الخلافات الداخلية في حركة النهضة التونسية.. هل تُحدث تغييرا قياديا؟
تتباين المواقف داخل النهضة من "التدابير الاستثنائية" التي اتخذها سعيّد، فهناك من يريد التحاور المباشر معه وهناك من يعارض ذلك.
تونس – ألقت الأحداث الجارية في تونس بظلالها على الحراك داخل حركة النهضة، مع ترجيح حدوث تغييرات قيادية في مكتبها التنفيذي، بعد تحميل طيف واسع من التونسيين الحركة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد تحت حكمها منذ 10 أعوام، وهو ما تنفيه الحركة.
ودعا المجلس الوطني للشباب في النهضة إلى تكوين قيادة وطنية للإنقاذ تتضمن كفاءات شبابية، وتكون بداية لمسار التجديد في القيادة التنفيذية للحركة، لإنقاذ المسار السياسي في البلاد.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبعيدا عن السيناريو المصري.. المستقبل الوعر للديمقراطية التونسية بعد قرارات قيس سعيد
انقلاب تونس.. هل يتدخل الجيش؟
محامون تونسيون يدينون عمليات الإيقاف العشوائية والمداهمات الليلية
ويوضح القيادي في الحركة سليم بسباس أن التوجه نحو التغيير في قيادات النهضة كان في مسار الإعداد للمؤتمر الانتخابي الجديد، وأن كل ما وقع من تأجيل وترضيات وتوافقات داخلية كان باتجاه عقد مؤتمر انتخابي قائم على التداول بكل سلاسة في إطار القانون والشرعية.
أكثر إلحاحا
وقال بسباس، للجزيرة نت، إن الأحداث الجارية جعلت هذه المسألة أكثر إلحاحا بخاصة مع تحميل المسؤولية السياسية لحركة النهضة، وهو "ما يتقاطع مع مطلب داخلي باتجاه تجديد القيادة"، مؤيدا تقريب المؤتمر الانتخابي الذي كان سيعقد أواخر 2021.
ويفرض ترتيب البيت الداخلي للنهضة نفسه بقوة، حسب عضو مجلس شورى الحركة قسومة قسومة، "بخاصة بعد تأخر مؤتمرها أكثر من سنة، الذي يُنتظر منه تقييما لخيارات الحركة ونجاعتها خاصة على خلفية الانقلاب الأخير، وما طرح بقوة في الأشهر الماضية من ضرورة التداول القيادي والمسألة المتعلقة برؤية الحزب الاجتماعية والاقتصادية".
التغيير مفروض
أما عضو مكتب الشباب الوطني بالحركة، والمكلف بالمنظمات الوطنية، وسيم السبيعي، فيرى أن التغيير الجوهري في قيادة النهضة "واجب"، و"أن غير ذلك سيكون عبثا، بسبب وجود قيادات أدّت إلى الأزمة سواء مع رئيس الجمهورية أو الشعب التونسي، بعدم التجاوب مع المطالب الشعبية للشباب وصمّ آذانها عن حقيقة وضع الشارع التونسي".
وأضاف السبيعي، للجزيرة نت، أن مكتب الشباب يضغط للتغيير ولتشكيل لجنة لقيادة الأزمة، "تكون للشباب يد طويلة فيها، ويضغط باتجاه انسحاب الوجوه التي خلفت حساسية لدى الشعب.. بعكس شباب الحركة الذين التقطوا الرسالة".
بدورها، تؤكد عضوة المكتب المركزي بحركة النهضة، سمية العياري، أن التغيير الجوهري في قياداتها هو مطلب الجميع، وأنهم يسعون إلى ذلك في انتظار انعقاد مؤتمر الحركة الانتخابي.
وأرجعت العياري، في تصريح للجزيرة نت، هذا المطلب إلى "رفض الشعب القيادة التي حكمت منذ 10 سنوات وتحميلها المسؤولية"، مضيفة أن "الحزب الذي لا يستجيب لطلبات الشعب عليه التوقف لأن قوتنا ووجودنا من قوة الشعب".
