لماذا تتجنب إسرائيل شن حرب واسعة على غزة؟

يعتقد معلقون إسرائيليون أن حماس تتطلع لتحرير مئات الأسرى وهذا إنجاز لا يبدو أن حكومة بينيت تعتزم منحه لها والتي تلجأ للرد على إطلاق البالونات الحارقة صوب المستوطنات بمحيط القطاع بقذائف مدفعية وغارات محدودة على مواقع وأهداف بغزة

بينيت يتفقد منظومة القبة الحديدية التي تم نصبها بالجنوب وقبالة غزة.. تصوير مكتب الحصافة الحكومي الإسرائيلي والتي عممها على الصحافيين لاستعمالها)
بينيت يتفقد منظومة القبة الحديدية التي تم نصبها بالجنوب وقبالة غزة (الصحافة الإسرائيلية)

القدس المحتلة – ما إن وضعت الحرب على قطاع غزة أوزارها في مايو/أيار الماضي، حتى أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي أن قواته تتحضر إلى "حارس الأسوار 2″، دون الخوض بالتفاصيل والاكتفاء بالقول إن الجيش بالحرب المقبلة سيعتمد على "عنصر المفاجأة".

وعلى خطى كوخافي واصل وزير الفاع الإسرائيلي بيني غانتس تهديداته بشن هجوم واسع على قطاع غزة، فيما أجرت قيادة الأركان بالجيش الإسرائيلي، تقييما للوضع في فرقة غزة العسكرية مع غانتس وكوخافي ورئيس الوزراء نفتالي بينيت.

وصرح بينيت بأن "قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة العسكرية جاهزون لأي سيناريو"، فيما نقلت مصادر مقربة منه قوله إنه على "استعداد للذهاب لخيار الحرب على غزة، حتى لو كلفه الثمن كرسي رئاسة الوزراء وخسارة دعم نواب القائمة الموحدة للائتلاف الحكومي".

وبدا أن طبول الحرب تقرع أبواب غزة مجددا خلال شهر أغسطس/آب الجاري الذي تميز بتصعيد متبادل بين فصائل المقاومة ممثلة بحركة المقاومة الإسلامية حماس والجيش الإسرائيلي، في مؤشر اعتبره محللون سياسيون وعسكريون إسرائيليون، بأنه وسيلة ضغط من قبل تل أبيب وحماس لتحقيق المكاسب والإنجازات ضمن المفاوضات غير المباشرة التي تشرف عليها مصر.

ووسط التحديات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي الذي تواجهه حكومة بينيت لم يتبع الجيش الإسرائيلي تهديداته بشن عملية عسكرية واسعة على غزة بأفعال، بعد استهداف قناص إسرائيلي برصاص فلسطيني وإطلاق قذائف صاروخية صوب بلدة سديروت بالجنوب، وتصاعد المقاومة المسلحة بالضفة الغربية مع استشهاد 6 فلسطينيين بجنين خلال الشهر الجاري في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال.

إعلان

وعليه وبغية احتواء التصعيد، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الخميس تقديم "تسهيلات" و"توسيع" إدخال معدات ولوازم للمشاريع المدنية الدولية في القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وجاء القرار بعد تقدير الأوضاع الأمنية وبمصادقة المستوى السياسي الإسرائيلي.

أزمات إسرائيل الداخلية

ووسط لغة التهديد والوعيد من المستوى العسكري الإسرائيلي والتصعيد المضبوط على جبهة غزة، يقول الإعلامي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شتيرن "إن قضية إعمار غزة وتخفيف الحصار تبقى مرتبطة بدفع قضية الأسرى والجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس".

وأوضح شتيرن للجزيرة نت أن التقديرات الأمنية والاستخباراتية في تل أبيب أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، ومن أجل استعادة الثقة والحاضنة الجماهيرية والشعبية، مستعد لجولة تصعيد عسكرية أخرى ضد إسرائيل.

ويعتقد شتيرن أن قرار ترحيل الحرب يأتي بسبب الأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل سواء جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والصحية، والأزمة السياسية وعدم استقرار حكومة بينيت، وافتتاح العام الدراسي الجديد والأعياد اليهودية خلال شهر سبتمبر/أيلول المقبل.

اختيار التوقيت الملائم

وأكد أن الأوضاع الداخلية الإسرائيلية وكذلك تصعيد التوتر الأمني في الضفة الغربية والاشتباكات المسلحة، كلها مجتمعة تحول دون شن الحرب الشاملة على قطاع غزة بشكل فوري، وذلك على الرغم من أن التصعيد الواسع هو مسألة وقت وحسب، بحيث سيكون على إسرائيل "اختيار التوقيت الملائم وعدم الانجرار نحو توقيت غير مريح".

وأوضح الإعلامي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية أن التصعيد الذي وصل لحد المواجهة الشاملة يعكس الهوة بالمواقف والمطالب بين إسرائيل وحماس، خصوصا بكل ما يتعلق في صفقة التبادل والخلافات بشأن ملفات المفاوضات والتسوية التي تجري بوساطة مصرية.

