وفاة سيد علي جيلانى.. غياب أقوى صوت كشميري معارض وسط أجواء تصفية القضية

سيد علي جيلاني يقود احتجاجا في سرينغار عام 2006 (رويترز)

نيودلهي – كان الزعيم الكشميري سيد علي شاه جيلاني (92 سنة) -الذي توفي ليلة أمس الأربعاء بمنزله في مدينة سرينغار عاصمة كشمير التي تسيطر عليها الهند- أبرز وجه في قيادة الحركة الانفصالية السياسية التي نادت بالانضمام إلى باكستان.

بوفاته يغيب عن المسرح الكشميري الهندي أبرز صوت معارض لم يعرف عنه اللين والمهادنة منذ انضمامه إلى المعسكر الانفصالي قبل 3 عقود. وكان جيلاني يرأس أحد جناحي "مؤتمر الحرية" الذي انشق سنة 2002 بسبب اتهامات وجهت إلى بعض قادة الحركة بالتآمر سرا مع الهند.

وقد تم إعلان حظر التجول في كل أنحاء كشمير فور وفاة جيلاني، كما قطعت خدمات الإنترنت. وتمت محاصرة الطرق العامة في مختلف مدن كشمير لمنع خروج المواطنين للذهاب إلى سرينغار للمشاركة في مراسم جنازة جيلاني.

واعتقلت قوات الأمن كل من حاول الوصول إلى منزله. بل وصل الأمر بالشرطة أن استولت على جثمان جيلاني وقامت بدفنه قسرا في جوف الليل بمقبرة قريبة من بيته بدلا من مقبرة الشهداء الرئيسية في سرينغار حيث كانت الأسرة تريد دفنه الصباح التالي.

وكان جيلاني يرفض المفاوضات مع الحكومة الهندية إلا لو أعلنت أن كشمير "منطقة متنازع عليها" وسحبت جيشها وأطلقت سراح السجناء السياسيين. وبطبيعة الحال، ظلت نيودلهي ترفض هذه المطالب. وسبق لجيلاني أن رفض اللقاء حتى بوفد من المجتمع المدني وزعماء المعارضة الهنود سنة 2016.

مؤتمر الحرية

وقد نشأ "مؤتمر الحرية" سنة 1993 ليكون مظلة سياسية للحركة الانفصالية التي انطلقت سنة 1989 ردا من الكشميريين على أبشع عملية تزوير لانتخابات المجلس التشريعي لولاية كشمير قبلها بسنتين.

وكان جيلاني حتى ذلك الوقت من الذين يحاولون التغيير من داخل النظام، وانتخب 3 مرات عضوا بالمجلس التشريعي للولاية. إلا أن التزوير الفاضح أوضح له ولآخرين أنه لا يمكن تلبية رغبات الكشميريين بالطرق السلمية، ولذلك بدؤوا الحركة الانفصالية التي قادها "مؤتمر الحرية" كواجهة سياسية.

وكان بعض المرشحين في تلك الانتخابات المزورة ممن قادوا الحركة الانفصالية المسلحة التي قامت سنة 1989 مثل محمد صلاح الدين رئيس حزب المجاهدين الذي يعد أقوى الجماعات الانفصالية الكشميرية المسلحة، ويعيش الآن بالجزء الباكستاني من كشمير.

القوات الهندية تقمع محتجين مسلمين في سرينغار بعد منعها إقامة جنازة جيلاني (الأوروبية)

وكان جيلاني قبل انضمامه إلى "مؤتمر الحرية" رئيسا للجماعة الإسلامية في كشمير. وقد استقال من الجماعة حين تعرض لاعتراضات بسبب تعاطيه السياسي.

وقد انتخب رئيسا للجناح "المتشدد" من "مؤتمر الحرية" سنة 2003 وظل يتقلد هذا المنصب حتى قبيل وفاته. إلا أنه بسبب التضييق الهندي في أعقاب إلغاء الاستقلال الذاتي لكشمير، استقال في يونيو/حزيران من العام الماضي تاركا المسؤولية لنائبه محمد أشرف صحرائي الذي توفي هو الآخر بالسجن أوائل هذه السنة.

وقد استخدم "مؤتمر الحرية" بقيادته أسلوب إقامة المظاهرات الشعبية وإغلاق المحلات التجارية حسب جدول معلن مسبقا، وذلك للضغط على الحكومة الهندية. وكان يقودها جيلاني حتى وهو تحت الإقامة الجبرية في بيته.

قصة الزنزانة

ومنذ انضمامه إلى المعسكر الانفصالي، ظل جيلاني إما مسجونا (15 سنة) أو تحت الإقامة الجبرية في بيته في سرينغار منذ سنة 2008 حتى وفاته. وقد حكى قصة فترات سجنه الطويلة في كتاب له من عدة أجزاء بعنوان "روداد قفص" أي قصة الزنزانة.

وكان جيلاني وجناحه مقربا إلى باكستان إلى أن عارض خطة الرئيس الباكستاني آنذاك برويز مشرف لتسوية القضية الكشميرية وفق مقترحات قدمها من 4 نقاط سنة 2008، وكانت تتضمن تنازل إسلام آباد عن بعض مطالبها في كشمير وإعادة تقسيمها مع الهند.