وحدة الصف
وعن دعوة المجلس الوطني للشباب إلى تكوين قيادة وطنية للإنقاذ، شدد عضو شورى الحركة قسومة على أن الموقف يقتضي وحدة الصف ودعم رئيس الحركة، رغم "أنني كنت وما زلت ضد ترشحه لأي مسؤولية في الدولة، وتمنيت تخلّيه عن رئاسة الحركة حال رئاسته للبرلمان".
واقترح قسومة انتخاب قيادة جماعية تسيّر الأوضاع حتى المؤتمر المقبل وتضع خطة لإرجاع قطار التجربة الديمقراطية إلى سكّته، وذلك باحترام القانون الأساسي للحزب، أي من خلال مجلس الشورى المنتخب الذي يمثل أعلى سلطة بين المؤتمرين.
ورأى قسومة أن "المبادرات الفردية من بعض القطاعات أو الهياكل أو الأفراد تمثل رد فعل نفسي متشنج يفتقر إلى الخبرة في التعاطي مع الأزمات، ولا تسهم إلا في تشتيت الجهود، وتخدم خصوم الحركة".
رسالة
بالمقابل، يبين وسيم السبيعي أن هذه الدعوة تأتي في إطار التفاعل مع الأحداث الأخيرة والتقاط الشباب رسالة مفادها أن من خرجوا يوم 25 يوليو/تموز الماضي ليسوا جميعهم من أنصار نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وأكد أن المجلس ومكتب الشباب يرون أن ما حدث "هو هبّة شبابية مناصرة لسعيّد اقتنعت بخطابه الشعبوي، ولا يستطيع أن يخاطبهم إلا شباب مثلهم يعانون معاناتهم ويتفهمون خطابهم ومطالبهم".
وأضاف السبيعي "سندفع باتجاه تغيير طاقم رئيس الحركة حالا، والاستئناس بالكفاءات الشبابية التي أثبتت قدرتها على سلامة التحليل وسرعة الإنجاز وتحمل مسؤولياتها".
من جانبها، بيّنت العياري أن دعوة المكتب الوطني الشباب إلى انتقال جيلي في القيادة قديمة وملحّة في تونس، بهدف التجديد بوجوه شبابية "لعلها تكون أكثر نفعا وعطاء".
أما سليم بسباس فيرى ضرورة في أن "لا تسبق الأحداث جاهزية الأحزاب"، وأنه "رغم تغير الوضع نحو الديمقراطية المبنية على التعددية، فإنه لا يمكن العمل على مسار الانتقال الديمقراطي بأحزاب ضعيفة لا تستطيع أداء دورها كقوى مؤطرة في الحياة السياسية، وتتحمل مسؤوليتها الكاملة في إطار السلطة أو المعارضة".
قراءات
وبخصوص القراءات المختلفة داخل الحركة "لتدابير الرئيس الاستثنائية"، أوضح السبيعي أنها تتركز على كيفية التعامل معها، فهناك من يريد التحاور المباشر مع سعيّد وهناك من يعارض ذلك.
وهناك من يرى أن قيادة النهضة برمّتها أوصلت التونسيين إلى هذا الوضع، ويريد تحميلها مسؤولية كل ما حدث منذ 10 سنوات، وتحميل رئيسها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وهو تقدير يراه السبيعي غير موضوعي.
أما العياري فتحصر الاختلاف داخل الحركة في توصيف ما أقدم عليه سعيّد باعتباره "تجاوزا خطيرا" أو "انقلابا".
من جهته، يقول بسباس إن بيانات الحركة الرسمية واضحة، وتعدّ ما حدث "انقلابا وخرقا للشرعية وللدستور"، مشيرا إلى وجود خلاف بشأن اعتبار الرئيس قيس سعيّد مسهما في هذا المأزق من عدمه، وبشأن توصيف الطرف المسؤول عن هذه الأزمة.
وأما بسباس فيرى أن السؤال الذي يهمّ تونس اليوم هو عن مخارج الأزمة وخريطة الطريق والمسار المستقبلي للعودة إلى الظروف الطبيعية والشرعية وبناء دولة ديمقراطية مبنية على التعددية الحزبية.