هل ستصبح كازاخستان رقعة الشطرنج الجيوسياسية الجديدة لموسكو؟

يقول عضو في المجلس الروسي للعلاقات الدولية إن كازاخستان مرتبطة بروسيا اقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي كان على موسكو -بوصفها دولة قوية- تقديم المساعدة، وعدم التفكير في كيفية تفسير أفعالها.

تعزيزات عسكرية سارعت روسيا لتقديمها لحكومة كازاخستان لاحتواء الأزمة (الأناضول)

موسكو- جاءت الأزمة في كازاخستان لتلقي بالظلال من جديد على البعد الجيوسياسي الذي أصبح يرتبط تقليديا بالاهتزازات السياسية والأمنية التي تحصل في أي من الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي.

وعلى ضوء التنافس الروسي الغربي، واكتمال عناصر حرب باردة جديدة بين المعسكرين، لا سيما بسبب ملفي أوكرانيا وتمدد حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) نحو الشرق، بدأت تتضح في الأزمة الكازاخية ملامح متغيرات تتسم بإعادة اصطفاف سياسي في الفضاء السوفياتي السابق.

وكانت احتجاجات على زيادة أسعار الوقود اندلعت الأحد الماضي في كازاخستان، أكبر دولة في آسيا الوسطى، قبل أن تتحول إلى أعمال عنف ونهب ومواجهات، أعلنت الحكومة على إثرها استقالتها الأربعاء الماضي، وتلاها فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد "بهدف حفظ الأمن العام".

Kazakhstan declares state of emergency as protests surge across country
المحتجون الكازاخيون أضرموا النيران في المركبات واقتحموا المباني الرسمية (الأناضول)

كرة الثلج

وفي أحد أبعادها، تُذكّر الأحداث الدرامية والتصعيد السريع في كازاخستان بمدى هشاشة العديد من الدول التي نشأت على طول محيط روسيا قبل 30 عاما، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

فالأزمة التي جاءت على حين غرة وتطورت إلى الاشتباكات المسلحة في الجمهورية -التي بدت سابقا نموذجا للاستقرار- شكّلت مفاجأة لكل من الكرملين والمراقبين على حد سواء.

إعلان

بيد أن الموافقة السريعة لموسكو على طلب الحكومة الكازاخية بإرسال  قوات حفظ السلام الروسية، في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي لحماية المنشآت الحيوية والبنية التحتية بالجمهورية، تظهر بشكل واضح عدم استعداد الكرملين للسماح بالفوضى في دولة مجاورة ذات أهمية إستراتيجية.

إضافة لذلك، ثمة قلق أيضا على مصير السكان الناطقين بالروسية. وفي المقابل، تظهر تصريحات المسؤولين الروس أن خطر تورط القوات الروسية في الصراع الكازاخي ضئيل للغاية.

في الوقت عينه، يبقى أحد أهم أسباب التدخل العسكري الروسي لصالح الحكومة في نور سلطان، هو التحدي الذي قد ينشأ في حال انهيار أي دولة جارة.

وفي كازاخستان الواقعة بين روسيا وحليفتها الصين، يتمثل هذا الخطر في احتمال تحولها إلى إقليم تنتشر فيه قوى متخاصمة، ومشروع مناهض لروسيا، وأداة لأعمال عدائية ضدها.

في حضن جيوسياسي

تقع كازاخستان في المثلث الجيوسياسي (روسيا،  الصين، العالم الإسلامي). وهي ثامن أكبر دولة في العالم، بمساحة 2.7 مليون كيلومتر مربع.

وتشترك في الحدود مع روسيا والصين وتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزستان، وغالبا ما يطلق عليها الدولة الرائدة في آسيا الوسطى؛ لإمكانياتها من الموارد الطبيعية وعدد السكان وحجم الاقتصاد.

ولطالما اتسمت سياسة كازاخستان بالتعاون متبادل المنفعة مع مختلف مراكز القوة الجيوسياسية (روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة)، وكان لها مواقف محايدة في الملفات الخلافية بين موسكو والغرب.

ولكن تحت تهديد السقوط من قبل المتظاهرين الذين نهبوا ترسانات الأسلحة بعد أن غادرت الشرطة مواقعها، قررت الحكومة -في غضون ساعات قليلة- اللجوء إلى موسكو للحصول على المساعدة، مما استدعى إطلاق آلية المساعدة العسكرية المتبادلة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي.

إعلان

في الوقت نفسه، ترأس الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف مجلس الأمن في البلاد بدلا من الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، الذي توارى عن الأنظار في الأيام الأخيرة، وقرر طواعية -حسب المتحدث باسمه- نقل منصب رئيس مجلس الأمن إلى الرئيس الحالي.

وعلى الرغم من أن معاهدة الأمن الجماعي لا يمكن تفعيلها إلا في حال حدوث عدوان خارجي، وليس لمواجهة متظاهرين، فإن إعلان السلطات وجود "تهديد من إرهابيين بقيادة قوى أجنبية" -لم تحددها- يفسّر السهولة والسرعة التي استجابت بها موسكو والدول الأعضاء في المنظمة لطلب المساعدة العسكرية المفاجئ.

