دراسة الطلاب المصريين بالخارج.. طلب علم أم سعي لعمل؟

القاهرة ـ عدد محدود من الكليات يعد على أصابع اليد الواحدة، التي يعلق عليها طلاب الثانوية العامة بمصر آمالهم لمستقبل مضمون، وهي الطب والصيدلة والهندسة والطب البيطري وطب الأسنان، وأحيانا تجري المفاضلة بينها وبين كليات متخصصة بالتقنية.
وفور ظهور نتيجة الثانوية العامة ومعرفة مؤشرات التنسيق، يحجم مئات الطلاب عن التقدم لتنسيق المرحلة الأولى رغم نتائجهم المرتفعة التي لا تؤهلهم لكليات القمة في الوقت نفسه، ثم يستعدون للسفر إلى الخارج للدراسة.
محمود عزام، حصل على 89% في تخصص علمي علوم هذا العام، مما حطم أمله في الالتحاق بكلية الطب بإحدى الجامعات الحكومية، وسأل عن مصروفات دراسة الطب بأرخص الجامعات الخاصة بمدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة، ليجد أنها تفوق طاقة أسرته على سدادها، إذ تبلغ نحو 115 ألف جنيه (ما يعادل نحو 7300 دولار).
ووسط موجات الإحباط المتوالية، داعبت إعلانات الدراسة بالخارج خيال محمود، الذي قال -للجزيرة نت- "في روسيا مثلا، يمكنني الدراسة والعمل معا، لتسديد ما سيقترضه أهلي من أجل مصروفات الدراسة هناك، وهي على أي حال أقل كثيرا من أرخص جامعة خاصة بمصر".
وتبلغ تكاليف دراسة الطب بإحدى الجامعات الروسية المعروفة نحو 2400 دولار، وتتم الدراسة باللغة الإنجليزية، ويقل المبلغ إلى ألفي دولار فقط في حال الدراسة باللغة الروسية، وتوفر نفس الجامعة برنامجا مكثفا لدراسة اللغة الروسية بمبلغ ألف دولار، وهو ما يعني أن الـ400 دولار الإضافية حال الدراسة بالإنجليزية سيتم توفيرها سنويا بدفع ألف دولار لمرة واحدة لتعلم اللغة الروسية.
ومثل محمود هناك مئات الطلاب الذين يفضلون الدراسة بالخارج على الداخل، طلبا للعلم أو للسفر في حد ذاته، رغم أن الجامعات الحكومية والخاصة بالداخل ذات مستوى تعليمي جيد، برأي طلاب وأساتذة جامعات.
وكشف مؤشر البحث العلمي لشهر يوليو/تموز الماضي عن وجود 31 جامعة مصرية في تصنيف التايمز 2021 للجامعات العربية.
واحتلت مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا المركز العاشر عربيا والأول محليا، ثم الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا في المرتبة الثانية محليا (11 عربيا)، ثم جامعة المنصورة في المرتبة الثالثة محليا (13عربيا)، ثم جامعة كفر الشيخ وجامعة قناة السويس في المرتبة الرابعة محليا (17 عربيا) وجامعة الإسكندرية في المرتبة الخامسة محليا (19 عربيا)، وفق المؤشر.
البقاء على قيد الدراسة
ووقعت حوادث غرق لطلاب سافروا بطريق الهجرة غير الشرعية، في حين تمكن من نجا من البقاء على قيد الدراسة في أوروبا. بيد أنه في واقع الأمر، العمل هو الهدف لا الدراسة، بحسب محمد ندا -وهو صحفي مصري بفرنسا- حيث أكد -للجزيرة نت- أنه التقى عشرات الطلاب الذين يتخذون من الدراسة غطاء للعمل.
في إيطاليا وحدها، التي تعد وجهة مفضلة للهجرة غير الشرعية عبر مراكب البحر المتوسط، يدرس نحو 6 آلاف طالب مصري، حسب تقديرات وزارة التعليم العالي، كثير منهم يجدد إقامته بدعوى الدراسة بينما هو في حقيقة الأمر يعمل.
هذا العدد الكبير -في بلد ترتفع فيه التكاليف إلى أرقام كبيرة- يمثل نحو خُمس أعداد الطلاب المصريين الدارسين بالخارج، أما الرقم الأكبر وهو 16 ألف طالب فيتوجه إلى روسيا حيث تكاليف الدراسة والإقامة أرخص، مع توافر فرص عمل تمكنهم من تحمل تكاليف الحياة والدراسة.
وتحل أوكرانيا في المرتبة الثالثة بعد روسيا وإيطاليا، بوصفها وجهة مفضلة لـ4500 طالب مصري، في حين يتوزع نحو 5 آلاف طالب ما بين جامعات أوزبكستان وجورجيا ورومانيا وأرمينيا.
