها هي من تملك الكتلة الكبرى، ولديها تحالفات مع المكونات السنية، لا سيما تحالف تقدم بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وحليفه تحالف عزم بزعامة خميس الخنجر، والكردية خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.
في المقابل، يصرّ الإطار التنسيقي الذي يضمّ قوى شيعية نافذة من أبرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي (33 مقعدا) وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري (17 مقعدا)، أنه هو من نجح في تشكيل الكتلة الكبرى عبر تحالفات لم يعلن عنها وقدّم "88 اسماً"، كما تقول مصادر في الإطار التنسيقي.
وبعدما توقفت لنحو ساعة، استؤنفت جلسة البرلمان، لكن قاطعها نواب الإطار التنسيقي. انتهت الجلسة بانتخاب الحلبوسي رئيساً للبرلمان (حصل على 200 صوت مقابل 14 صوتا لمنافسه محمود المشهداني، في حين اعتبرت 14 بطاقة اقتراع باطلة) ونائبين له هما حاكم الزاملي من الكتلة الصدرية وشاخوان عبد الله من الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورفعت من دون أن يبتّ رئيس المجلس الجديد بهوية الكتلة النيابية الكبرى التي بيدها تسمية رئيس الحكومة، الممثل الفعلي للسلطة التنفيذية والذي يقتضي العرف أن يكون شيعياً.
ما مصير الحكومة؟
جرت العادة في العراق أن تنبثق الحكومة عن توافق الأطراف الشيعية البارزة، لكن في سابقة، لا يبدو أن ذلك قابل للتحقق في ظل الهوة في البيت الشيعي مع تشديد كل طرف على أن له اليد العليا في تسمية رئيس الحكومة، ويشي إصرار كل من الطرفين بأشهر طويلة من الانتظار أيضاً.
أصرّ الصدر في أعقاب الجلسة الافتتاحية للبرلمان من جديد على "تشكيل حكومة أغلبية"، مما سيشكل انقطاعا مع التقليد السياسي الذي يقضي بالتوافق بين الأطراف الشيعية الكبرى.
في المقابل لم يعترف الإطار التنسيقي بنتائج الجلسة، وقدّم شكوى للمحكمة الاتحادية" على اعتبار أن الجلسة "كانت غير قانونية"، وفق مصادر في الإطار. وتريد القوى الشيعية المنضوية في الإطار تشكيل حكومة توافقية تتقاسم فيها جميع الأطراف المهيمنة على المشهد السياسي منذ عام 2003 المناصب والحصص.
ويشرح المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أن "انتخاب الحلبوسي في اليوم الأول يؤشر إلى أن الصدر إلى جانب تقدّم والحزب الديمقراطي الكردستاني، سيعملون معاً للدفع باتجاه انتخاب مرشحهم لرئاسة الجمهورية واختيار مرشحهم لرئاسة الوزراء".
ويشير المصدر في الإطار إلى أن ترشيح رئيس الوزراء المقبل "مرهون بالكتلة الكبرى… إذا قدم التيار الصدري قائمة من التيار ومعها تواقيع من الحزب الديمقراطي الكردستاني وكتلة تقدم سيكونون هم من يرشح". ويضيف "لكن إذا بقي الأمر محصوراً بالبيت الشيعي فالإطار التنسيقي هو من يرشح رئيس الوزراء المقبل".
ويبدو أن الإطار التنسيقي يتجه إلى تسمية رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، زعيم كتلة دولة القانون وحزب الدعوة، وفق المصدر، وهو اسم لا يمكن للتيار الصدري أن يقبل به نتيجة خلافات قديمة. في المقابل، لم يعلن التيار الصدري عن مرشحه لاستبدال رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي.
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) January 9, 2022
مزيد من عدم الاستقرار
يرى حداد أنه "ما لم يسوِّ الطرفان خلافاتهما، ويتجهان إلى تشكيل كتلة واحدة، وهو أمر ترحب به الأحزاب السياسية الأخرى لتفادي مزيد من النزاع، فمن الصعوبة بمكان أن يسمح واحد من الطرفين للآخر بهدوء بالتفرد في تشكيل الحكومة من دون الطرف الآخر"، العنف بالتالي غير مستبعد في المرحلة المقبلة.
في حال نجح التيار الصدري بتشكيل حكومة أغلبية، أو نجح الإطار التنسيقي بتثبيت نفسه كالكتلة الكبرى، ففي كلتا الحالتين "لن يحاول الطرف الآخر إسقاط الحكومة بالطرق القانونية والسياسية، بل سيصعد بعنف"، كما كتبت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيغل في تغريدة.
ويعتبر حداد أن "الخشية الكبرى تبقى حصول تقاتل بين الفصائل المسلحة، الصدريون يملكون فصيلاً مسلحاً، والأطراف المختلفة في الإطار، لا سيما تحالف الفتح، لديهم أيضاً فصيل مسلح".
ويمثّل "الفتح" فصائل من الحشد الشعبي التي باتت جزءاً من الدولة، وتعدّ 160 ألف منتسب.
ومنذ أن صدرت نتائج الانتخابات، يحاول الفتح، الذي سجل تراجعاً كبيراً في الانتخابات (17 مقعداً مقابل 48 في البرلمان السابق)، الدفع باتجاه إلغاء النتائج. وتظاهر مناصروهم لأسابيع طويلة أمام بوابات المنطقة الخضراء. ووصل التوتر ذروته بمهاجمة مقر إقامة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بـ3 طائرات مسيرة، لم تصدر بعض نتائج التحقيقات المتعلقة به.
في حين لم يحدد موعد جلسة البرلمان المقبلة، لكن الاستحقاق الآن هو اختيار مرشحين لرئاسة الجمهورية، يقتضي العرف أن يكون كردياً، خلال أسبوعين. ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية (في موعد أقصاه الثامن من الشهر المقبل)، الذي عليه أن يكلف رئيسا للحكومة خلال 15 يوما من تاريخ انتخابه، يكون مرشح "الكتلة النيابية الأكبر عددا"، وفق الدستور. واعتبارا من يوم تكليفه يكون أمام الرئيس الجديد للحكومة 30 يوما لتشكيلها.
ويبلغ عدد النساء في البرلمان الجديد 95، في حين كان في البرلمان السابق 75. ويضم البرلمان أيضا كتلتين من المستقلين، الأولى تضم 28 نائبا من حركة امتداد المنبثقة من الحركة الاحتجاجية وحركة الجيل الجديد الكردية، والثانية تضم 9 نواب من كتلة "إشراقة كانون" ومستقلين، ومعظم هؤلاء يدخلون البرلمان للمرة الأولى.