إعلان

ويعتقد شتيرن أن حماس تتطلع لتحرير مئات الأسرى، وهذا إنجاز لا يبدو أن حكومة بينيت تعتزم منحه لها والتي تلجأ للرد على إطلاق البالونات الحارقة صوب مستوطنات "غلاف غزة"، بقذائف مدفعية وغارات محدودة على مواقع وأهداف بغزة.

مناورة للجيش الإسرائيلي على توغل بري بمناطق سكنية.. ((تصوير المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وصلتني كصحافي مشارك بالبيانات والصور الصادرة عن الجيش)
تدريب للجيش الإسرائيلي على توغل بري بمناطق سكنية (الصحافة الإسرائيلية)

حارس الأسوار 2

وخلافا لهذا الطرح، يعتقد المحلل العسكري في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" روني بن يشاي أن إسرائيل ترتكب خطأ باعتمادها سياسة "ضبط النفس" مع حماس، ويرجح أن هذه الفترة إذا اقتضت الحاجة هي التوقيت المناسب لشن عملية "حارس الأسوار2" وإنهاء ما لم ينفذه الجيش الإسرائيلي خلال "حارس الأسوار" في مايو/أيار الماضي، بحيث تشمل الحرب المقبلة اجتياحا بريا بغية تدمير المنظومة الصاروخية لحماس والجهاد الإسلامي.

ورجح المحلل العسكري أن "سياسة الاحتواء في غزة والتسهيلات التي تمنحها إسرائيل باتت متآكلة وما عادت مجدية وأفلست"، مشيرا إلى أن الفصائل الفلسطينية تستغل ذلك لابتزاز إسرائيل، علما أنه ما تزال لدى حماس والجهاد قدرات صاروخية عالية ومتعددة، تستخدمانها ضد إسرائيل ما دامت الفصائل تشعر بأنها قوية.

وعزا بن يشاي تقديراته -بأن الفترة الحالية هي الأنسب لشن حرب واسعة على غزة- إلى انشغال المجتمع الدولي بالانسحاب الأميركي والقوات الأجنبية الأخرى من أفغانستان، وعودة طالبان للحكم في العاصمة كابل، مرجحا أن عملية عسكرية إسرائيلية في القطاع لن تلقى معارضة دولية مثلما كان في السابق، كما أن واشنطن المنشغلة في تداعيات الأحداث في أفغانستان لن تمارس ضغوطا على إسرائيل ولن تعرقل العملية العسكرية.

ظروف غير مواتية

ويعتقد الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" بجامعة تل أبيب كوبي ميخائيل أن الظروف غير مواتية بالنسبة لإسرائيل لشن حرب شاملة على جبهة قطاع غزة، مشيرا إلى "أن التصعيد المحدود من إسرائيل وحماس يعكس لربما المحنة لدى كل جانب".

إعلان

ولتجنب قطاع غزة حربا شاملة، اعتبر الباحث الإسرائيلي في تقدير موقف بعنوان "محنة حماس والمنحدر الزلق"، أن حماس من خلال المظاهرات والاحتجاجات عند السياج الأمني والبالونات الحارقة تسعى لتنفيس الضغط الجماهيري ضدها، بسبب عدم القدرة على ترجمة ما كان تنظر إليه وتعرضه على أنه إنجازات مثيرة للإعجاب خلال عملية "حارس الأسوار" والإنجازات السياسية اللاحقة" على حد تعبيره.

ورجح أن تمتنع إسرائيل بهذه المرحلة عن مواجهة شاملة على جبهة غزة، بغية ألا تتصاعد حدة التوتر والمقاومة في شمال الضفة الغربية والقدس والامتناع عن إثارة قضية الأقصى والشيخ جراح على الأجندة العالمية، علما أن إسرائيل لم تتراجع عن مطالبها ولا تعتزم تغيير قواعد اللعبة ولن تتوانى عن الرد على أي تهديد أمني وبشكل فوري.

مواجهة عسكرية جديدة

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من تآكل مفهوم الردع، فإن قيادة حماس، يقول الباحث الإسرائيلي "تتفهم تماما مخاطر إطلاق الصواريخ كوسيلة للضغط على إسرائيل أو كأداة للتحقق من صحة تصريحاتها بشأن المعادلة الجديدة".

ويقدر بأن الحكومة الجديدة بإسرائيل ولدوافع داخلية وعدم الاستقرار السياسي ترحل شن حرب شاملة على غزة لكنها لا تستبعد سيناريو من هذا القبيل، وخلص للقول إن "سوء التقدير بشأن الرد الإسرائيلي ودلالات ومعاني الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أعقاب سيطرة طالبان، وكذلك الإفراط في استغلال حركة الجهاد الإسلامي والدفع الإيراني لتصعيد الموقف، يمكن أن يقودنا، وحتى بسرعة كبيرة إلى الانزلاق لمنحدر مواجهة عسكرية أخرى شاملة، أكثر تعقيدا وأهمية من سابقاتها".

المصدر : الجزيرة

إعلان