هل قوض الانسحاب من أفغانستان ثقة الحلفاء الأوروبيين والآسيويين في الولايات المتحدة؟

يرى خبراء أن قرار الانسحاب الأميركي جاء مدفوعا باعتبارات سياسية داخلية، وليس بتوازنات على أرض الواقع داخل أفغانستان، وقد قوض القرار شعار حلف شمال الأطلسي "معا، معا"، ولم يترك للأوروبيين أي بديل سوى المغادرة مع الولايات المتحدة.

انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف الناتو من أفغانستان جاء بعدما أنفق الطرفان أكثر من تريلوني دولار خلال 20 عاما (الأوروبية)

واشنطن- كيف سيؤثر فشل الولايات المتحدة وانسحابها من أفغانستان على تحالفات واشنطن العسكرية في شرق آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان)، وأوروبا الغربية (دول حلف شمال الأطلسي)؟ سؤال يتم تداوله واسعا في الأوساط السياسية والفكرية في الولايات المتحدة، من وحي الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

فقد وصف بعض المعلقين سقوط كابل بأنه لحظة تاريخية تشبه "لحظة سايغون" بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في إشارة إلى مقتل حلفاء الولايات المتحدة في فيتنام بعد الانسحاب الأميركي منها، خاصة بعد الهجمات الأخيرة خارج مطار كابل، كذلك رأى البعض أن لحظة كابل تماثل "لحظة تأميم قناة السويس" عام 1956، وهي الأزمة التي ارتبطت ببداية انحدار قوة بريطانيا العالمية، ومقارنتها بما يمكن أن تؤول إليه علاقة واشنطن بحلفائها في غرب أوروبا وشرق آسيا.

وعلى عكس ما يراه مراقبون، فإن قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان لم يقوض بشكل كبير الثقة الأوروبية أو الآسيوية في الولايات المتحدة كقائدة للعالم الليبرالي الحر، وبدلا من ذلك -ووفقا للخبراء الذين تحدثت معهم الجزيرة نت- فإن الانسحاب من أفغانستان يعد فرصة جيدة لإعادة ترتيب أولويات واشنطن وفق إستراتيجية عالمية، بدل الاقتصار على قضية مكافحة الإرهاب.

إعلان

تحديات الانسحاب

ولكن لا يعني ذلك ألا تكترث إدارة بايدن بالتأثير السلبي للانسحاب، خاصة مع ادعاء بايدن وكبار أركان إدارته تمتعهم بخبرة واسعة في السياسة الخارجية، وبالنسبة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) فإن الكارثة لا بد أن تدفعه إلى إعادة توجيه تركيزه نحو القضايا الأوروبية الأساسية، بما فيها توسعه شرقا وإدارة علاقته مع روسيا، في حين يمثل الانسحاب من أفغانستان خبرا سارا لحلفاء واشنطن الآسيويين الذين يريدون من واشنطن الانتباه والتركيز على التهديدات الواسعة التي تمثلها الصين.

حلف الناتو

اختار الحلفاء الأوروبيون المشاركة في حرب أفغانستان قبل 20 عاما انطلاقا من التضامن مع الحليف الأميركي وليس دفاعا عن مصالح أمنية أوروبية. وشارك حلف الناتو في حرب أميركا على الإرهاب، لكن الخلاف حول طبيعة المهمة كان مستحكما منذ البداية.

وجاء انسحاب القوات الأميركية وقوات حلف الناتو من أفغانستان بعدما أنفق الطرفان أكثر من تريليوني دولار خلال 20 عاما، على ما يمكن أن يراه البعض مصلحة إستراتيجية أوروبية هامشية، وأظهر الانسحاب ليس فقط سوء إدارة عملية الانسحاب من جانب إدارة بايدن، بل أظهر بوضوح أيضا اعتماد الجيوش الأوروبية على الولايات المتحدة، وعدم قدرتها وحدها إلى حد كبير على القيام بمهام واسعة النطاق في الخارج، من دون تمكين ودعم رئيسيين من الولايات المتحدة.

وفي حديث مع الجزيرة نت رأى الخبير في برنامج الأمن الأوروبي بمركز السياسات السياسة والإستراتيجية بواشنطن بيير موركوس أنه "ليس من المستغرب أن يكون السقوط السريع لكابل قد أحدث صدمة في مختلف أنحاء أوروبا، وأثار نقاشا حادا بين القادة الأوروبيين حول تداعياته على الشراكة عبر الناتو، إلا أن ارتباط تدخل الحلف في أفغانستان وانسحابه منها بتوقيتات أميركية أظهر عمق الارتباط بين الطرفين".

