تعليق الدستور أو تعديله.. هل يتراجع قيس سعيّد أمام القلق المحلي والدولي؟

على ضوء عدم تشكيل حكومة جديدة واستمرار تجميد البرلمان، عبّر السيناتور الأميركي كريس مورفي، خلال لقائه بالرئيس سعيد، عن قلق بلاده من تواصل الأزمة السياسية، وحذّر من أنها ستحول دون مواصلة المساعدات الأميركية

الرئيس التونسي قيس سعيّد (يمين) يستقبل مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في قصر قرطاج بالعاصمة (الفرنسية)

تونس- لا تبارح الأزمة السياسية في تونس مكانها، في ظل غموض مصير البرلمان المعطّل والدستور والنظام السياسي برمته. في وقت يرى مراقبون أن تصريحات الرئاسة، بهذا الخصوص، تعمّق القلق الدولي والمحلي.

وتصاعد القلق الأيام الأخيرة بعد تصريح وليد الحجام (مستشار الرئيس) عن توجه الأخير نحو تغيير النظام السياسي، وقال إن الدستور الحالي بات عائقا أساسيا يفترض تعليقه.

وخلّفت تصريحات مستشار الرئيس جدلا واسعا بين الأوساط السياسية، دحضَها سعيد مساء السبت، مجدّدا حرصه على احترام الدستور. لكنه لم يستبعد إدخال تعديلات عليه، وفق بيان للرئاسة.

تغيّر المواقف

ويقر رئيس حركة أمل، أحمد نجيب الشابي، بوجود حالة من التردد وعدم الاستقرار في الموقف داخل مؤسسة الرئاسة، مبيّنا أن عدم قيام الرئيس بأية إجراء تنهي الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، يؤكد "المأزق" الذي يعيشه.

وشدد الشابي، للجزيرة نت، على أن القلق من استمرار الغموض السياسي، وصل مداه لأصدقاء تونس بالخارج، الذين عبروا صراحة عن ذلك، لافتا لوجود تطور بمواقف الأحزاب والمنظمات الوطنية نحو نقد المسار الذي ذهب إليه سعيّد.

وكانت أحزاب سياسية سبق لها أن ساندت إجراءات الرئيس المعلنة في 25 يوليو/ تموز الماضي، ومنها التيار الديمقراطي وحزب التكتل، نشرت منذ أيام بيانات حذرت خلالها الرئيس من مغبة الذهاب نحو تعليق العمل بالدستور.

وفي تصريح صحفي، انتقدت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو عدم وجود خطة وسعي جدي من الرئيس لتفكيك منظومة الفساد. واعتبرت أن المشكلة لا يكمن في النظام السياسي، بل في منظومة الحكم الفاسدة، وهي التي سبق أن وصفت إجراءات الرئيس بـ "التاريخية".

 

 

بدوره، النائب عن حركة الشعب خالد الكريشي، والتي تعد أبرز الأحزاب المساندة للرئيس، تحدّث عمّا وصفها بـ "بوادر أزمة" في إشارة إلى رغبة الرئيس في تعديل الدستور.

وأضاف الكريشي في تدوينة خاصة "هل تعلم سيد الرئيس أنه حتى يكون تعديل الدستور دستوريا ومطابقا للشرعية الدستورية، يجب أن يكون هناك مجلس نواب مضطلع بكامل مهامه، ومحكمة دستورية كاملة التركيبة".

على صعيد متصل، ندد حزب التكتّل، والذي سبق أن وصف إجراءات 25 يوليو بأنها "لحظة فارقة" من مغبّة توجّه الرئيس نحو تعليق العمل بالدستور، وتركيز نظام "رئاسوي" (رئاسي). وذكّر الحزب، في بيان رسمي، الرئيس بما التزم به من احترام للدستور والعمل في إطاره.

ولم يخرج أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي عن حالة الإجماع المحذّرة من مغبة تواصل الغموض حول مصير البلاد، ودعوة الرئيس لضبط أولويات المرحلة المقبلة.

ودعا الطبوبي، خلال إشرافه على اجتماع  للمنظمة العمالية، إلى ضرورة  تشكيل حكومة في أسرع وقت، ثم الذهاب نحو انتخابات تشريعية مبكرة، والنظر بعدها في تغيير نظام الحكم.

عريضة شعبية وقلق دولي

وتداول نشطاء عريضة شعبية إلكترونية، موقّعة من مئات الشخصيات السياسية والفكرية والقانونية والحقوقية، عبروا خلالها عن تمسّكهم بدستور الثورة، ورفضوا "محاولة للالتفاف عليه، والخروج عنه، والانقلاب على مضامينه".

من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن الزيارات واللقاءات المتتالية لوفود أجنبية بالرئيس سعيد تعكس حالة القلق الغربي من غياب رؤية واضحة لديه حول مستقبل الديمقراطية في البلاد.

وكان بيان مشترك لسفراء مجموعة الدول السبع الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان) دعا الرئيس التونسي إلى سرعة العودة للنظام الدستوري، وتعيين رئيس حكومة، واستئناف عمل البرلمان.

ونشر موقع "ذي إنترناشونال" مقالا تحدّث عن توجه واشنطن لخفض المساعدات أو قطعها عن تونس، في حال استمر الوضع السياسي كما هو عليه، وفي ضوء عدم مضي الرئيس نحو تشكيل حكومة ورفع التجميد عن البرلمان.

وتحدث كاتب المقال عن نقل السيناتور الأميركي كريس مورفي، خلال لقائه بالرئيس سعيد، قلق بلاده من تواصل الأزمة السياسية، ومن أنها ستحول دون مواصلة الكونغرس تقديم مساعداته.

وأشار، في السياق ذاته، إلى أنّ "مجلس النواب الأميركي وافق على طلب إدارة بايدن تقديم مبلغ 197 مليون دولار مساعدات لتونس، ضمن مشروع قانون المساعدات الخارجية".

وتابع "التصويت حدث بعد يومين فقط من حل سعيد للبرلمان، ومنذ ذلك الحين، استمرت الولايات المتحدة في فقدان صبرها خاصّة بعد تعزيز الرئيس سلطته بتفعيل الفصل 80 من الدستور".

وتوقع المصدر ذاته بأن يصوّت مجلس الشيوخ الأميركي، خلال الأسابيع المقبلة، على نسخته الخاصة من مشروع قانون المساعدات الخارجية، وهو ما قد يمنح السيناتور مورفي فرصة كبيرة لإقناع زملائه بالمجلسين، بقطع المساعدات لتونس، ما لم يعيّن سعيد رئيس الوزراء المكلف.

سيارتا شرطة وجيش تغلقان مدخلا جانبيا للبرلمان التونسي عقب قرارات سعيد بتجميده قبل شهرين (الأوروبية)

يُشار إلى أن بيانات أحزاب تونسية، على غرار حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحزب العمال والحزب الجمهوري وحزب التكتل وحراك تونس الإرادة، والدستوري الحر، أجمعت على رفضها المطلق تعليق العمل بالدستور، محذّرة من مغبة إقدام الرئيس على هذه الخطوة.

المصدر : الجزيرة