وقد فقد جناح جيلاني الكثير من أهميته بسبب تخلي باكستان عن تأييده عقب رفضه مقترحات برويز مشرف، إلا أن شعبية جيلاني داخل كشمير لم تتأثر بل ظل أقوى صوت معارض بها.

جيلاني لم يهادن في معارضته رغم سنوات السجن والحصار (رويترز-أرشيف)

غياب جيلاني لن يؤثر كثيرا في المسرح الكشميري وسط الأوضاع الجديدة، لأن الحكومة الهندية قد أسكتت الآن كل الأصوات المعارضة في كشمير بما فيها أصوات الأحزاب العلمانية المؤيدة لنيودلهي، وذلك منذ سنتين في أعقاب الإعلان المفاجئ في أغسطس/آب 2019 بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي الذي يسبغ الاستقلال الذاتي على كشمير، كما قامت الحكومة بإلغاء وضع كشمير كولاية هندية وحولتها إلى "منطقة اتحادية" تحكم مباشرة بواسطة الحكومة المركزية في دلهي.

وقامت الحكومة من فورها باعتقال آلاف السياسيين الكشميريين بمن فيهم المحسوبون على الهند، إلى جانب قطع الإنترنت وخدمات الجوال مدة طويلة. وقد تم الإفراج لاحقا عن بعضهم، إلا أن الغالبية لا تزال مسجونة أو تحت الإقامة الجبرية.

وقد اتبعت الهند سياسة العصا الغليظة مع الحركة الانفصالية ومؤيديها السياسيين بل وحتى مع الكشميريين المؤيدين لنيودلهي، وذلك لأنهم لا يؤيدون الخطوات الهندية الأخيرة الهادفة إلى طمس الهوية الكشميرية.

وكل الانفصاليين والمعارضين مسجونون أو تحت الإقامة الجبرية في بيوتهم منذ سنوات. وقد أقيمت ضدهم وضد أقربائهم الكثير من القضايا بالمحاكم مثل قضية التمرد على الهند وغسل الأموال.

صلاة الغائب على جيلاني بمدينة مظفر آباد عاصمة الجزء الباكستاني من كشمير (الأوروبية)

وقد ظهرت شائعات قبل أيام أن الحكومة المركزية على وشك حظر "مؤتمر الحرية" وإعلانه منظمة "إرهابية" مما يفتح الباب لاعتقال كل من ينتمي إليه أو يساعده بأي طريقة كانت.

ولم تقم الحكومة بنفي هذه الشائعات مما يعنى أنها بالفعل تنوي قريبا القيام بهذه الخطوة التي ستعني أن مجرد عضوية مؤتمر الحرية ستصبح "جريمة" يعاقب عليها القانون. وقد اعتقلت وكالة التحقيقات القومية، المناط بها مكافحة الإرهاب في الهند، حتى الآن 18 من زعماء الحركة الانفصالية بتهمة تمويل الإرهاب.

تصفية القضية

بصورة عامة، قضت حكومة نيودلهي على كل مظاهر الحياة السياسية والمعارضة في كشمير عقب خطواتها الأحادية قبل سنتين.

وتقوم الهند الآن بإجراءات في كشمير كان مجرد التفكير فيها صعبا قبل سنتين ومنها سلخ منطقة لداخ عن كشمير، وإلغاء وضع كشمير كولاية داخل الاتحاد الهندي، وإعطاء التابعية الكشميرية لمئات الآلاف من غير الكشميريين بهدف إحداث تغيير ديموغرافي مصطنع، وفتح الباب للهنود لشراء الأراضي في كشمير، وتوطين أشخاص من خارج الإقليم في مناطق داخله، وإيجاد دوائر انتخابية جديدة في منطقة جامو بهدف إعطاء الهندوس أكثرية مصطنعة في كشمير، وحرمان أي كشميري معارض من الحصول على الوظائف والخدمات الحكومية وحرمانه من جواز السفر الهندي، إلخ.

وهذه الخطوات التي تنفذها الحكومة الهندية بمثابرة وبيد من حديد ستغير خريطة كشمير بصورة تامة ستستحيل معها أية تسوية مع باكستان في المستقبل، بل وستنتهي قضية كشمير نهائيا، إذ لن يبقى هناك أي شيء للتفاوض على أرض الواقع. وهي خطة شبيهة بسياسة سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوضح حقائق جديدة بالأراضي المحتلة التي من المفروض أن دولة فلسطين ستقوم عليها.

وتستفيد الهند في تنفيذ خطتها من عدم اكتراث العالم بقضية كشمير وانشغال باكستان بأفغانستان وبمشكلاتها الداخلية. وتهدف حكومة ناريندرا مودي إلى إغلاق ملف كشمير نهائيا قبل انتخابات سنة 2024 التي قد تؤدي إلى هزيمة حزبه الذي يؤمن إيمانا راسخا بأجندة الحركة الهندوسية السياسية وعلى رأسها حسم قضية كشمير نهائيا لصالح نيودلهي.

المصدر : الجزيرة