إسرائيل تعتقل 4 أسرى فارين.. هل نجح التضييق الأمني بإبعادهم عن الحاضنة الشعبية الفلسطينية؟

سجن جلبوع الذي فر منه الأسرى على الرغم من الحراسة المشددة (الفرنسية)

القدس المحتلة – في الوقت الذي التزمت إسرائيل الصمت لمدة 5 أيام وفرضت حظرا على نشر التحقيقات بشأن هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع أحكمت قبضتها الأمنية والعسكرية على منطقة جنين المتاخمة لحدود 4 يونيو/حزيران وبيسان باتجاه الحدود الأردنية ومرج ابن عامر حتى مشارف الناصرة.

وخلال التمشيط والملاحقات والتفتيش عن الأسرى الستة أفضى الغموض الذي خيم على الوضع طوال 4 أيام إلى اعتقال الأسيرين محمود عارضة ويعقوب قادري عند جبل القفزة قرب الناصرة، ثم اعتقال الأسيرين زكريا الزبيدي ومحمد عارضة قرب بلدة الشبلي في سهل مرج ابن عامر.

وسعيا من إسرائيل لتأطير صورة انتصار وهمية واحتواء تداعيات الانتكاسة في جلبوع وللتقليل من الإنجاز الذي حققه أسرى "نفق الحرية" تواصل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية البحث عن الأسيرين مناضل نفيعات وأيهم كممجي، إذ تقدر الأجهزة الأمنية أنهما انفصلا عن بعضهما، وأن أحدهما على الأقل يوجد في الضفة الغربية.

انتصار بطعم الهزيمة

خرجت إسرائيل عن صمتها في معركة تم وصفها من قبل محللين إسرائيليين بـ"انتصار بطعم الهزيمة"، فيما عمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى التهويل من الملاحقات وأعمال التفتيش والظروف الأمنية والترويج للمعلومات الاستخباراتية التي أفضت إلى محاصرة ورصد تحركات الأسرى الستة في منطقة سهل مرج ابن عامر.

إعلان

وفي محاولة لزرع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني زعم محللون عسكريون إسرائيليون أن الأسرى الذين حرروا أنفسهم لم يحصلوا على دعم ومساعدة خارجية أو على دعم وحاضنة شعبية من فلسطينيي الـ48.

وأفاد رون بن يشاي المحلل العسكري للموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت بأن بلاغا من عائلة عربية للشرطة ساهم باعتقال الأسيرين محمود عارضة ويعقوب قادري قرب الناصرة، فيما تم العثور على الأسيرين زكريا الزبيدي ومحمد عارضة قرب الشبلي بواسطة قصاصي أثر من قوات الاحتياط التابعة للجيش الإسرائيلي، في إشارة إلى العرب الذين يخدمون بهذه الوحدة.

وأوضح المحلل العسكري أن الأسرى الستة لم يتلقوا مساعدة من الخارج، بالإشارة إلى المواطنين العرب في مرج ابن عامر، مبينا أن إحكام الحصار على جنين، والانتشار الأمني غير المسبوق في البلدات العربية داخل الخط الأخضر، والوجود المكثف لقوات الأمن بزي ودوريات مدنية صعّب المهمة على الأسرى بالتنقل والتحرك والدخول إلى بلدات عربية أو حتى إلى الضفة الغربية.

رصد مسار الأسرى

وجاءت تلك المزاعم مع أن كاميرات مراقبة التي صادرتها الشرطة الإسرائيلية وثقت دخول الأسرى الستة فور تحرير أنفسهم مشيا على الأقدام إلى بلدة الناعورة في مرج ابن عامر، حيث دخلوا مسجد القرية للاستحمام وتبديل ملابسهم وتزودوا بالماء والغذاء من أحد المخابز، وتم اعتقال 5 أشخاص للتحقيق بدعوى تقديم المساعدة للأسرى.

وبعد رصد مسار التحرك الأولي للأسرى الستة وتوجههم إلى منطقة الناصرة والجليل الأسفل رغم تفرقهم إلى 3 مجموعات فرضت قوات الأمن الإسرائيلية حصارا وإجراءات مشددة على قرى مرج ابن عامر ونصبت حواجز شرطية على مداخل البلدات العربية والطرقات الرئيسية.

وحالت الإجراءات المشددة والتضييق الأمني الإسرائيلي دون تقدم الأسرى الستة وتحركهم نحو الضفة أو الحدود الأردنية أو حتى الدخول للبلدات العربية، الأمر الذي شكل عائقا دون إمكانية حصولهم على مساعدة خارجية، فيما كان وصولهم إلى الحاضنة الشعبية الفلسطينية بالداخل مهمة شبه مستحيلة.

إعلان

دائرة التنقل للأسرى

وبغية إحكام الحصار على تنقل الأسرى ومنعهم من التحرك نحو غور الأردن والحدود الأردنية أو منطقة وقف إطلاق النار بالجولان السوري المحتل، أوضح المحلل العسكري بن يشاي أن الآلاف من رجال الشرطة وعناصر الاستخبارات والجيش الإسرائيلي شاركوا في أعمال البحث والتفتيش عن الأسرى الستة في السهول والجبال والمناطق الحرجية في مرج ابن عامر، وذلك لتضييق دائرة تنقلهم وعزل تحركاتهم عن المناطق السكنية.

وتحت طائلة أمر حظر النشر الصادر عن محكمة الصلح بالناصرة بعد ساعات على عملية سجن جلبوع حولت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية البلدات العربية في مرج ابن عامر ومنطقة الناصرة وأم الفحم إلى ثكنة عسكرية.

ولعزل الأسرى عن الحاضنة الشعبية الفلسطينية بالداخل وللتيقن من عدم حصولهم على أي دعم ومساعدة عربية انتشر الآلاف من عناصر أجهزة الأمن في بلدات الناعورة وطمرة الزعبية وإكسال وسولم والمقيبلة والشبلي والناصرة وأم الفحم وزلفة، وقاموا بمداهمة بعض المنازل وتفتيش عدة مساجد وتنفيذ اعتقالات وإخضاع بعض السكان لتحقيقات ميدانية.

إخفاقات مصلحة السجون

وفي مؤشر على بداية التناحر الداخلي بإسرائيل والانتقادات وتبادل التهم على خلفية الفضيحة رغم إلقاء القبض على 4 أسرى، كتب إيتسك سبان مراسل شؤون الشرطة في صحيفة "إسرائيل اليوم" مقالا تحليليا بعنوان "إن القبض على الأسرى الهاربين أمر مثير للإعجاب بالفعل، لكن يجب ألا ننسى الفشل الذي أدى إليه".

وأوضح سبان أن من يبحث عن صورة انتصار في إسرائيل بإلقاء القبض على 4 أسرى سيكون من الصعب عليه تحقيق ذلك، مشيرا إلى أن المجتمع الإسرائيلي يواجه صعوبة في تحرير نفسه من فكرة التباطؤ والتقاعس والإخفاقات التي لا يمكن تصورها للحراس والسجانين والضباط في سجن جلبوع الذين فشلوا فشلا ذريعا ومدويا في أداء مهامهم.

إعلان

وأضاف "علينا التيقن من أن إخفاقات مصلحة السجون وهروب الأسرى لن يتكررا مستقبلا".

عناصر من وحدة مكافحة الإرهاب يشاركون في أعمال البحث عن الأسرى الستة في سهل مرج ابن عامر، قرب شجن "جلبوع".
عناصر من وحدة مكافحة الإرهاب يشاركون في أعمال البحث عن الأسرى في سهل مرج ابن عامر (الصحافة الإسرائيلية)

صورة انتصار وهمي

بدوره، وصف الأسير المحرر أمير مخول مشاهد اعتقال الأسرى الأربعة بـ"صورة مؤلمة"، مضيفا أنها مع ذلك "ليست صورة انتصار إسرائيلي، بل سيبقى إخفاق مؤسستها الأمنية يدوي أمام الإرادة الحرة"، ومؤكدا أن حلم الحرية هو حلم الشعب الدائم والواعد.

وفي ما يتعلق بصمت الإعلام الإسرائيلي وتعمده اعتماد معلومات مضللة وترويجه روايات التحريض على فلسطينيي الـ48 بعد اعتقال الأسرى الأربعة، قال مخول عبر موقع فيسبوك إن "الإعلام الإسرائيلي هو إعلام حرب وأداة حرب، وروايته استعمارية تهدف للنيل من معنويات شعبنا، جدير التشكيك في كل ما ينطق به".

وخلافا للرواية الأسيرة التي تبحث عن مشهد انتصار وإنجاز للمؤسسة الأمنية، يقول مخول "لن تنحفر صورة في الوجدان الفلسطيني ولا في الإخفاق الإسرائيلي كما هي صورة فتحة نفق الحرية".

وبشأن المزاعم الإسرائيلية أنه لم تتوفر للأسرى الستة حاضنة شعبية ودعم خارجي خلال فرارهم، أوضح مخول أن المسعى الإسرائيلي الحالي هو تدمير معنويات الشعب الفلسطيني، وزرع الشك والشق بين مكوناته في الداخل الفلسطيني وفي الضفة الغربية وقطاع غزة.

وخلص إلى القول "القوات والمنظومة الأمنية التي استخدمتها إسرائيل في الأيام الأخيرة تضاهي آلة حرب واحتلال متكاملة مقابل 6 محررين، إرادة الشعب ومعنوياته هي مساحة الشعب الحرة والمحررة، ومسؤوليتنا أن نصونها".

المصدر : الجزيرة

إعلان