اغتيالات في الضفة.. إسرائيل تسعى لتطويق المقاومة المسلحة واستعادة الردع
جاءت عمليات التصفية لمطاردين فلسطينيين قبيل ساعات من خطاب رئيس وزراء الاحتلال بالأمم المتحدة "وكأنها الحدود التي ترسمها إسرائيل للمرحلة المقبلة بالضفة".
رام الله- في بيت زراعي بين قريتي بيت عنان وبِدّو شمال غرب القدس المحتلة، اغتالت قوات اسرائيلية خاصة، صباح الأحد، 3 فلسطينيين اتهمتهم بالنشاط في حركة حماس، بينهم المطارد المعروف بالمنطقة أحمد زهران. وبالتزامن، قتلت قواتها ناشطا في حركة الجهاد الإسلامي وفتى، قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
وفي الحقول الزراعية حول البيت الذي لجأ إليه زهران ومحمود حمدان وزكريا بدوان، وهم من قرية بدّو، انتشرت بقع كبيرة من الدماء، دون أن يعلن الاحتلال تفاصيل التصفية، في وقت فرض حظرا للنشر على العملية كاملة، وصادر جثامين الشهداء الثلاثة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلأول مرة منذ وصوله للسلطة.. رئيس وزراء إسرائيل يلتقي وزيرين من البحرين والإمارات في نيويورك
منظمة التحرير الفلسطينية: إسرائيل تعزز الاستيطان بـ"المعابد"
عائلة جواد البزلميط.. ربع قرن من الحزن على استشهاده في “هبّة النفق”
في منزل العائلة الحزينة بقرية بدّو، بدا استشهاد زهران متوقعا، إذ بعد اعتقاله 8 مرات في سجون الاحتلال، قرر الشاب، ابن الثلاثين عاما، عدم العودة للسجن مرة أخرى، كما قال شقيقه محمد.
ومنذ 17 يوما خرج زهران من المنزل ولم يعد، بينما حوّل الاحتلال بيوت العائلة جميعها إلى ساحة اقتحامات يومية، واعتقل 9 من أشقائه وأبنائهم، وكذلك زوجته، من أجل الضغط عليه لتسليم نفسه "لكنه رفض، وخاصة أن الاحتلال قد أفرج عنه قبل 7 شهور فقط من الاعتقال الإداري المتجدد" كما تقول عائلته.
وقال شقيقه للجزيرة نت إن أحمد كان يتعرض للضرب والتعذيب من لحظة اعتقاله وحتى وصوله لمراكز التحقيق الإسرائيلية. وخلال اقتحاماته لمنازل العائلة مؤخرا، أبلغ ضباط الاحتلال العائلة بأنهم سيقومون بقتله إذا لم يسلّم نفسه.
وأحمد شقيق الشهيد زهران زهران، أحد نشطاء الذراع العسكري لحركة حماس "كتائب القسام" في منطقة القدس ورام الله، والذي اغتاله الاحتلال عام 1998، وكان قد شارك في عملية خطف الرقيب بالجيش الإسرائيلي "نحشون فاكسمان" في أكتوبر/تشرين الأول 1994، ردا على مجزرة الحرم الإبراهيمي، ومطالبة بالإفراج عن عدد من الأسرى وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، الذي كان معتقلا بسجون الاحتلال حينها.
وإلى جانب زهران، قتل الاحتلال بدوان، الذي كان معتقلا بسجون الاحتلال، وسبق أن استشهد والده عام 2004. وكذلك حميدان الذي أفرج عنه قبل شهرين من اعتقال استمر 6 سنوات. وحسب عائلتيهما، فإن بدوان وحميدان ليسا مطلوبين، وكانا حتى الأمس بمنزليهما.
اغتيل قبل زفافه بشهر
في بلدة برقين غرب مدينة جنين، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد الشاب أسامة صبح بعد إصابته بالرصاص الإسرائيلي. وقالت مصادر محلية إن صبح (22 عاما) أصيب خلال اشتباك مسلّح مع قوات الاحتلال التي حاصرت منزلا تحصّن به مع آخرين. وقالت عائلته إنه كان يتحضر لزفافه نهاية الشهر المقبل.
