بعد مظنة القضاء عليها.. لماذا برزت قضية الهجرة غير الشرعية مجددا بمصر؟

أشخاص يقفون على شاطئ البحر المتوسط بمحافظة البحيرة المصرية لمعرفة مصير ذويهم الذين انقلب بهم قارب هجرة قبالة الساحل- رويترز
الشباب المقبل على الهجرة يعتقد أنه "مقبل على حياة كريمة في أوروبا تحقق طموحاته التي لا يراها قابلة للتطبيق في وطنه" (رويترز)

القاهرة- على أنقاض أحلام مبعثرة ومخاوف من مصير مجهول؛ تسيطر حالة من الأسى على أهالي قرية تلبانة التابعة لمركز المنصورة في محافظة الدقهلية الواقعة شمالي مصر؛ وذلك عقب تداول أنباء غير مؤكدة عن غرق 11 من شباب القرية وفقد نحو 60 آخرين في مياه البحر المتوسط خلال رحلة هجرة غير شرعية كان يفترض أن تقودهم إلى أوروبا مرورا بليبيا.

ومنذ بدء توارد هذه الأنباء قبل نحو أسبوع، وأهالي القرية يتوافدون على مقار الشرطة ومكاتب النيابة العامة للإبلاغ عن غياب ذويهم وفقد التواصل معهم، حيث أشار بعضهم إلى تلقيهم أنباء من منظم الرحلة -الذي يدعى "محمد أبو سمرة" ويعد أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية- تؤكد وفاتهم.

وازداد قلق الأهالي عندما أعلنت وزارة الداخلية المصرية -قبل يومين- عن إلقاء القبض على أبو سمرة بتهمة تسهيل عمليات السفر غير الشرعي، وهو ما دعّم الاحتمال المؤلم بأن الغائبين ربما يكونوا قد أصبحوا في عداد الأموات.

أما على أروقة مواقع التواصل الاجتماعي فانقسم الأهالي بين من اتشحت صفحته بالسواد معلنا وفاة ذويه وبين من تمسك بأهداب الأمل فدخل على صفحات الجالية المصرية بليبيا والمصريين في إيطاليا ليسأل عن حالة ذويه وما إذا كان على قيد الحياة أم لا.

 

 

تفاصيل جديدة

وأظهر مقطع فيديو تداولته جهات رسمية وناشطون ليبيون عددا من المصريين الناجين الذين أنقذتهم السلطات الليبية، ذكروا فيه شهادتهم عن الرحلة التي بدأت من القرية إلى محافظة الإسكندرية ومنها إلى السلوم، حيث ظلوا داخل أحد المخازن ثم انتقلوا إلى مدينة زوارة، حيث تم تخزينهم مجددا بأحد المخازن حوالي أسبوعين قبل تحرك المركب، وفق تصريحاتهم.

وقال أحد الناجين إنه دفع نحو 21 ألف جنيه مقابل هذه الرحلة، مؤكدا على تعرضه مع باقي رفقاء الرحلة للإهانات والضرب من قبل السماسرة.

وأضاف ناج آخر في شهادته أن المركب تعطل بعد ساعتين فقط من السير بهم بسبب عطل المحرك، لينتهي الأمر بانقلاب المركب وغرقها قبل أن تصل قوات السواحل الليبية لتنقذ بعض الركاب، بينما توفي الآخرون.

حالة من الغموض

ولم تعلن أي جهة رسمية في مصر عن عدد الضحايا أو المتغيبين، إلا أن السفيرة نائلة جبر -رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية- ذكرت -في تصريحات تليفزيونية- أن المركب كان يحمل على الأغلب نحو 80 فردا من جنسيات مختلفة، ويُعتقد وفاة 11 شابا مصريا بالفعل، موضحة أن هناك مصريين محتجزين في ليبيا كانوا ضمن الرحلة ولا توجد معلومات لديها عن جهات احتجازهم.

ولفتت إلى تواصلها مع مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية لمعرفة مصير المصريين المهاجرين وطمأنة ذويهم.

 

 

يذكر أن وزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم كانت قد ذكرت -خلال العام الماضي 2020 ومع الإعلان عن مبادرة مراكب النجاة (مبادرة لمكافحة الهجرة غير الشرعية)- أن هناك 11 محافظة اشتهرت باتجاه بعض مواطنيها إلى رحلات الهجرة غير الشرعية في مصر من بينها الغربية والبحيرة والفيوم والمنوفية وكفر الشيخ والقليوبية.

وتقدم النائب حسن ألمير -عضو مجلس النواب عن محافظة الدقهلية- بطلب إحاطة لرئيس الوزراء مصطفى مدبولى ووزيرة الهجرة نبيلة مكرم مطالبا بالكشف عن تفاصيل غرق الشباب المصريين ومصير الشباب الآخرين.

وتحدثت الجزيرة نت إلى الحقوقي وعضو المنظمة الدولية للاجئين أحمد حسن الذي اعتبر أن المشكلة توعوية لكنها أيضا اقتصادية، حيث إن الشباب المقبل على الهجرة يعتقد أنه "مقبل على حياة كريمة في أوروبا تحقق طموحاته التي لا يراها قابلة للتطبيق في وطنه".

