محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي لولاية ثانية.. رجل أعمال براغماتي يجيد اللعب مع الخصوم
الصحفي رياض الحمداني يرى أن الحلبوسي استطاع اختراق مؤسسات الدولة من خلال شبكة العلاقات الواسعة مع الكتل السياسية الفاعلة وقدراته التفاوضية، فضلا عن علاقاته الجيدة مع جميع الدول الإقليمية المجاورة
محمد الحلبوسي أصغر رئيس برلمان عراقي على الإطلاق، وأول من يعاد انتخابه رئيسا للمجلس النيابي للمرة الثانية، وأصغر سياسي عراقي استطاع في غضون سنوات قليلة الدخول لعالم السياسة وحجز مكانة بارزة بالمشهد السياسي.
ويتزعم الحلبوسي تحالف "تقدم" (37 مقعدا) الذي حل ثانيا بالانتخابات البرلمانية بعد الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، ورغم أنه لم يكن معروفا حتى عام 2013 لكنه استطاع خطف الأنظار والظفر برئاسة البرلمان للمرة الثانية في ظل تعقيدات سياسية أعقبت الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsبالفيديو والإنفوغراف.. إليك 4 سيناريوهات مفترضة لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة
نشأته
ولد محمد ريكان حديد علي الحلبوسي عام 1981 في الكرمة بمحافظة الأنبار (غرب) وأكمل تعليمه الأولي بمدينته وفي الرمادي، انتقل بعدها إلى بغداد ليكمل فيها دراسة الهندسة المدنية بالجامعة المستنصرية ويتخرج منها بشهادة مهندس عام 2002، لينضم بعدها إلى نقابة المهندسين ويبدأ العمل في تخصصه.
لم يبتعد كثيرا عن الدراسة حتى عاد إليها لينال شهادة الماجستير في تخصصه من الجامعة ذاتها عام 2006، ويبدأ العمل بعدها في مجال المقاولات العقارية وغيرها من تخصصات البناء، وينضم بعدها إلى اتحاد رجال الأعمال عام 2012. وهو متزوج ولديه العديد من الأولاد.
وبسبب أوضاع الأنبار الأمنية السيئة وعدم استقرار البلاد، كان الحلبوسي في الفترة التي سبقت دخوله عالم السياسة كثير التنقل بين بغداد والعاصمة الأردنية عمّان، حيث وُصِف بالبساطة والطيبة وسرعة بناء العلاقات، وذلك بحسب مقربين منه تحدثوا للجزيرة نت.
نشاطه السياسي
لم يكن أحد يعرف اسمه قبل عام 2014 وهو تاريخ فوزه بمقعد نيابي عن الأنبار لينضم إلى لجنة حقوق الإنسان البرلمانية بين عامي 2014 و2015، ثم عضوا باللجنة المالية بين 2015 و2016 فرئيسا للجنة لعام كامل انتهت عام 2017 عندما استقال من عضوية مجلس النواب لينتخب بعدها مباشرة محافظا للأنبار لعامي 2017 و2018.
ويبدو من خلال مسيرته السياسية أن تقلده منصب محافظ الأنبار عقب استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017 قد مهدت له طريق السياسة في بغداد، وذلك من خلال مباشرته في عمليات إعادة إعمار واسعة لمدن المحافظة وبخاصة الرمادي والفلوجة اللتين تعرضتا لدمار كبير، مما مكنه من كسب شعبية كبيرة.
لم تنته مسيرته فقد عاد نائبا تحت قبة البرلمان مرة أخرى عام 2018 إثر ترؤسه تحالف "الأنبار هويتنا" وتحالفه مع "القائمة العراقية" بزعامة إياد علاوي وترشيحها له لرئاسة مجلس النواب والظفر به بعد تغلبه على منافسين أقوياء مثل خالد العبيدي وأسامة النجيفي، وذلك بحصوله على 169 صوتا من مجموع 298 نائبا حاضرا بجلسة انتخابه في الولاية الأولى.