وذكر محافِظ جنين بالسلطة الفلسطينية أكرم الرجوب أن الاحتلال أبلغ باحتجاز جثمان لشهيد ثانٍ من المنطقة أصيب في اقتحام الاحتلال لبرقين. وأُعلن لاحقا أن الشهيد المحتجز هو يوسف صبح (15 عاما) من بلدة برقين.
من ناحية أخرى، اعترف بيان رسمي لجيش الاحتلال بإصابة ضابط وجندي بجروح "خطيرة" خلال عملية عسكرية استهدفت مطلوبين بمنطقة جنين الليلة الماضية.
وقال الاحتلال إن عمليات التصفية فجر الأحد جاءت ضمن "حملة استهدفت نشطاء ينتمون إلى خلية عسكرية لحماس خططت لتنفيذ عملية إرهابية".
لن تمر بسهولة
وأدانت الرئاسة الفلسطينية اغتيال الفلسطينيين الخمسة. وقالت، في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) إن هذه "الجرائم امتداد لمسلسل الانتهاكات والإعدامات المتواصلة" مؤكدة أن التصعيد "سيؤدي إلى انفجار الأوضاع، وإلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار".
ونعت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الشهداء الخمسة. وقال عضو المكتب السياسي لحماس حسام بدران "الاحتلال يعي أنه يتعامل مع حالة ثورية صعبة في الضفة التي تشكل خاصرته الضعيفة، وكل عمل مقاوم بها يؤثر على أمنه".
وقالت حركة الجهاد الإسلامي في بيان لها إن "الجرائم" التي تستهدف المقاومة المتصاعدة في الضفة لن تفلح في النيل أو الحد من العمل الفدائي.
من ناحيته، قال المتحدث باسم المؤسسة الأمنية بالسلطة الفلسطينية طلال دويكات إن ما حدث صباح الأحد "مجزرة" وأضاف أنه "لن تمر بسهولة".
وتوقع دويكات -في حديث للجزيرة نت- أن تشهد الأيام المقبلة مزيدا من التصعيد الإسرائيلي بالضفة، لكنه أضاف "شعبنا الفلسطيني، بالمقابل، لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الانتهاكات".
ووضع المتحدث تصعيدَ الاحتلال في سياق "هروب إسرائيل من أزماتها الداخلية بارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين، للبحث عن حلول وترميم الصدع في جبهتها الداخلية وخاصة في ظل حكومتها الهشة، وبعد الأزمة الأمنية التي خلقها هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع".
اقتصادي وأمني
برأي محلل الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، فإن سياسة الاحتلال الجديدة بالضفة تسير في مسارين متوازيين، يختص الأول بتقديم تسهيلات اقتصادية للسلطة الفلسطينية بشكل يحيّدها عن التدخل في أي تصعيد.
أما المسار الثاني، والذي عبرت عنه عمليات الاغتيال الأحد، فهو محاربة مظاهر المقاومة المسلحة وخاصة في منطقة جنين، وهي المهمة الأكثر إلحاحا لأجهزة الاحتلال، وفق منصور. والذي قال "المقاومة المسلحة ظاهرة مقلقة، (حيث) تعتقد الأجهزة الإسرائيلية أنه يمكن محاكاتها في مناطق أخرى بالضفة".
وتصف تل أبيب جنين بالمنطقة الخارجة عن حكم السلطة الفلسطينية والخاضعة لسلطة المسلحين (المقاومين). ومنذ شهور الربيع، قتلت نحو 10 مقاومين في حملات مختلفة.
ومن ناحية أخرى، قال منصور إن ترميم صورة الردع الإسرائيلية -التي تآكلت بعد هروب الأسرى من "جلبوع" والحالة المعنوية التي سادت بين الإسرائيليين بالفشل والاختراق الأمني- قد يكون أيضا أحد أهداف هذا التصعيد.
وجاءت هذه الاغتيالات قبل ساعات من خطاب رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت بالأمم المتحدة، وقال منصور "يبدو التصعيد الأمني وكأنه الحدود التي ترسمها إسرائيل للمرحلة المقبلة في الضفة الغربية".