تصاعد الاحتجاجات وتوسيع صلاحيات الأمن.. إلى أين يمضي المشهد بالسودان عام 2022؟
الخرطوم – على وقع احتجاجات واضطرابات وانقسامات حادة، يستقبل السودانيون العام الميلادي الجديد دون أن تتضح ملامح القادم من أيام في ظل ارتباك وغموض بات السمة المميزة للمشهد السياسي في هذا البلد.
فقد شهدت البلاد سلسلة من الاحتجاجات ضد المكون العسكري، وللمطالبة بالمدنية الكاملة للسلطة نظمتها لجان المقاومة، كتلك التي جرت قبل نحو عامين وأطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، صاحب ذلك كله ترد مريع في الأوضاع الاقتصادية أدى لتبادل اتهامات بين المكونين العسكري والمدني (شركاء سلطة الانتقال) بالتقصير في إنجاز ملفات الاقتصاد والأمن مما أفرز حالة استقطاب حادة بانضمام قادة الحركات المسلحة إلى صف العسكر في مواجهة قوى إعلان "الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالسودان.. لماذا تكررت تسريبات استقالة حمدوك وكيف يراها الشارع؟
أبرز الأحداث على الساحة السودانية عام 2021
مصورو احتجاجات السودان.. الكاميرا مقابل البندقية
وفي 12 سبتمبر/أيلول تم الإعلان عن إحباط مخطط انقلابي على السلطة دبرته قيادات عسكرية، لكن ذلك عمق خلافات العسكر والمدنيين، وبات كل طرف يسارع إلى إخراج الهواء الساخن في المنابر الإعلامية التي تحولت إلى ساحة للاتهامات المتبادلة مما أفرز أجواء محتقنة للغاية عززتها مكونات مدنية اختارت مناصرة العسكر الذين وجدوا دعما من قادة الحركات المسلحة، في حين قام أنصار المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة شرق البلاد بإغلاق الشرق الذي يضم الميناء الرئيسي مطالبين لحل حكومة عبد الله حمدوك وإعلان حكومة عسكرية وإلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام.
ونظم اعتصام قبالة القصر الرئاسي للمطالبة بحل الحكومة وتوسيع الشراكة نتج عنه تكوين تحالف اتهم بموالاة العسكر، يضم مجموعة الميثاق الوطني بقوى الحرية والتغيير، مواز للمجلس المركزي بالائتلاف الحاكم الذي طالته اتهامات بإقصاء قوى سياسية فاعلة وتركيز قرارات الدولة والتحالف الحاكم بيد 4 أحزاب فقط (البعث، الأمة القومي، التجمع الاتحادي، المؤتمر).
فصدع قادة المكون العسكري بمطالبات لتوسيع الحاضنة السياسية وإشراك قوى جديدة في دائرة الفعل السياسي، لكن الائتلاف الحاكم عارض ذلك وصوب اتهامات للعسكر بالميل لصالح قوى حليفة للنظام المعزول، سيما حين لم يحرك ساكنا تجاه إغلاق مجلس نظارات البجا للطرق والموانئ شرق البلاد مما أدى لخنق الحكومة اقتصاديا.
وفي خضم الأزمة الطاحنة بين الشركاء، طرح حمدوك مبادرتين خلال شهر واحد في محاولة منه للملمة الخلافات التي باتت تهدد الشراكة، وفي صبيحة 25 أكتوبر/تشرين الأول أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ مع تنفيذ حملة اعتقالات طالت غالب وزراء الحكومة وأعضاء في مجلس السيادة.
كما وضع رئيس الوزراء رهن الإقامة الجبرية مع تجميد نصوص الشراكة في الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية وهي الإجراءات التي وصفت على نطاق واسع بأنها انقلاب عسكري مكتمل الأركان، في حين خرج البرهان للتأكيد على أنها خطوات تصحيحية لإنهاء سيطرة فئة محدودة والحفاظ على مكتسبات الثورة.
احتجاجات مستمرة
وووجهت قرارات البرهان بغضب من أنصار المجلس المركزي بقوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، لتبدأ موجة احتجاجات عارمة ضد القرارات التي وجدت أيضا رفضا دوليا واسعا، وتكثفت الضغوط على القادة العسكريين للإفراج عن المعتقلين ووقف حملات القمع ضد المتظاهرين السلميين، ليتم التوصل لاتفاق في 21 نوفمبر/تشرين الأول بعد وساطات محلية ودولية، قضى بإعادة حمدوك إلى منصبه لكن دون حاضنته التي أوصلته السلطة حيث نجح البرهان في إقصاء القوى التي كان قد اتهمها بالنفوذ.
وترك الاتفاق لرئيس الوزراء مهمة صعبة بتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية، وهو الوضع الذي عقد الأزمة بعد أن بات حمدوك شريكا "للانقلابيين" في نظر الأحزاب وقسم كبير من الشارع، وفقد بالتالي السند الذي كان يحظى به طوال العامين الماضيين، وباتت أنباء استقالته تتصدر المشهد بما يفرز وضعا غاية في القتامة.
ويرى المفكر والكاتب المحبوب عبد السلام -في حديث للجزيرة نت- أن اعتصام القصر وقرارات البرهان مثلت إلى حد كبير المواجهة بين المجتمع الريفي، الذي تمثله حركات مسنودة بالسلاح ثم المال، وهو لدى الجيش والدعم السريع جميعها -كما يقول- باتت في مواجهة المدينة والمدنية، وهو الوضع الذي يحتاج لتفكيك ومعالجة بالتعرف على كيفية تركيب مكونين مختلفين لصناعة مشروع الدولة الوطنية.