عدم الاعتراف
ويواجه خريجو الكليات الأجنبية التي تؤهل دارسيها لسوق العمل، مثل كليات الطب والهندسة، جملة مشاكل عقب التخرج، منها قرارات وزارة التعليم العالي المتغيرة التي تُخرج كل حين بعض الجامعات الأجنبية من قوائم الجامعات المعترف بها، ليعجز الخريج عن معادلة شهادته بمصر والعمل بها.
وتقوم إدارة البعثات بوزارة التعليم العالي بمراجعة دورية لأسماء الجامعات الأجنبية، لبيان مدى اعتمادها في القوائم الصادرة من المجلس الأعلى للجامعات.
وشملت القوائم المحدثة للجامعات الروسية المعتمدة لدى المجلس الأعلى 15 كلية طب ومثلها لكليات الهندسة وكذا التقنية والآداب، و10 كليات صيدلة ومثلها لطب أسنان.
وتضمنت القوائم المحدثة 5 جامعات في جورجيا، و7 في أوكرانيا، و3 في أرمينيا، و16 جامعة كازاخية.
وبهذه القرارات وجد مئات الطلاب المصريين في عدد من جامعات روسيا أنفسهم بدون شهادة معترف بها في بلادهم.
ومطلع أغسطس/آب الجاري، جدد المجلس الأعلى للجامعات التأكيد على سريان قراراته السابقة بشأن معادلة الطلاب، وربط المجلس معادلة شهادات الجامعات الأجنبية باستيفاء تلك الضوابط، ومنها أن يكون الحاصل على شهادات كليات الطب خريج الثانوية العامة من شعبة علمي علوم، أما الحاصل على شهادات الهندسة، فيجب أن يكون خريج الثانوية العامة من شعبة علمي رياضيات.
وطالب المجلس الطلاب باستيفاء جميع تصديقات الجهات المختصة في مصر قبل السفر، وأن يضع الطالب نفسه تحت إشراف البعثات التعليمية بالخارج.
وأطلق المجلس موقعا إلكترونيا لطلبة الإشراف العلمي يمكن لطالب الدراسة بالخارج من التسجيل فيه بالرقم القومي ووضع المستندات الخاصة به على المنصة للمراجعة والتدقيق، منعا لوقوع الطلاب ضحية التسجيل في جامعات أجنبية غير معتمدة.
قرارات جيدة ولكن
ويعلق استشاري التعليم العالي أحمد لبيب على هذه القرارات بالقول إنها جيدة لكنها متأخرة، لافتا إلى أن المشكلة هي الاعتراف بالجامعات بين الدول، وأن الأمر لا يخلو أحيانا من تأثيرات العلاقات السياسية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح لبيب أن مكاتب الخدمات التعليمية تعرضت لهجوم غير منصف عبر وصفها بمكاتب السمسرة التعليمية، في حين أنها مرخصة من الدولة، وكما أنها توفر فرصا للدراسة بالخارج، تجلب أيضا دارسين من الخارج إلى مصر وتسوق الجامعات المصرية.
ونصح لبيب طالبي الدراسة بالخارج بتوخي الحذر حسب سمعة المكتب وخبراته وخدماته، فضلا عن حسن اختيار نوعية الدراسة المناسبة لسوق العمل، ولفت إلى محاولات للتحايل يقوم بها البعض عبر الالتحاق بجامعات روسية ومنها لجامعات أوربية، ليفاجأ هناك بأنها غير معترف بها.
واعتبر أن تجربة التعليم في ألمانيا هي الأفضل أوروبيا، ولها اشتراطات خاصة بقبول الدارسين بغض النظر عن المشكلات المحلية للتعليم بكل دولة، فضلا عن انخفاض تكاليف التعليم بها مما يجعل الإقبال كبير عليها، خاصة أن ترتيبها متقدم ومخرجاتها التعليمية ممتازة، خلاف الدراسة في روسيا التي لا تخلو من مشكلات عقب التخرج.
وفي سبيل توفيق أوضاع من سبق لهم الدراسة خلافا لضوابط الأعلى للجامعات، وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعمل امتحان قومي لمزاولة المهن على غرار النموذج الطبي المصري، وهو ما يضمن إلحاق هؤلاء الخريجين بعد عودتهم إلى مصر بعد التأكد من تأهيلهم للعمل بالمهنة.
وشكل المجلس الأعلى للجامعات لجنة مهمتها وضع أفكار وخطط لتقليل اتجاه الطلاب للدراسة بالخارج، عبر استقدام فروع لهذه الجامعات للعمل بمصر، لمواجهة ظاهرة تزايد أعداد الطلاب المسافرين للخارج للدراسة.