Nur-Sultan amid tightened security following mass protests in Kazakhstan
العاصمة نور سلطان وسط إجراءات أمنية مشددة بعد احتجاجات حاشدة في كازاخستان (رويترز)

مساعدة أم غزو؟

تتفاوت قراءات الأسباب الحقيقية والتداعيات المحتملة لإرسال روسيا قوات حفظ السلام إلى كازاخستان.

فتعتقد الباحثة في العلاقات الدولية تاتيانا كاستويفا أن موسكو لا تستطيع -وخاصة بعد التجربة الأوكرانية- السماح لدولة مجاورة بالغرق في الفوضى أو التعرض لانقلاب، وهي ثالث أكبر جمهورية في الاتحاد السوفياتي السابق، ذات القطاعات الاقتصادية والإستراتيجية المتطورة (النفط والملاحة الفضائية والتعدين)، وكذلك العضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

لكنها تشدد في الوقت نفسه على أنه، نظراً لوجود احتمال بأن ينظر قطاع من السكان المحليين لوجود القوات العسكرية الروسية كغزو، فإن ذلك قد يؤدي إلى أعمال انتقامية ضد جزء من السكان، في إشارة عرقية وثقافية إلى روسيا. وتمثل الأقلية الروسية حوالي خُمس سكان كازاخستان البالغ عددهم 17 مليون نسمة، ومصيرهم مهم بالنسبة لموسكو.

علاوة على ذلك، تعتبر أن وصول القوات الروسية ألغى عمليا نهج الاستقلالية والسيادة (الحياد)، التي التزم بها نور سلطان نزارباييف لمدة 30 عاما، وحاول -من خلاله- الحفاظ على التوازن في العلاقات مع مثلث روسيا والغرب والصين.

إعلان

سيف ذو حدين

ورغم بدء السلطات الكازاخية السيطرة تدريجيا على الوضع، فإن بعض المراقبين يشيرون إلى أن الأمر لن يكون سهلاً، وسيستغرق وقتا، حتى مع وجود قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي بلا شك ستعطي جرعة ثقة للحكومة وقوات الأمن.

في هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول دقة الحسابات الروسية بقرار إرسال القوات، ويعتبر لجوء الحكومة الكازاخية إلى خيار قوات حفظ السلام  سيفا ذا حدين، على ضوء تخوف الغرب من أن غاية موسكو بإرسال أفرادها العسكريين هي زيادة قدراتها الجيوسياسية وتقوية نفوذها بمنطقة آسيا الوسطى.

ولا يستبعد عضو المجلس الروسي للعلاقات الدولية، تيموفي برداتشيف، وجود "واجب أخلاقي" يهيمن على الإجراءات الروسية، إلى جانب الاعتبارات الأمنية الفورية، والمتمثل في الحفاظ على كازاخستان دولة متكاملة ومستقلة؛ فهي على عكس أوكرانيا، لم تتورط في السياسات المعادية لموسكو.

روسيا ترسل قوات حفظ سلام إلى كازاخستان (رويترز)
قوات من حفظ السلام الروسية تتجه إلى كازاخستان (رويترز)

الخطأ غير مسموح

ويقول برداتشيف أن روسيا "لم تكن نائمة" خلال وقبل الأزمة في كازاخستان. ورغم أنها كانت تعرف كل شيء عن أوكرانيا، فإن هذا لم يساعد في منع انقلاب 2014 هناك، وهو ما لا تريد تكراره في كازاخستان.

بالإضافة إلى ذلك، كازاخستان عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وعليه سيكون من الغريب عدم تقديم المساعدة العاجلة، خلافا لما يفعله الأميركيون والأوروبيون الذين عادة ما يكون سقف مواقفهم إعلاميا ويقتصر على الدعوة لضبط النفس، والتعبير عن القلق، من دون أن يفعلوا أي شيء، حسب تعبير المسؤول الروسي.

كما أن كازاخستان، إلى جانب بيلاروسيا، أكثر ارتباطا بروسيا اقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي كان على روسيا بوصفها دولة قوية، تقديم المساعدة، وعدم التفكير في كيفية تفسير أفعالها.

إعلان

عين على أوكرانيا

ويقول برداتشيف إن موسكو قد تكون غير مبالية بمن سيستفيد من وجودها، وإذا ما كانت ستوجَّه اتهامات ضدها، بوصفها قوة نووية ذات تاريخ سيادي.

كما أنه سيكون من المبالغة الكبيرة -برأيه- افتراض أن مشاركتها في الصراع ستتحول إلى "أفغانستان 1979″، بل ستحصل على موطئ قدم في الفضاء الجنوبي الشرقي. وفي الوقت نفسه، لن يصرف ذلك الانتباه عن الأولوية بالنسبة لها، والمتمثلة في أوكرانيا.

المصدر : الجزيرة

إعلان