ويشير إلى أن ما حدث طوال الفترة الماضية على يد الأحزاب الأربعة المتهمة بالسيطرة كان عملا سياسيا شاذا أي خارج مركز السياسة السودانية، وأن الحل يكمن في الدفع بالأمور من الأطراف نحو المركز السياسي، وأن يعمل الجميع، بعد الدروس السيئة التي حدثت هذا العام -كما يقول- على وضع رؤية محددة تليها خطة واضحة المعالم.
سيناريوهات مخيفة
ويرجح عبد السلام سيناريو الحرب الأهلية حال فشل مشروع الدولة المتوافق عليها، لافتا إلى دراسة أميركية تحدثت عن أن 21 دولة أفريقية استقرت بعد الاستقلال ومضت خطوات للأمام في طريق الديمقراطية، وانزلقت 19 أخرى في حرب أهلية بسبب الإقصاء الذي يحدث -كما يقول- حين يتم إبعاد مكونات بعينها بتجفيف مصادر قوتها فتلجأ للحرب الأهلية.
ومن وجهة نظر المحلل السياسي علاء الدين بشير فإن حالة الانسداد الراهن تجعل المشهد مفتوحا على احتمالات وسيناريوهات عدة جميعها محفوفة بالمخاطر، لكن الراجح -كما يقول للجزيرة نت- أن يحمل الضغط الثوري المؤسسة العسكرية على اتخاذ قرار المواجهة الحاسم للبرهان وبقية المكون العسكري، باعتبار أن الكرة في ملعبها حيث ظل البرهان يلجأ إليها عقب كل موكب لتنويرها حرصا منه على تماسكها واستمرار تأييدها له.
ويشير إلى أن "المؤسسة العسكرية رأت أيضا المآلات الكارثية للانقلاب العسكري على البلاد وعليها بصورة خاصة حيث حصدت نتيجة له سخطا شعبيا واسعا، وهو أمر مقلق لأي جيش وطني حريص على صورته ومكانته في صدور شعبه، إذ تعد الإرادة الحرة للشعوب واحدة من المحددات المهمة فى مفاهيم الأمن القومي.
ويتابع "لكن ما يصعب هذا الخيار هو تعدد القوى الحاملة للسلاح، وأهمها وأخطرها قوات الدعم السريع التي تدين بالولاء المطلق لمحمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة والتي بينها وبين الجيش النظامي جفوة وعدم ثقة معلومة للشارع السوداني".
عنف وقمع
وفي جانب آخر، ناقش مجلس وزراء حكومة الظل بحزب "بناء السودان" هذه التطورات السياسية ومآلات الراهن، ويقول وزير الصناعة والتجارة محمد طه -للجزيرة نت- إن المشهد متجه نحو التأزم أكثر مع غياب الحلول، وتشير التوقعات لزيادة معدلات العنف واستخدام القوة المفرطة ضد المظاهرات وقمعها على غرار ما حدث بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019.
فالمواكب التي وصلت مرتين محيط القصر الرئاسي ضربت طوقا من العزلة على رئيس الوزراء الذي لم يستطع أن يكبح آلة القمع الأمنية وحقن دماء الشباب الثائر، وهو ما برر به اتفاقه مع قائد الجيش في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، وتم رفضه من تحالف "الحرية والتغيير" والشارع، كما يقول علاء الدين بشير.
معركة عض الأصابع
وقد وضع طوق العزلة حمدوك بين فكي المكون العسكري، وهو الوضع الذي لم يترك له إلا خيار المغادرة حيث أعلن قبل أيام مصدر سياسي مقرب منه عزمه تقديم استقالته، وتجددت ذات التأكيدات عقب اجتماع بينه وقادة مجلس السيادة لبحث استقالته مما يفسر عمليا فشل المساعي المبذولة من عدة إطراف داخلية وخارجية فى إقناعه بالبقاء فى منصبه، وهو ما يعنى واقعيا تحرير شهادة وفاة لاتفاقه مع البرهان.
ويقول بشير إن استقالة حمدوك الراجحة وتصاعد الضغط الجماهيري على المكون العسكري ستقود إلى "لعبة عض أصابع" وأيهما سيصرخ أولا: المكون العسكري الذي يواجه ضغطا ثوريا وشعبيا وعزلة من القوى السياسية الفاعلة، أم الشارع الثوري الجامح الذي ليس لديه ما يخسره وأعلن عزمه التصعيد حتى دحر الانقلاب وإسقاط البرهان وإعادة الجيش الى ثكناته.
وحسب رأيه فقد "بدا واضحا أن المكون العسكري ماض فى خطته القمعية بعد رفض العرض الذي تقدم به للحرية والتغيير لإعادة الأوضاع الى ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول وانسداد الأفق أمامه بإصدار البرهان أمر طوارئ أعطى بموجبه صلاحيات واسعة للقوات النظامية وبينها جهاز المخابرات فى الاعتقال والتفتيش والحجز والرقابة للأفراد والممتلكات.
أما القوى السياسية المختلفة -بحسب المحلل السياسي- فلم تستطع طوال فترة الشراكة استعادة التوازن، وظلت كفة العسكر هى الراجحة. ويتابع "هذه القوى وبعد أن وجدت نفسها عاجزة عن الفعل والمبادرة أو توحيد نفسها كحد أدنى لم يترك لها الشارع فرصة للقيادة سوى أن تظل مرتدفة على مناكب جسارته تنتظر مآلات المواجهة الحاسمة بين المكون العسكري والثوار.