قرار بايدن سحب قوات بلاده قبل 11 سبتمبر/أيلول المقبل أغضب العديد من الدول الأوروبية (الأوروبية)

وقال بيير موركوس للجزيرة نت إن "العديد من الدول الأوروبية شعرت بالغضب عندما أعلن الرئيس بايدن في أبريل/نيسان 2021 عزمه على سحب القوات الأميركية قبل حلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل، إذ اعتبرت أنها تواجه أمرا واقعا، لأن لديها قوات على الأرض أكثر من نظيرتها الأميركية، لكنها تعتمد عليها، ومع ذلك لم تتم استشارة هذه الدول بشأن قرار الانسحاب وتوقيته".

إعلان

وأشار ماركوس إلى أنه "رغم أن حلفاء الناتو ينبغي أن يرحبوا بالتحول في التركيز على القضايا الإستراتيجية الأساسية، فإنه ينبغي عليهم أيضا ملاحظة بعض الاتجاهات المثيرة للقلق، وتشمل استمرار "سياسات أميركا أولا" منذ أدخلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ولم يتجاهلها بايدن".

ورأى كثير من الخبراء أن قرار الانسحاب الأميركي جاء مدفوعا باعتبارات سياسية داخلية، وليس بتوازنات على أرض الواقع داخل أفغانستان، وقوض القرار شعار حلف الناتو "معا، معا"، ولم يترك للأوروبيين أي بديل سوى المغادرة مع الولايات المتحدة، بعدما تم تجاهلها في التوصل للقرار من جانب واشنطن، كما قال ماركوس.

شرق آسيا

أسهمت كل من اليابان وكوريا الجنوبية في دعم حليفهما الأميركي في حربه بأفغانستان بصورة رمزية غير قتالية، وأنفقت الدولتان ما يزيد على 10 مليارات دولار في برامج تنمية مختلفة في مجال البنية الأساسية والتعليم.

ولا تمثل أفغانستان أهمية كبيرة لدول شرق آسيا، لكن وبسبب امتلاك أفغانستان كثيرا من المعادن القيمة، وامتلاكها حدودا في شرق البلاد مع الصين؛ دفع ذلك لاهتمام ثلاثي من حلفاء واشنطن وأعداء الصين بتداعيات تطورات الأحداث في أفغانستان.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشارت يون صن خبيرة العلاقات الأميركية الآسيوية بمعهد ستيمسون إلى أنه على المدى القريب ستكون واشنطن مشتتة إلى حد كبير بسبب الانسحاب، لكنها رأت أن الانسحاب سيمنح الولايات المتحدة القدرة على التركيز على المنافسة الإستراتيجية الأهم مع الصين، حيث تمثل منطقة شرق آسيا المسرح الرئيسي للمنافسة.

إلا أن يون صن قالت للجزيرة نت إنه "يبقى أن نرى إذا كان هذا سيُترجم إلى المزيد من الوجود العسكري في المنطقة، ولكن الولايات المتحدة على الأقل ستهتم بالمنطقة من دون تشتيت اهتمامها نحو أفغانستان".

إعلان

واعتبرت يون صون أن "حلفاء واشنطن الثلاثة (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان) تقع على خط المواجهة في المنافسة مع الصين، وبالتالي لا ينبغي لها أن تقلق بشأن الالتزام الأمني للولايات المتحدة، إلا إذا قررت الأخيرة الانسحاب من دورها المهيمن في غرب المحيط الهادي، ولا يتوقع أحد أن يحدث ذلك في أي وقت قريب".

وأقرت يون صن بأنه لا "يوجد التزام أبدي، من أي حليف تجاه الآخر، وكل هذا يتوقف على تعريف المصالح الوطنية لكل دولة وما يخدمها، ولكن نظرا لحقيقة أن التحالف الأمني الأميركي يشكل أساس اهتمام الولايات المتحدة بشرق آسيا، والأهمية الحاسمة للمنطقة بالنسبة لها، فلا أعتقد أن يشعر حلفاء وشركاء أميركا بالقلق".

المصدر : الجزيرة

إعلان