استمر الحلبوسي في إدارته لمجلس النواب، رغم تحفظات كبيرة لبعض الكتل السياسية عليه، إثر دعمه لمظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019 ومن ثم موقفه وعدم حضوره جلسة للبرلمان أفضت إلى قرار نيابي بإخراج القوات الأميركية من البلاد بعد أيام على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي بغارة أميركية قرب مطار بغداد.
ومع الانتخابات التشريعية الأخيرة، استطاع الحلبوسي من خلال تحالف "تقدم" الذي يتزعمه حصد ثاني أعلى المقاعد النيابية بعد التيار الصدري بحصوله على 37 مقعدا، وبتحالفه واتفاقه مع القوائم المتصدرة وتحالف "عزم" السني بزعامة خميس الخنجر، استطاع الظفر برئاسة البرلمان للولاية الثانية بحصوله على 200 صوت مقابل 14 صوتا فقط لمنافسه محمود المشهداني.
صعوده الصاروخي
أسباب عديدة أفادت الحلبوسي في صعوده السياسي، وذلك بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الموصل محمود عزو، حيث أشار إلى أن من أسباب نجاح الحلبوسي صغر سنه وكونه لا يعد امتدادا للزعامات السياسية السنية التقليدية التي كانت دائما ما تطالب بإعادة إنتاج النظام السابق، مع عدم تأثره بأي أفكار من زعامات البيت السني الذي كان مسيطرا على المشهد لسنوات.
وتابع عزو -في حديثه للجزيرة نت- أن الحلبوسي -من خلال "البراغماتية العالية" للحلبوسي والكاريزما السياسية التي يتمتع بها- أصبح محط أنظار الدول الإقليمية التي اعتقدت منذ أكثر من 3 سنوات أنه من الممكن التعويل عليه لواقعيته في إدارة البيت السني ولم شتاته الذي استمر لسنوات طويلة.
أما عن الأسباب الداخلية والعوامل الشخصية، فيرى عزو أن الحلبوسي أجاد اللعب مع الخصوم بالمال، حيث وظف قدراته المالية بصورة صحيحة في جمع الحلفاء وتشتيت الخصوم على مستوى البيت السني، يضاف لذلك قدراته التفاوضية التي مكنته من الاتفاق مع الأطراف الكردية والشيعية وبما يصب في مصلحته دون أن يكون طرفا في الخلافات الداخلية للأكراد والشيعة، بحسب عزو.
ويتسق هذا الرأي مع طرح الكاتب الصحفي رياض الحمداني -الذي أضاف من جانبه- أن الحلبوسي ورغم قصر تجربته السياسية التي بدأت عامها الثامن للتو، فإنه ومن خلال ماكينته السياسية استطاع تحقيق قبول عال في المناطق السنية من خلال الاستثمارات وإعادة الإعمار وبما يشبه إلى حد ما تجربة إقليم كردستان في النهوض بالمحافظات السنية.
وتابع الحمداني -في حديثه للجزيرة نت- أن الحلبوسي استطاع اختراق مؤسسات الدولة من خلال شبكة العلاقات الواسعة مع الكتل السياسية الفاعلة وقدراته التفاوضية، فضلا عن علاقاته الجيدة مع جميع الدول الإقليمية المجاورة والمتخاصمة على الملف العراقي في آن معا.
وفيما يتعلق بقدرته على إقصاء الزعماء السنة المنافسين، أوضح الحمداني أن للمال مفعولا سحريا استطاع الحلبوسي توظيفه بذكاء، فضلا عن استفادته من تجارب من سبقوه من القادة السنة كطارق الهاشمي وأسامة النجيفي وسليم الجبوري، وعدم تكرار التجارب التي أدت لإقصائهم سياسيا وعدم حصول بعضهم حتى على مقعد نيابي.