وأوضح حسن أن المشكلة بدأت تنمو في مصر منذ عام 2010 بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ومرورا بفترات الانفلات الأمني الذي حدث عقب ثورة "25 يناير" 2011 وما تلاها، لتتضاعف الهجرات غير الشرعية، وهو ما تفاقم في ظل الظروف غير المستقرة والصعبة التي مرت بها ليبيا على مدار الأعوام الأخيرة حيث باتت تعد مركزا للهجرة، بسبب طبيعتها الجغرافية وبعد تشديد الرقابة داخل مصر على السواحل عقب واقعة مركب الموت برشيد في 2016.

ولفت إلى أهمية تغليظ عقوبات على السماسرة بحيث تصل إلى السجن المؤبد والإعدام أيضا كإجراء رادع لتجار الموت وذلك جنبا إلى جنب مع دور الدولة المطلوب في خلق فرص عمل والقضاء على البطالة بالمحافظات التي تشهد زيادة في الإقبال على الهجرة غير الشرعية.

يذكر أن القانون رقم 82 لسنة 2016 ينص على "أن كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط في ذلك يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 200 ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر".

تساؤلات مطروحة

وأعادت قرية تلبانة قضية الهجرة غير الشرعية نحو الواجهة في مصر بعد سنوات عقب الحادثة المعروفة إعلاميا بـ"مركب الموت" والتي وقعت عام 2016 وأسفرت عن وفاة أكثر من 200 مهاجر، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في ذلك الوقت، ليتم الإعلان عن سلسلة قرارات لمنع الهجرة غير الشرعية بدأت بتغليظ العقوبات الموضوعة على سماسرة الهجرة غير الشرعية وإقرار قانون بذلك بعد الواقعة بشهر واحد في 17 أكتوبر/تشرين الأول لعام 2016.

ومنذ ذلك الوقت انخفضت وتيرة الهجرة غير النظامية عبر البحر بصورة ملحوظة؛ إلا أنه وفي المقابل لوحظ تنامي حالات الهجرة عبر حدود مصر الغربية عن طريق المنافذ الحدودية، حيث كانت تعلن وسائل الإعلام المصرية بين الحين والآخر عن حوادث وفاة لمهاجرين غير شرعيين توفوا خلال رحلتهم في الدروب الصحراوية الفاصلة بين مصر وليبيا، بالإضافة إلى حوادث أخرى لمصريين حاولوا عبور البحر المتوسط انطلاقا من سواحل ليبيا، وهو ما يطرح تساؤلات خصوصا في ظل تصريحات القاهرة المتتالية حول جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية.

 

 

المحلل الأمني اللواء محمد عبد الفتاح، يفسر ذلك بأن ليبيا تعد نقطة أقرب لأوروبا عبر البحر وتعد حاليا الوجهة المفضلة لأغلب رحلات الهجرة غير الشرعية من الجنسيات المختلفة وليس مصر فحسب، خصوصا مع وجود حالة من عدم الاستقرار هناك، وهو الأمر الذي يفسر زيادة تدفق سفن المهاجرين بين الحين والآخر واتجاه الاتحاد الأوروبي للتعاون مع السلطات الليبية لمواجهة تدفق المهاجرين، لافتا إلى وجود سبب آخر هام وهو قرب سواحل ليبيا من إيطاليا على وجه الخصوص.

ولفت عبد الفتاح إلى أنه مع تشديد الرقابة على السواحل المصرية لم يعد المهاجرين يبحثون عن السفر إلى أوروبا عبر مناطق في شمال مصر مثل رشيد أو برج مغيزل أو أبو قير بالإسكندرية، وهي الأماكن التي كانت تخرج منها في المعتاد رحلات المراكب بينما يتجهون حاليا عبر ليبيا وأحيانا ما ينجح البعض منهم، نظرا لطول الحدود المصرية الليبية التي تصل إلى 1050 كيلومترا والتي يصعب متابعتها أمنيا بشكل كامل.

جهود حكومية

وأعلنت مصر على مدار الأعوام الأخيرة عن جهود لمواجهة ملف الهجرة غير النظامية بجانب تشديد الإجراءات على المنافذ الحدودية وهو ما سبق أن أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يناير/كانون الثاني 2018 عندما أكد أنه لا توجد هجرة غير شرعية من مصر لأوروبا منذ سبتمبر/أيلول 2016.

التصريح ذاته كرره السيسي منذ نحو 4 أشهر بحوار له مع صحيفة "دي فيلت" (Die Welt) الألمانية في 24 أبريل/نيسان الماضي؛ مؤكدا أن حكومته منعت المهاجرين من التسلل إلى أوروبا بشكل غير قانوني، قائلا "نحن لا نطالب بأي شيء في المقابل من أوروبا نحن لا نفكر حتى في استخدام ذلك في ابتزاز سياسي أو اقتصادي"، ومطالبا بالوقت نفسه دول أوروبا بخلق آفاق اقتصادية بمصر، حيث يدخل أكثر من مليون فرد لسوق العمل سنويا.

يذكر أن وزارة الهجرة كانت قد أعلنت تطبيق مبادرة رئاسية تحمل اسم "مبادرة مراكب النجاة" منذ عام 2019، حيث تم تخصيص 250 مليون جنيه ضمن إستراتيجية 2016-2026، لمكافحة الهجرة غير الشرعية في 70 قرية على مستوى الجمهورية المصرية، وهو الأمر الذي لاقى إشادة من الإعلام المحلي وقتذاك.

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة