أبرزها منابع النيل.. تداعيات انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي على مصر

أكاديميون يرون أن توسع النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا ولاسيما في منابع النيل يعد تهديدا للساحة الخلفية التي تعتبر الامتداد الحيوي لأمن مصر القومي

صورة نشرتها الصحافة الإسرائيلية للقاء بنيامين نتنياهو بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نيويورك في 19 / 9 / 2017 http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5018516,00.html
لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو (الصحافة الإسرائيلية)

القاهرة – بعد نحو عقدين من المساعي المتكررة، تمكنت إسرائيل من الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي بصفة "عضو مراقب"، وذلك بعد أشهر من تطبيع وعودة العلاقات مع دول أفريقية بعضها عربية، ما أثار تساؤلات حول تداعيات التغلغل الإسرائيلي بالقارة السمراء على حساب مصر، والتي تعد امتدادا حيويا وجيوإستراتيجيا لها، في ظل أزمة سد النهضة الإثيوبي.  

وسبق لإسرائيل أن حصلت على صفة مراقب في منظمة الوحدة الأفريقية، قبل حل المنظمة عام 2002 واستبدال الاتحاد الأفريقي بها، حيث جرى إحباط محاولات عدة لاستعادة هذه الصفة، في وقت تنظر فيه إسرائيل منذ تأسيس الحركة الصهيونية -أواخر القرن الـ19- للقارة باعتبارها امتدادا ممكنا.

وسبق أن تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرييل شارون -وقت أن كان وزيرا للدفاع في بداية الثمانينيات- تصورا للمجال الحيوي الإسرائيلي، يشمل بالإضافة إلى الدائرة الأولى التقليدية لدول المواجهة، الدول الواقعة وراء دول المواجهة، والتي قد تشكل خطرا على إسرائيل، ومنها أفريقيا وبشكل خاص الشمال الأفريقي وأفريقيا الوسطى.

ووفق الأدبيات الإسرائيلية أيضا، فإن هناك أهمية في توطيد العلاقات مع أفريقيا جنوب الصحراء وعلى رأسها إثيوبيا وإريتريا؛ نظرا لسيطرة الدولتين على منابع النيل، وهو ما يخلق نوعا من التوتر مع مصر يمكن استغلاله مستقبلا.

وفي تصريحات للجزيرة نت، اتفق محللان سياسيان، على خطورة انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي وتغلغلها على حساب القاهرة في القارة على الأمن القومي، فيما ذهب ثالث بالقول إن مصر لا ترى في إسرائيل خطرا.

التوغل الإسرائيلي في أفريقيا

  • تقيم إسرائيل -وفق تقارير عبرية- علاقات مع 46 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، وأعادت العلاقات مع غينيا عام 2016 ومع تشاد عام 2019، قبل أن تعلن التطبيع مع المغرب والسودان قبل أشهر.
  • وفي 22 يوليو/تموز الماضي، قدّم السفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا أليلي أدماسو، أوراق اعتماده كمراقب في الاتحاد الأفريقي (يضم 55 عضوا) إلى رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي (تشادي الجنسية)، في مقر المنظمة بأديس أبابا، في خطوة قابلها اعتراض كبير.
  • الثلاثاء، وجهت سفارات مصر والجزائر وجزر القمر وتونس وجيبوتي وموريتانيا وليبيا -المندوبيات الدائمة لدى الاتحاد- مذكرة شفهية لفكي، تؤكد فيها اعتراضها على قرار قبول إسرائيل عضوًا مراقبا في الاتحاد.
  • عقب الإعلان عن الانضمام، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، إنه "يوم احتفال بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية"، معتبرا أن ذلك "يصحح الوضع الشاذ الذي كان قائما منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، ويساعد في تعزيز أنشطة بلاده بالقارة والدول الأعضاء في المنظمة".
  • تاريخيا وحتى منتصف القرن الماضي، لم يكن هناك نشاط ملحوظ لإسرائيل في أفريقيا، لأن غالبية دول القارة لم تكن مستقلة، إضافة إلى الحروب مع مصر وبقية الدول العربية.
  • وصل نشاط إسرائيل بالقارة ذروته عام 1967، بعد أن كثفت علاقاتها الدبلوماسية مع العديد من الدول، ليرتفع عدد بعثاتها من 6 إلى 23 بعثة بحلول عام 1962، ما انعكس على المساندة الأفريقية لإسرائيل في مواجهة العرب بالأمم المتحدة.
  • بعد حرب يونيو/حزيران عام 1967 تراجع النشاط الإسرائيلي في أفريقيا، كما قطعت جميع دول أعضاء منظمة الوحدة عدا 4 دول علاقاتها بإسرائيل بعد حرب 1973، دون أن يؤثر ذلك على العلاقات التجارية.
  • هيأت اتفاقية السلام مع مصر عام 1979 لإسرائيل ظروفا أفضل للحركة في الممرات الدولية خاصة في البحر الأحمر، إضافة إلى إمكانية كسر العزلة على المستوى الأفريقي.
  • مثَّل مؤتمر مدريد لإحياء السلام عام 1991، بداية الهرولة الأفريقية نحو إسرائيل.
  • نجحت إسرائيل عام 2002 في استعادة علاقاتها مع 45 دولة أفريقية على مستويات دبلوماسية مختلفة، بما فيها دول حوض النيل والقرن الأفريقي، عدا السودان والصومال وجيبوتي وتشاد وبعض الدول المغاربية، آنذاك.
  • رغم إحباط المساعي الإسرائيلية لاكتساب صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي بعد حل منظمة الوحدة الأفريقية عام 2002، شهدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية تقاربا دبلوماسيا وعلى المستوى العسكري، فيما بقي المستوى الشعبي رافضا لأي تقارب.
  • إلى جانب البحث عن أسواق جديدة للزراعة الإسرائيلية والتكنولوجيا والخبرة الأمنية، كانت تل أبيب حريصة على تحسين سجل تصويت الدول الأفريقية بشأن المسائل المتعلقة بها في المنظمات الدولية، مثل مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
  • كان عام 2016، نقطة التحول الكبرى في تاريخ العلاقات، حيث الزيارات المكوكية التي أجراها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لعدد كبير من دول أفريقيا جنوب الصحراء (منها ذات أغلبية مسلمة)، وأصبح نتنياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور القارة منذ عقود.
  • أواخر 2016، استضافت تل أبيب مؤتمرا زراعيا، ضم وزراء ومسؤولين من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس تضم 15 دولة)، وفي العام التالي حضر نتنياهو المؤتمر السنوي لإيكواس، في ليبيريا، وآنذاك قال إن "إسرائيل تعود إلى أفريقيا بقوة".

تطويق مصر

وفق أوراق ودراسات بحثية وتقارير مصرية وعربية عدة، فإن إسرائيل تنظر إلى أفريقيا باعتبارها مجالا حيويا مهما، لاعتبارات عدة أهمها:

  • تحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية.
  • حماية أمنها القومي باعتبار أفريقيا دائرة ثانية تقع في نطاق دول المواجهة العربية والإسلامية، وعلى رأسها مصر.
  • ظلت القارة حاضرة في دائرة اهتمام تلك الحركة بمنظور العمق الإستراتيجي والحزام الأمني الذي يطوق العرب، وعلى هذه الخطى التاريخية تواصلت إستراتيجية الدولة العبرية تجاه أفريقيا.
  • في كتابه "إسرائيل بعد عام 2000" يقول السياسي والجنرال السابق بالجيش الإسرائيلي إفرايم سنيه إن "المجال الحيوي الإسرائيلي يجب أن يتسع خلال القرن الـ21 ليشمل كل دولة تستطيع أن تشارك في العمليات الهجومية، أو أن تغلق ممرا مائيا، خاصة لو بها أنظمة معادية".
  • أكد الجنرال الإسرائيلي أيضا أهمية توطيد العلاقات مع إثيوبيا وإريتريا نظرا لسيطرتهما على منابع النيل، وهو ما يخلق نوعا من التوتر مع مصر يمكن استغلاله بأفكار خلاقة.
  • سبق أن أوصى معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، صنَّاع القرار الإسرائيليين، باستغلال أزمة المياه وسد النهضة، لتوسيع التطبيع مع القاهرة.
  • دعمت تل أبيب في تسعينيات القرن الماضي دولا مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا، حين طالبت بتسعير المياه وإعادة النظر في الاتفاقية القائمة بشأن الانتفاع بمياه النيل.
  • استغلت إسرائيل ورقة المياه للضغط على مصر، وتحريض دول منابع النيل لاتخاذ مواقف متشددة ضدها خلال مفاوضات التوقيع على الإطار المؤسسي لمبادرة حوض النيل، لينتهي الأمر بتعليق مصر مشاركتها في المبادرة.
  • يمثل الوجود الإسرائيلي في القرن الأفريقي (المدخل الجنوبي للبحر الأحمر)، تهديدا خطيرا للمصالح المصرية، خاصة بعد توقيع تل أبيب وأبو ظبي العام الماضي، اتفاقا يستهدف نقل النفط عبر خط أنابيب يربط البحرين الأحمر والمتوسط، إلى أوروبا، والذي يمر معظمه حاليا عبر قناة السويس.
  • استفادت إسرائيل من تجارب التمترس الأفريقي خلف القضايا العربية في فترات الحروب، بحكم الثقل التصويتي للقارة في المنظمات الدولية المختلفة.

التفكك العربي

وعن تداعيات التغلغل الإسرائيلي في القارة، حذَّر الأكاديمي والمحلل السياسي حسن نافعة، من قرار قبول إسرائيل عضوًا مراقبا في الاتحاد الأفريقي، قائلا:

  • رغم أن قرار انضمام إسرائيل يدخل ضمن الصلاحيات الإدارية لرئيس المفوضية الأفريقية، فإنه كان ينبغي عليه أن يدخل في مشاورات واسعة مع الدول الأعضاء قبل اتخاذه، وهو ما لم يحدث، الأمر الذي يشكك في مشروعيته، وأدى إلى رفض بعض الدول له، مثل جنوب أفريقيا والجزائر.
  • مجرد صدور القرار يعكس حجم التفكك العربي وضآلة الثقل العربي في المنظمة، كما يعكس تدهور العلاقات العربية الأفريقية وتمدد النفوذ الإسرائيلي في القارة.

اتفق الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية محمد الزواوي مع الطرح السابق، موضحا أن:

  • قبول إسرائيل كمراقب لدى الاتحاد الأفريقي يعد هزيمة للنفوذ الناعم لمصر في المنظمة الإقليمية المهمة.
  • حتى لو كان بقبول ضمني من مصر، فتوسع النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا ولاسيما في منابع النيل يعد تهديدا للساحة الخلفية التي تعتبر الامتداد الحيوي لأمن مصر القومي.
  • كان ينبغي على مصر منذ سنوات أن تظل منطقة حوض النيل منطقة نفوذها الرئيسية، ولكن التفريط في ذلك أدى إلى دخول إسرائيل بأهدافها التوسعية في المجالات التنموية والتقنية، ليكون لها اليد العليا على حكومات أفريقية.
  • استمرار تراجع قدرة مصر على التأثير وتحقيق أمنها، يؤثر مستقبلا على الأمن المائي، نظرا لأهداف إسرائيل لتطوير الزراعة في إثيوبيا خصما من الحصة المائية لمصر، وذلك بمشاركة دول أخرى عربية اختارت أن تستثمر في دول حوض النيل، نظرا للقرب الجغرافي بين الجزيرة العربية وإثيوبيا.
  • ضم إسرائيل يؤدي لإضعاف نفوذ مصر على المدى البعيد، بما يقوّض قدراتها على المناورة في مختلف الملفات الإقليمية التي تمس الأمن القومي.

في المقابل، اعتبر الأكاديمي والخبير في الشأن الأفريقي، بدر شافعي، أن:

  • انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي، يعد خطوة رسمية وتأكيدا للممارسات الفعلية السابقة للدول الأفريقية التي كانت تطبع مع إسرائيل.
  • هناك تداعيات، بناء على توضيح معنى صفة مراقب، الذي يشارك في الاجتماعات دون أن يكون له حق التصويت، لكنه سيعلم ما يدور في أروقة الاتحاد الأفريقي.
  • الانضمام يمثل تطبيعا رسميا مع إسرائيل، بعد تطبيع مصر بموجب اتفاقية السلام، حيث كانت الدول الأفريقية تقاطع إسرائيل تضامنا مع مصر، وهي الآن تبحث عن مصالحها.
  • مصر تستبعد وجود تداعيات من وراء انضمام إسرائيل على أمنها القومي.
  • القاهرة تنظر لتل أبيب كحليف لا عدو، كما أن هناك تنسيقا أمنيا كبيرا في العديد من الملفات منها سيناء والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
  • مصر ربما سعت إلى ضم إسرائيل بالاتحاد الأفريقي، لمزيد من توطيد العلاقات معها.
المصدر : الجزيرة